"يسعدنا اليوم أن نستقبلكم في هذا الحفل الحقوقي الفني، الذي نعطي من خلاله انطلاقة فعاليات وتظاهرات غنية ومتنوعة ستستمر طيلة هذه السنة، احتفاء بذكرى المحطة والمسار… ذكـرى إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، في يناير 2004، باعتبارها محطة بارزة، بل فاصلة، ولبنة ضمن أسس البناء والانتقال الديمقراطي وتوطيد دولة الحق والقانون والمؤسسات ".
بهذه الكلمات أعطت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، السيدة آمنة بوعياش، انطلاقة فعاليات تخليد الذكرى العشرين لتأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة، مساء الجمعة 26 يناير 2024 بمقر المجلس بالرباط، بحضور فعاليات حقوقية وسياسية طبعت المسار الحقوقي بالمغرب، إلى جانب السفراء وممثلي الهيئات الدولية بالمغرب، بالإضافة إلى أفراد عائلات الضحايا وذوي الحقوق.
وأبرزت السيدة بوعياش في كلمتها بالمناسبة أن هذا المسار "لم ينته بدسترة هذه التوصيات ضمن ميثاق وطني للحقوق والحريات، بل أصبح يكفله الدستور المغربي ضمنيا". واستعرضت في نفس السياق مسار العدالة الانتقالية بالمغرب من خلال معرض الصور الذي نُظم ببهو المجلس والذي يتقفى أثر مسار الهيئة وتتبع تنفيذ توصياتها، انطلاقا من فكرة التأسيس ورفع توصية الإحداث إلى صاحب الجلالة سنة 2003، مرورا بجلسات الاستماع وأشغال الهيئة، ووصولا إلى استقبال الأسر وتسليم المقررات للضحايا وذوي الحقوق، وتأهيل أماكن حفظ الذاكرة، وأرشفة رصيد العدالة الانتقالية بالمغرب وحفظه.
وأضافت السيدة بوعياش بأن هذه التجربة الفريدة وغير المسبوقة في السياق الإقليمي، "جسدت إرادة جماعية تهدف إلى إعادة بناء النسيج المجتمعي والسياسي على أسس جديدة"، مضيفة أنه "كلما تعمقنا في تحليل هذه التجربة المغربية بمقوماتها وسياقاتها، التي تجاوزت أصداؤها الحدود الجغرافية والثقافية الوطنية بالتأكيد، إلا وزاد الاقتناع بكونها تمثل نهجا هادئا ورصينا وممارسة فضلى حقيقية".
وأردفت قائلة" كما نجحنا في بلورة نموذجنا الخاص، الذي أصبح يشكل بتطوراته وانعكاساته وأثره، مرجعا لتجارب لاحقة عديدة، نجحنا في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، باعتبارنا مكلفين بتتبع تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، في مواكبة عائلات الضحايا في إعداد الملفات وفي تسليم المقررات التحكيمية للضحايا وذوي الحقوق الذين صدرت لهم توصية من الهيئة بذلك ".
ولم يفت السيدة بوعياش التذكير بأن نجاح هذا النموذج المغربي في إجلاء الحقيقة وجبر الأضرار وتسوية الأوضاع وفي حفظ ذاكرتنا الجماعية، تحقق "بفضل التزام حقيقي وانخراط جاد للشركاء، من رئاسة الحكومة ووزارة الداخلية والعدل والوظيفة العمومية والقضاء وقطاعات الأمن الوطني والدرك الملكي ومؤسسة المكتب الشريف للفوسفاط وصندوق الايداع والتدبير، وشركاء دوليين".
من جهته، أكد السيد محمد الدخيسي، الوالي مدير الشرطة القضائية، على أن المديرية العامة للأمن الوطني انخرطت منذ إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة، بتعليمات من الملك محمد السادس، كباقي المؤسسات الدستورية، في العمل مع الهيئة ومع المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، كما تعمل حاليا مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان بوضع االأرشيف المركزي والجهوي رهن إشارة المؤسسة ومواكبة الأوراش الكبرى المنبثقة عن توصيات الهيئة، كورش ترشيد الحكامة الأمنية بجميع متطلباته، ابتداء من إعادة هيكلة وإصلاح قطاع الأمن واعتماد قواعد الحكامة في مختلف مجالات العمل الأمني، بما في ذلك اعتماد شراكات مع المؤسسات الحقوقية والمجتمع المدني، والانخراط في ورش التكوين والتربية على حقوق الإنسان والحريات الأساسية بالنسبة لمنتسبي المؤسسة الأمنية.
وذكر في هذا السياق، باتفاقية الشراكة بين المجلس والمديرية العامة للأمن الوطني وبإعداد وتنفيذ "مخطط عمل خاص بالتكوين والتكوين المستمر لفائدة موظفي الأمن الوطني بشراكة مع مختلف المؤسسات الوطنية للحكامة، وهو ما جعل المغرب يتبوأ مكانة رائدة في التفاعل مع آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وعلى رأسها مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان التي نظمت عدة لقاءات دولية وإقليمية بشراكة مع المديرية العامة للأمن الوطني والقطاعات الحكومية المعنية بأنشطة النهوض بحقوق الإنسان ببلادنا".
وعن تجربتها من داخل هيئة الإنصاف والمصالحة، وبصفتها المرأة الوحيدة العضو في الهيئة، أكدت السيدة لطيفة اجبابدي في شهادتها بأنه "يحق لنا جميعا، مجتمعا ودولة وحركة حقوقية وضحايا وعائلات أن نفتخر بهذه التجربة ونعتز بها، لأنها شكلت إحدى المحطات الفارقة في تاريخنا المعاصر". وأضافت أن الهيئة "تعتبر من أبرز المحطات الحقوقية، التي جسدت تتويجا لنضالات طويلة وعسيرة للحركة الحقوقية وللضحايا وعائلاتهم، كما جسدت أرقى تعبير عن تلاقي الإرادة الملكية وانتظارات المجتمع وتطلعه لطي صفحة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ولإرساء دعائم دولة الحق والقانون ولإعلاء قيم حقوق الإنسان والنهوض بها وحمايتها واستخلاص العبر مما جرى لنتفادى تكرار ما وقع من انتهاكات في ماضينا الأليم".
وتميز حفل إطلاق فعاليات تخليد عشرينية الإنصاف والمصالحة بافتتاح معرض صور وأشرطة فيديو خاصة بالهيئة ولجنة تتبع تنفيذ توصياتها، باعتبارها محطة بارزة في مسار إحقاق الإنصاف والعدالة والإصلاحات المهيكلة.