كلمة السيدة آمنة بوعياش
رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان
"مكّنت المرحلة الانتقالية في المغرب من القطيعة مع ماضي الانتهاكات، وشكلت مفترق طرق لتقاطع الماضي والحاضر والمستقبل بشكل وضع أسس مسار التحول الديمقراطي في المغرب."
يسعى هذا الموقع إلى استعراض تجربة المغرب في مجال العدالة الانتقالية، بمكوناتها وتجلياتها السابقة والراهنة، كتجربة تم إطلاقها في إطار مسار معقد ومتعدد الأبعاد، بصم تاريخ المغرب المعاصر؛ مسارٌ غني بمعطيات ودروس مستفادة ترتبط بقضايا الكشف عن الحقيقة والمصالحة والتحول الديمقراطي في أعقاب الفترات التاريخية التي سجلت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
عملت التجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية على إرساء تقاطع عميق بين دعامتين أساسيتين: العدالة الانتقالية والبناء المؤسساتي. وشكل هذا التقاطع، الذي شمل معالجة الانتهاكات الماضية لحقوق الإنسان وجبر الأضرار والإصلاح المؤسساتي والتشريعي، تجسيدًا لنقاشات دامجة ومتعددة الأطراف طبعت المسار الديمقراطي الوطني.
ندعوكم، من خلال تصفح هذا الموقع، للغوص في ثنايا التجربة المغربية واستخلاص الدروس المستفادة واستجلاء الممارسات المثلى. ولكن قبل ذلك، نود أن نشدد على أهمية أخذ السياق الذي مهد لظهورها بعين اعتبار، بالنظر لأهميته البالغة في تاريخ المغرب المعاصر، وبالنظر لما حمله من فرص لمعالجة ماضي الانتهاكات وخلق توازن بين مسار الاستمرارية والتغيير. وترتبط هذه الفترة الانتقالية بمسار إصلاحات موسعة ركزت أساسًا على إعادة هيكلة المؤسسات السياسية وآليات تجويد الحكم وحماية الحقوق وتعزيزها.
شكلت هذه الفترة الانتقالية مرحلة حاسمة في تاريخ التحول السياسي والاجتماعي بالمغرب عنوانها الأساسي إحقاق العدالة وبلورة التغيير. ومن الضروري التأكيد في هذا السياق على أن الفترات الانتقالية، على اعتبار أنها تتبلور داخل سياقات معقدة من التطورات التاريخية والسياسية والاجتماعية، ليست فقط قطيعة مع ماضي الانتهاكات بل أيضا مفترق طرق معقد يتقاطع داخله الماضي والحاضر والمستقبل لوضع أسس تحولات تشكل جوهر مسلسلات التعزيز الديمقراطي.
جاء مسار العدالة الانتقالية المغربي كنتيجة للتطورات والمبادرات الداخلية والذاتية التي تبلورت في المغرب، وكتجسيد لإرادة مشتركة تهدف إلى إعادة بناء النسيج المجتمعي والسياسي على أسس جديدة. وفي هذا السياق، شكلت كل مرحلة من مراحل هذا البناء، بما شملته من منجزات، كإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة واعتماد دستور جديد ونماذج تنموية دامجة، خطوة إضافية في مسار التحول الديمقراطي. ولابد من التذكير هنا أن التصورات الأولية المتعلقة بطبيعة واختصاصات آلية العدالة الانتقالية قد طرحت تساؤلات عديدة ومعقدة ترتبط بالسبل الكفيلة بضمان التوازن بين التطلعات والواقع الاجتماعي والسياسي، وسبل جبر الضرر الذي لحق بضحايا ماضي انتهاكات حقوق الإنسان، وكيفية بناء ذاكرة جماعية تعكس الحقائق التاريخية وفقًا لتصور يجعلها شكلا من أشكال جبر الضرر. كما تطرقت النقاشات المرتبطة بماهية ومسار التجربة المغربية للانعكاسات والتعقيدات والتحديات المحتملة، إضافة إلى التطورات السياسية والأسس المفاهيمية التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار، والسبل الكفيلة بضمان حلول متوازنة وشاملة لمجمل الإشكاليات التي يطرحها مسار العدالة الانتقالية.
كلما تعمقنا في تحليل التجربة المغربية، التي تجاوزت أصداؤها الحدود الجغرافية والثقافية الوطنية بالتأكيد، إلا وزاد الاقتناع بكونها تمثل نهجا هادئا ورصينا وممارسة فضلى قد تشكل بتطوراتها وانعكاساتها ونتائجها، مرجعا لتجارب أخرى؛ ونذكر هنا أنه من اللازم أخذ العوامل المتأصلة في كل سياق تتبلور داخله تجارب العدالة الانتقالية بعين الاعتبار.
عكست التطورات المسجلة في مسار التجربة المغربية الأولويات والانشغالات الوطنية، حيث تم وضع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وقضايا النوع وسبل الحفاظ على الذاكرة كركائز لها. وفي هذا الإطار، يستعرض هذا الموقع معطيات ومعلومات حولها ويتناول مجمل النتائج التي حملها مسار مغربي فريد تردد صداه خارج حدود المغرب.
في اعتقادنا، بينت التجربة المغربية أن المصالحة ليست فقط فكرة مجردة يسهل تحقيقها على أرض الواقع، بل هي مسار طويل يتطلب الإرادة والالتزام والمثابرة ولا يقتصر على حل الإشكاليات الظرفية. وهنا وجب التذكر أن جهود هيئة الإنصاف والمصالحة المغربية لم تقتصر على حل إشكاليات الماضي، بل زرعت بذور تحول مستمر طبع بانعكاساته المشهد السياسي المغربي، ومكن من إغناء الذاكرة الجماعية وتعزيز مشاركة المواطنين في المسلسل الديمقراطي.
أُحدثت هيئة الإنصاف والمصالحة في إطار دينامية مستدامة ومسار جامع ودامج، وتعتر تتويجا لمسار طوعي يهدف إلى معالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبت في الماضي؛ جاء إحداثها ثمرة للنقاشات بين مختلف الفاعلين في المغرب، بما فيهم فعاليات المجتمع المدني والضحايا وأسرهم.
وتميزت هذه الهيئة باعتمادها لمقاربة شفافة وتشاركية. ولعل خير دليل على فعالية هذه المقاربة الاهتمام الكبير الذي حظيت به الجلسات العلنية التي تم بثها على وسائل الإعلام العمومي خلال ساعات الذروة من قبل المواطنين المغاربة، إلى درجة أن الشوارع كانت تبدو شبه مهجورة أثناء بثها. وقد ساهم هذا النهج في إطلاق حوار حقيقي ب ن الجهات المعنية وخلق أرضية مواتية لبناء الثقة في أفق تحقيق المصالحة.
تمت هيكلة الهيئة بشكل يتلاءم مع السياق الوطني خلال تلك الفترة ومع الفرص والتحديات التي حملها، ولعبت الإرادة السياسية على أعلى مستوى، والأسس التي قامت عليها الهيئة واستقلاليتها في أداء مهامها أدوارا حاس ا في نجاح أشغالها.
وكان صاحب الجلالة الملك محمد السادس قد كلف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان (المجلس الوطني لحقوق الإنسان حاليا)، سنة 2006، بمتابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، بما فيها تلك المتعلقة بجبر الأضرار والتعويض المالي والإدماج الاجتماعي وتسوية الأوضاع الإدارية والمالية والتغطية الصحية؛ علما أن المجلس مازال يواصل الاضطلاع بهذه المهمة مع مراعاة التطورات التي من شأنها تعزيز هذا المسار. وعلى سبيل المثال لا الحصر، قمنا سنة 2020 بإعادة هيكلة لجنة تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وعملنا على تأسيس وحدة حفظ الذاكرة والنهوض بالتاريخ المغربي بمختلف روافده سنة 2021. إضافة إلى مواصلتنا رصد التطورات المسجلة في مجال الطب الشرعي والتحليل الجيني من أجل تسوية حالات عالقة، حيث إن آخر الإجراءات المتخذة في هذا الصدد تعود إلى سنة 2023.
سنستعرض معكم إذن، ولو بشكل مختر، التجربة المغربية بكل مقوماتها، لنقف عند تجليات ممارساتها ونتائجها والتحديات التي واجهتها، ونأمل أن يوفر هذا الموقع إضاءات ومعطيات من شأنها أن تشكل مصدر إلهام للمجتمعات في طور تدارس مسارات التجديد والبناء الديمقراطي، وأن تساهم في إغناء المعرفة الأكاديمية في مجال العدالة الانتقالية.
آمنة بوعياش
رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان
محطات بارزة
- 1990
- 1999
- 2001
- 2003
- 2004
- 2006
- 2009
-
8 ماي 1990
-
2 أبريل 1999
- المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان يرفع مذكرة إلى جلالة الملك يوصي فيها بإنشاء هيئة التحكيم
-
17 غشت 1999
-
شتنبر 1999
- نشر النظام الداخلي للهيئة
-
10 أبريل 2001
-
14 يوليوز 2003
- انتهاء أعمال هيئة التحكيم
-
6 يناير 2004
- تقديم تقرير الهيئة أمام جلالة الملك
-
7 يناير 2004
-
6 يناير 2006
- إلقاء جلالة الملك خطابا بمناسبة انتهاء مهمة هيئة الإنصاف والمصالحة وتقديم الدراسة حول التنمية البشرية بالمغرب ويعلن عن قرار نشر كل من التقرير الختامي للهيئة والدراسة حول حصيلة وآفاق التنمية البشرية بالمغرب، وتمكين الرأي العام من الاطلاع عليهما.
-
6 أبريل 2006
- استقبال جلالة الملك لأعضاء هيئة الإنصاف والمصالحة وأمره بنشر تقريرها الختامي وتكليف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بمتابعة تنفيذ توصياتها
-
دجنبر 2009
- نشر التقرير الأول للجنة متابعة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة