banner
نشر في

خلال مشاركتها في منتدى إقليمي بالعاصمة اللبنانية بيروت، يومي 10 و11 يوليوز 2025، حول "الإنصاف وإعادة التأهيل لضحايا التعذيب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، قدمت السيدة آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مقومات من تجربة المغرب في مجال العدالة الانتقالية، وأهم ما يميز محطة ومسار هيئة الإنصاف والمصالحة.

وفي حديثها، شددت السيدة بوعياش على أن إحداث الهيئة سنة 2004 كان ثمرة تراكم نضالي وترافعي مدني انطلق في بداية تسعينيات القرن الماضي، كمدخل لإرساء الانتقال الديمقراطي، وترسيخ دولة القانون، والقطع مع أشكال تدبير ماض أفضى إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

وأبرزت الحقوقية المغربية أن المغرب اختار، بإرادة وطنية حرة، أن يصغي لذاكرته الجماعية، لا فقط للتوثيق، بل بهدف التملك الواعي للماضي واستثماره في رسم ملامح مستقبل مبني على المصالحة والكرامة والعدالة.

التجربة المغربية، كما أوضحت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ارتكزت على الحوار المجتمعي والانخراط السياسي، دون التنصل من المسؤولية أو إنكار الانتهاكات، بل عبر تحويل آلام الماضي إلى دروس تؤسس لمشاركة مجتمعية أوسع.

وفي هذا الإطار، اعتُبرت هذه التجربة مبادرة سيادية لمواجهة الماضي من خلال الكشف عن الحقيقة، وتحمل الدولة لمسؤوليتها، وتعويض الضحايا وجبر الضرر، وذلك في سياق سياسي لم يكن مطبوعاً بصراع مسلح، بل بقرار داخلي طوعي وسيادي لإعادة بناء الثقة ووضع أسس حماية الكرامة كمحور للإصلاح.

وأشارت السيدة بوعياش إلى أن تجربة العدالة الانتقالية في المغرب لم تلجأ إلى نماذج جاهزة، بل أرست مسارات تعتمد على خصوصية السياق الوطني، وابتكار الحلول الأنسب، في انسجام بين الدولة والمجتمع، ما سمح بإعمال آليات الإنصاف والاعتراف والإصلاح وضمان عدم التكرار، بطريقة توافقية.

كما أبرزت أن هذا المسار شمل هيكلة دقيقة لمراحل الحقيقة وجبر الضرر والإصلاح، بما أسهم في تأسيس عقد اجتماعي جديد، يضمن حماية الكرامة الإنسانية، ويحول التركيز من معالجة ماضي الانتهاكات إلى منطق الوقاية الاستباقية، عبر تدابير دستورية ومؤسساتية وتشريعية ملموسة.

وفي سياق التطورات القانونية والمؤسساتية، أكدت بوعياش أن المغرب أقر نصوصاً تجرّم التعذيب بشكل صريح، وتضمن عدم الإفلات من العقاب، كما تم إحداث الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب (التي يحتضنها المجلس)، انسجاماً مع التوصيات الصادرة عن هيئة الإنصاف والمصالحة، ومع الالتزامات الدولية للمملكة، ولا سيما البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب.

وختمت السيدة بوعياش بالتأكيد على أن تجربة المغرب في العدالة الانتقالية قامت على مبادئ الإنصاف، معتبرة أن كشف الحقيقة والتعويض لم يكونا غاية في حد ذاتهما، بل جزءاً من مسار أشمل هدفه ترسيخ دولة المؤسسات ودولة الحق والقانون

اقرأ المزيد