لم تحل ظروف جائحة (كوفيد-19) الاستثنائية دون تتبع المجلس لمهامه في مجال متابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، سواء فيما يتعلق بالكشف عن الحقيقة أو جبر الضرر الفردي والتغطية الصحية والتقاعد التكميلي، أو التفاعل مع الآليات التعاقدية والمساطر الخاصة، أو ما يتعلق بوضع استراتيجية مندمجة لحفظ الذاكرة والنهوض بالتاريخ الراهن بجميع روافده.
ولتسريع وتيرة تفعيل هذه التوصيات، حسب تقرير المجلس السنوي 2020 "كوفيد-19: وضع استثنائي وتمرين حقوقي جديد"، أصدرت رئيسة المجلس بتاريخ 3 شتنبر 2020 قرارا بإعادة هيكلة "لجنة متابعة تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة" وتدعيم طاقمها الإداري والحرص على تفرغه، بحيث واصلت اللجنة متابعة تسوية ما تبقى من ملفات عالقة، على مستوى التعويض المالي والإدماج الاجتماعي وتسوية الأوضاع الإدارية والمالية والتغطية الصحية للضحايا وذوي حقوقهم وكذا على مستوى برامج حفظ فضاءات الذاكرة، فيما كثفت رئيسة المجلس لقاءاتها مع الجمعيات الحقوقية وجمعيات ضحايا ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وممثلي الضحايا، تم خلالها تقديم مقاربة المجلس من أجل تسريع وتيرة تفعيل ما تبقى من توصيات، وخاصة تلك المتعلقة بجبر الأضرار الفردية.
كما عقدت رئيسة المجلس عدة لقاءات مع رئاسة الحكومة وباقي القطاعات الوزارية المعنية بتفعيل التوصيات، لتدارك التأخير الحاصل على مستوى تنفيذ ما تبقى من توصيات، خاصة تلك المتعلقة بجبر الأضرار الفردية وحفظ الذاكرة. وأسفرت هذه اللقاءات على تعبئة الاعتمادات المالية الضرورية لتنفيذ التوصيات المرتبطة بالتعويض والتقاعد التكميلي، حيث رصدت وزارة المالية 50 مليون درهم في نونبر 2020 لدى رئاسة الحكومة لتسوية توصية التقاعد التكميلي وتنفيذ جزء من المقررات التحكيمية الخاصة بجبر الضرر الفردي.
الكشف عن الحقيقة
وفي إطار مساعيه المتواصلة للكشف عن الحقيقة، واصل المجلس تقديم أجوبة للحكومة عن الحالات التي تتضمنها لوائح الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي التابع للأمم المتحدة، كما واصل المجلس بتنسيق مع السلطات العمومية، تفاعله مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، من أجل تقديم الأجوبة والوثائق اللازمة لحالات الاختفاء المرتبطة بالنزاع المسلح بالأقاليم الجنوبية، وذلك اعتمادا على المعطيات التي تتوفر بخصوص كشف الحقيقة.
جبر الضرر الفردي
وسعيا منها لتسوية ما تبقى من ملفات جبر الضرر الفردي لضحايا ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، قامت لجنة المتابعة بإصدار 131 مقررا تحكيميا، لفائدة 280 مستفيدا بمبلغ إجمالي قدره 28.656.900 درهم، بعد استكمال الوثائق الضرورية من طرف الضحايا أو ذوي الحقوق. كما تواصل لجنة المتابعة اتصالاتها مع عدد من ذوي الحقوق لاستكمال الوثائق من أجل تجهيز ملفاتهم وإصدار مقررات تحكيمية خاصة بهم.
وفيما يتعلق بالتغطية الصحية للضحايا، واصل المجلس التكفل الطبي بالحالات المرضية المستعجلة، حيث استفاد 6 أفراد من 23 تدخلا طبيا استعجاليا، خلال سنة 2020، بتكلفة مالية بلغت 293.813.15 درهم، فيما بلغ عدد الملفات المحالة على الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي طيلة سنة 2020 ما مجموعه 156 ملفا، ليصل بذلك العدد الإجمالي لمجموع البطائق الموزعة إلى 8796 بطاقة، يستفيد منها ما مجموعه 58.437 مستفيد.
ومن جهة أخرى، أكد المجلس على هشاشة ضحايا ماضي الانتهاكات وذوي الحقوق خلال تقديمه لرأيه الاستشاري حول مشروع قانون رقم 18.72 المتعلق بمنظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي وإحداث الوكالة الوطنية للسجلات، ولتمكين هذه الفئة من الاستفادة من برامج الدعم الحكومي الموجه للفئات المتضررة من جائحة (كوفيد-19)، راسل المجلس رئاسة الحكومة بخصوص الشكايات التي توصل بها من هؤلاء الضحايا مؤكدا على ظروفهم الهشة.
وعلاقة بملف الضحايا أو ذوي الحقوق الذين استفادوا من ترخيص استثنائي سمح لهم بالتوظيف في القطاع العمومي وشبه العمومي رغم تجاوزهم السن القانوني للتوظيف، وتنفيذا لتوصية الإدماج الاجتماعي التي أصدرتها هيئة الإنصاف والمصالحة بخصوص تمكينهم من تقاعد لا يقل عن خمسين بالمائة من دخلهم الشهري، واصلت لجنة المتابعة اتصالاتها بالأطراف المعنية لتمكين هؤلاء الضحايا من راتب معاش تكميلي عمري إلى جانب معاشهم الأساسي، قابل للتحويل إلى ذوي الحقوق.
حفظ الذاكرة
ومساهمة من المجلس في حفظ الذاكرة وتحصينها وتملك الماضي المشترك وتعزيز مسارات المصالحة، عقدت رئيسة المجلس لقاءات واجتماعات مع مختلف الشركاء على المستوى المحلي والجهوي والمركزي، وفق مقاربة جديدة تروم تفعيل استراتيجية مندمجة لتسريع وتيرة الإنجاز وتكثيف التواصل والقيام بزيارات ميدانية لمواقع حفظ الذاكرة. وهي الاستراتيجية التي أعلنت عنها السيدة بوعياش خلال تنصيب أعضاء اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة درعة-تافيلالت في أكتوبر 2020، باعتبارها الجهة التي استقطبت معظم برامج جبر الضرر الجماعي ومراكز حفظ الذاكرة.
وعلى أرض الواقع، اطلعت رئيسة المجلس على تقدم الأشغال بمركز تازممارت، وإعادة تهيئة مقبرة أكدز، فضلا عن الاتفاق مع السلطات المحلية لتشجير مقبرة قلعة مكونة، كما عقدت لقاءات تشاورية مع فاعلين وطنيين بشأن مشروع إحداث وحدة لحفظ الذاكرة والنهوض بالتاريخ الراهن بكل روافده ودعم إعماله بالمناهج والمقررات التعليمية، فيما تم الشروع في إجراء الدراسات المتحفية والسينوغرافيا لإحداث متحف الحسيمة الذي كان موضوع اتفاقيتين تم توقيعهما سنة 2019.
وفي هذا السياق، دعا المجلس من خلال توصية تكميلية للمذكرة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد تحمل عنوان "من أجل تنمية تستحضر إضاءات التاريخ وحفظ الذاكرة"، إلى ضرورة الارتكاز على حفظ الذاكرة والنهوض بالتاريخ المغربي بكل روافده لبلورة النموذج التنموي الذي ينشده كل المغاربة، وذلك في إطار منهجية عمل حاضنة للطاقات الخلاقة من مختلف الجهات، وفي أفق إزاحة الكوابح التي عطلت وتعطل قاطرة الانخراط في التنمية، وإفساح المجال لجميع المواطنين والمواطنات للانخراط في ورش التنمية المستدامة على أساس عدالة مجالية، واجتماعية وثقافية تحتضن الجميع.
كما دعا إلى وضع "خطة وطنية مندمجة لحفظ الذاكرة" معززة بأساس قانوني، تكون قادرة على تحديد مجالات التدخل والاشتغال، وتضمن التلقائية وانسجام البرامج التي سينجزها مختلف المتدخلون في هذا المجال.