الكراهية والتسامح. يبدو أن هذه الثنائية تتخلل تاريخ الإنسانية. بين الفشل والنجاح، بين الحرب وإعادة الإعمار، بين الأزمة والحل. يبدو أن هذين العنصرين الثابتين هما محرك حتمي لحياتنا على الأرض.
ومع ذلك، ليست هناك حاجة لأن نكون متشائمين للغاية. فالكراهية ليست حتمية.
لقد نجحنا في الماضي في بناء عالم أفضل؛ أكثر تسامحا، وأكبر انفتاحا، ومستنيرا أكثر.
لقد تمكنا من تجاوز انقساماتنا ووضع إطار كوني جوهره الإنسان؛ من خلال الحوار المستمر والنقاش والتبادل والاستماع. هكذا نشأت حقوق الإنسان.
لأن التسامح، في جوهره، هو العمل المشترك، يتمثل الغرض الأساسي منه في ضمان الكرامة والحقوق الأساسية للجميع.
وفي التسامح يوجد أيضًا بُعد أكثر دقة وأكثر حكمة وأكثر تعقلا : إنه قبول الآخر، أيا كان، بحكم الواجب.
واجب التسامح ليس مجرد خصلة اجتماعية أو فضيلة أخلاقية، بل هو في قلب المجتمعات الحرة؛ حيث يساهم حس التحضر والتعايش يوميًا في تغذية الديمقراطية وسيادة القانون. أليست المؤسسات الديمقراطية، السلاح الحقيقي للحرية، معقلا للتسامح؟ معقل يكون حرمان الآخر من كرامته وإنسانيته وحقه أكبر حظر على الإطلاق.
بهذا المعنى، لطالما كانت الصويرة من بين أكثر المدن المغربية حرية في تاريخها.
ولكونها مدينة ألفية، فالصويرة مدينة تعبق أصوارها بتاريخ المغرب كاملا. من الفينيقيين إلى البرتغاليين، من الرومان إلى الأندلس، مرورا بالوطاسيين والسعديين والعلويين ... حضارات لا يحصى عددها جعلت من الصويرة إحدى مدنها الرئيسية المميزة.
تنوع الصويرة لم يكن عبطيا، جعلها مدينة غنيًة بالتجارة والفن والثقافة، ليكون حتميا عليها أن تكون رمزا للضيافة والتعايش والتعددية المغربية وتحمل بذلك معها كونية قيمنا.
هذا التقليد، الذي ينبض إلى اليوم، يجب أن يلهمنا ويرشدنا ويمنحنا الأمل.
في عالم منقسم أكثر من أي وقت مضى، عالم مزقته زلازل العصر الحديث؛ يجب الاحتفاء، كما في كل سنة في مهرجان كناوة، ببصيص الأمل الذي نحمله معنا؛ ونتذكر دائما أن الكراهية، رغم أنها مدمرة كاسحة، لم تقدر يوما أن ترفرف في سماء الصويرة.
في التسامح... انتصار للإنسانية.
أمينة بوعياش
رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان