أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان توصية تكميلية للمذكرة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد تحمل عنوان "من أجل تنمية تستحضر إضاءات التاريخ وحفظ الذاكرة"، أكد من خلالها على أهمية حفظ الذاكرة واستحضار إضاءات التاريخ المغربي بكل روافده لبلورة النموذج التنموي الجديد.
وقد أكد المجلس من خلال توصيته أن التنمية هي عملية مركبة لا تقف عند حدود المنظور الاقتصادي الكمي الضيق. ومن ثمة بات من اللازم إيلاء الاهتمام الكافي، عند رسم النموذج التنموي، لخمسة أبعاد على الأقل:
1. المسألة الاقتصادية والتنموية ومعاييرها ومؤشراتها الكمية والكيفية كما هي متعارف عليها في التجارب التنموية الرائدة وكما تطورت بفعل تطور مفاهيم التنمية وأدواتها التي وضعت الانسان في قلب معادلة التنمية؛
2. النظرة المتحكمة في المجال الوطني والحاجة إلى تأسيسها على منظور إيجابي يثمن موقع ودور كل المناطق والجهات ويدمجها، كلها، في سيرورة تطورية مستدامة، انطلاقا مما تختزنه من طاقات ومؤهلات، وما يمكن أن تستفيده من إضافات أو إغناءات عبر التضامن مع الجهات الأخرى في ظل سياسة لإعداد التراب الوطني دامجة ومتوازنة؛
3. تثمين التنوع والغنى الثقافي والخصوصيات المحلية ومخزون الذاكرة لمختلف الجهات المكونة للكيان الوطني والمعززة للحمته. بما يوفره ذلك من تولد حوافز سيكولوجية جماعية توطد الشعور والاعتزاز بالانتماء sens of belonging للمجال في أبعاده المحلية والجهوية والوطنية والإنسانية؛
4. تملك ناجح وايجابي وشامل لمختلف المراحل المتعاقبة في التاريخ الوطني، ودور مختلف الاجيال والمناطق في صياغته وتشكيل تفاصيله وملامحه الكبرى، بما يمنع تكاثر ثقوب الذاكرة وانعكاس سلبياتها على مسلسل التماسك والتعاضد والتعاقد الاجتماعي الواسع؛
5. اعتبار إضاءات التاريخ وحفظ الذاكرة جزءا أساسيا ومكونا مركزيا في عملية حفظ وتنمية الرأسمال الرمزي واللامادي، وهو بمقاييس كل الأبحاث والدراسات الميدانية الرائدة ضروري في كل نموذج تنموي يتوخى التوطيد والاستدامة.
وفي هذا السياق، دعا المجلس من خلال هذه توصيته، التي صادقت عليها جمعيته العامة في دورتها العادية الثالثة المنعقدة في 4 دجنبر 2020، إلى ضرورة الارتكاز على حفظ الذاكرة والنهوض بالتاريخ المغربي بكل روافده لبلورة النموذج التنموي الذي ينشده كل المغاربة، وذلك في إطار منهجية عمل حاضنة للطاقات الخلاقة من مختلف الجهات، وفي أفق إزاحة الكوابح التي عطلت وتعطل قاطرة الانخراط في التنمية، وإفساح المجال لجميع المواطنين والمواطنات للانخراط في ورش التنمية المستدامة على أساس عدالة مجالية، واجتماعية وثقافية تحتضن الجميع.
كما دعا إلى وضع "خطة وطنية مندمجة لحفظ الذاكرة" معززة بأساس قانوني، تكون قادرة على تحديد مجالات التدخل والاشتغال، وتضمن التلقائية وانسجام البرامج التي سينجزها مختلف المتدخلون في هذا المجال.
وتستحضر هذه التوصية الدروس والاستنتاجات التي استخلصها المجلس من خلال الزيارات الميدانية التي قام بها لعدد من مراكز حفظ الذاكرة، والتداول والتفاعل مع عدد من الفعاليات التي تشتغل على القضايا الثقافية والاجتماعية والبيئية، كان آخرها اللقاءات التي عقدتها رئيسة المجلس، السيدة آمنة بوعياش، مع شركاء إحداث متحف الحسيمة وإعادة تهيئة مقبرة ضحايا أحداث 1981 ومقبرة الناضور، وكذا الزيارة الميدانية التي قامت بها في 8 أكتوبر 2020 للاطلاع على مدى تقدم أشغال تهيئة فضاء تازمامارت وباقي مواقع حفظ الذاكرة بقلعة مكونة وأكدز.
وجدير بالذكر أن مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، التي تحمل عنوان “فعلية الحقوق والحريات في المغرب…من أجل عقد اجتماعي جديد”، والتي رفعها المجلس في مارس 2020 للجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد، كانت قد قدمت تصور المجلس لاستراتيجية تنموية تهدف إلى جعل "فعلية الحقوق والحريات" مدخلا أساسيا لضمان الحق في التنمية، وجعله في قلب الخيارات الاستراتيجية لبلادنا في المرحلة المقبلة، وذلك ترجمة لاستراتيجية عمله المرتكزة على فعلية الحقوق والحريات، كما صادقت عليها جمعيته العامة المنعقدة في شتنبر 2019.
وقد اعتمد المجلس في بناء هذه المذكرة على منهجية تقوم على تحديد أربعة مجالات كبرى تتمفصل فيها حقوق الإنسان والتنمية وتشكل أسسا لبناء نموذج تنموي دامج للحق في التنمية، وتهم: الأساس القيمي لفعلية الحقوق والحريات، الحاجة إلى إعادة ترتيب الأولويات لتعزيز الولوج للحقوق الأساسية، اعتماد مقاربة تنموية مبنية على حقوق الإنسان، وأخيرا ضرورة إعطاء دينامية جديدة لدور الدولة في تعزيز فعلية الحقوق والحريات في مرحلة ما بعد جائحة (كوفيد-19).