كلمة السيدة الرئيسة احتفاء بالذكرى العشرين لإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة

الرباط، الجمعة 26 يناير 2024

السيدات والسادة أفراد العائلات وذوو حقوق الضحايا
السيد مستشار صاحب الجلالة، السيد أندري أزولاي
السيدة وزيرة الاسرة والتضامن
السيد وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات
الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية
السيد رئيس النيابة العامة
السيد مدير الشرطة القضائية 
السيدات والسادة السفراء، والهيئات الدولية بالمغرب
السيدات والسادة ممثلي القطاعات الحكومية والمجتمع المدني الشريك
السيدات والسادة الإعلاميات والإعلاميون
السيدات والسادة أعضاء المجلس وأطره

الحضور الكريم


 يسعدنا اليوم أن نستقبلكم في هذا الحفل الحقوقي الفني، الذي نعطي من خلاله انطلاقة فعاليات وتظاهرات غنية ومتنوعة ستستمر طيلة هذه السنة، احتفاء بذكرى المحطة والمسار…

ذكـرى إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، في يناير 2004، باعتبارها محطة بارزة، بل فاصلة، ولبنة ضمن أسس البناء والانتقال الديمقراطي وتوطيد دولة الحق والقانون والمؤسسات.

وذكـرى مسار تتبع تنفيذ توصيات الهيئة والإصلاحات الجوهرية التي كان هدفها ومنطلقها. مسار لم ينته بدسترة هذه التوصيات ضمن ميثاق وطني للحقوق والحريات، بل أصبح يكفله الدستور المغربي ضمنيا.

ويتقفى معرض الصور الذي يحيط بنا، أثر وانعكاسات الهيئة، ويأخذنا ومسار تتبع تنفيذ توصياتها، انطلاقا من فكرة التأسيس ورفع توصية الإحداث إلى صاحب الجلالة سنة 2003، مرورا بجلسات الاستماع وأشغال الهيئة، ووصولا إلى استقبال الأسر وتسليم المقررات للضحايا وذوي الحقوق، وتأهيل أماكن حفظ الذاكرة، وأرشفة رصيد العدالة الانتقالية بالمغرب وحفظه.

هذا المعرض، هو  لمحة أكيد صغيرة جدا في مسار ...؛ مسار عرف دينامية مجتمعية يستحضر تـراكمات سابقة، ولا سيما تجربة اللجنة المستقلة للتعويض؛ مسار قائم على التقائية فريدة، بل استثنائية وغير مسبوقة في تجارب العدالة الانتقالية، بين إرادة مجتمع بمختلف فعالياته، وإرادة دولة،  تسعى إلى الإنصاف والعدل بأفق استشرافي يربط دوما وباستمرارية، خلال مختلف محطاته، بين الماضي والمستقبل، وبين المصالحة وجبر الضرر وعدم التكرار وتحقيق التنمية… فهيئة الإنصاف والمصالحة، الحضور الكرام، لم تقتصر على حل إشكاليات الماضي فقط، بل زرعت بذور تحول مستمر طبع، بانعكاساته المشهد السياسي المغربي، ومكن من إغناء الذاكرة الجماعية وإرساء أسس تحول ديموقراطي هيكلي وعميق.

النص الكامل لكلمة السيدة الرئيسة
 


تقديم هيئة الإنصاف والمصالحة


1- النشأة والاختصاصات
تأسست هيئة الإنصاف والمصالحة بمقتضى قرار ملكي سامي بتاريخ 7 يناير 2004، بالمصادقة على توصية للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان (المجلس الوطني لحقوق الإنسان حاليا). وفي خطابه السامي بهذه المناسبة، منح جلالة الملك الهيئة بعدا تاريخيا، وأناط بها مسؤوليات جلى، حينما اعتبرها جلالته بمثابة لجنة للحقيقة والإنصاف والمصالحة.
وتعتبر هيئة الإنصاف والمصالحة، كآلية للعدالة الانتقالية، تتويجا لمسار طوعي وتطور تدريجي لجهود تسوية المشاكل والملفات المرتبطة بماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. كما شكل إحداث الهيئة ثمرة للتفاعلات والمناقشات التي تمت على مستوى الطبقة السياسية والقوى الفاعلة في المجتمع المدني وضحايا الانتهاكات وأسرهم، للبحث عن أحسن السبل التسوية نزاعات الماضي وحلها بشكل عادل ومنصف.
وجاء إحداث هذه الآلية سنوات قليلة بعد اختتام أشغال هيئة التحكيم المستقلة التي عملت على تعويض ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، وأنيطت بها مهام طموحة وصعبة في الوقت نفسه، جوهرها معالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في قياساتها وإثبات نوعيتها ومدى جسامتها، في ضوء معايير وقيم حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية ودولة الحق والقانون، وصياغة توصيات من أجل ضمان عدم تكرار تلك الانتهاكات. وشكل إحداثها تجسيدا لقرار جعل من المغرب أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تقرر اتخاذ خطوة من هذا النوع.
كانت هيئة الإنصاف والمصالحة عند إنشائها، أول لجنة للحقيقة في العالم توكل إليها صلاحيات منح تعويضات مباشرة، وتميزت أيضا بطول الفترة موضوع اختصاصها الزمني الممتدة من سنة 1956 إلى سنة 1999، أي 43 سنة، وهي من أطول الفترات في تاريخ تجارب العدالة الانتقالية في العالم.
وقامت الهيئة بوضع نظامها الأساسي الذي يعتبر بمثابة وثيقة أساسية تتضمن تدقيقا وتفصيلا للمهام المنوطة بها، وتعريفا للانتهاكات موضوع اختصاصاتها، وطرق تنظيم سير أعمالها طبقا للمعايير والتوجهات الدولية. وحدد النظام الأساسي على وجه الخصوص فترة ولايتها وطبيعتها واختصاصها الزمني. وقد تمت المصادقة على هذا النظام الأساسي بموجب ظهير شريف يوم 10 أبريل 2004 نشر في الجريدة الرسمية عدد 5203 يوم 12 أبريل 2004.
تكونت تركيبة هيئة الإنصاف والمصالحة من رئيس وستة عشر عضوا، من خلفيات متعددة، بما فيها المجتمع المدني والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، بشكل يؤمن تمثيل مشارب وتجارب وتخصصات متنوعة موحدة المقاصد في مجال حماية حقوق الإنسان والنهوض بها. وقد باشرت الهيئة مهامها وفق خطة عمل مدروسة، تستند إلى معايير وقيم حقوق الإنسان، ومبادئ ومعايير القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي المتعلقة بالحق في الانتصاف والحق في معرفة الحقيقة، والخلاصات الكبرى لمختلف التجارب الوطنية عبر العالم التي انخرطت أممها في مسارات المصالحة والمكاشفة مع الذات والتاريخ. وأولت الهيئة أهمية قصوى لتحليل الواقع المغربي بصفة معمقة وحفظ الذاكرة وإنصاف الضحايا وتعزيز الوحدة الوطنية على كافة المستويات.

  • الكشف عن الحقيقة: إثبات نوعية ومدى جسامة الانتهاكات الماضية لحقوق الإنسان في سياقاتها عبر إجراء التحريات وتلقي الإفادات والاطلاع على الأرشيفات الرسمية واستقاء المعلومات والمعطيات من جميع المصادر؛
  • مواصلة البحث بشأن حالات الاختفاء القسري التي لم يعرف مصيرها بعد، وبذل كل الجهود للتحري بشأن الوقائع التي لم يتم استجلاؤها والكشف عن مصير المختفين، مع إيجاد الحلول الملائمة بالنسبة لمن ثبتت وفاتهم؛
  • الوقوف على مسؤوليات أجهزة الدولة أو غيرها في الانتهاكات والوقائع موضوع التحريات؛
  • إعداد تقرير ختامي يتضمن خلاصات الأبحاث والتحريات بشأن الانتهاكات وسياقاتها؛
  • التعويض عن الأضرار التي لحقت ضحايا الانتهاكات الجسيمة أو ذوي حقوقهم. وتقديم المقترحات والتوصيات من أجل إيجاد حلول لقضايا التأهيل النفسي والصحي والإدماج الاجتماعي، وغيرها من الإجراءات واستكمال مسلسل معالجة ما تبقى من المشاكل الإدارية والوظيفية والقانونية، والقضايا المتعلقة بنزع الممتلكات.

يعكس التنظيم الداخلي للهيئة المقاربة الاستباقية التي تم اعتمادها والتي عززت قدرتها على التكيف مع مجمل التطورات والتحديات المرتبطة بعملها. شكلت الهيئة ثلاثة فرق عمل وفق رؤية تضمن الالتقائية والدينامية والتفاعل في إنجاز مختلف المهام الموكولة إليها:

فريق العمل المكلف بالتحريات، يتولى القيام بالبحث في شأن المختفين قسرا مجهولي المصير، الأحياء منهم والمتوفين وجمع كل المعلومات والوثائق وتلقي الإفادات ذات الصلة بأحداث ووقائع ماضي الانتهاكات بمختلف أصنافها؛
فريق العمل المكلف بجبر الأضرار، ويتولى دراسة وإعداد مشاريع مقررات بخصوص الطلبات المتعلقة بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية اللاحقة بضحايا الانتهاكات الجسيمة وإعداد التوصيات والاقتراحات المتعلقة بجبر باقي الأضرار التي لحقت بضحايا الانتهاكات الجسيمة؛
فريق العمل المكلف بالأبحاث والدراسات، ويتولى إعداد الأبحاث والدراسات اللازمة لإنجاز مهام الهيئة، وجمع وتحليل المعطيات والمعلومات والخلاصات المتوصل إليها من طرف باقي فرق العمل، في أفق إنجاز الهيئة لتقريرها الختامي.
كما عملت الهيئة على إحداث لجن عمل خاصة قارة أو مؤقتة، بغرض توسيع المناقشات والإشراك في صنع القرار وخلق فضاءات إضافية للتفكير، وعهدت بمهام محددة لبعض أعضائها كمقررين خاصين، وأحدثت، حسب مراحل تقدم إنجاز مهامها، اللجن التالية:

  • لجنة خطة العمل
  • لجنة استراتيجية التواصل
  • لجنة تدوين وتقييم تجربة هيئة التحكيم السابقة
  • لجنة دراسة الإشكالات القانونية المرتبطة بالاختصاص
  • لجنة نظام المعلومات
  • اللجنة الخاصة بتنظيم جلسات الاستماع العمومية
  • اللجنة الخاصة بتنظيم الجلسات الحوارية الموضوعاتية
  • لجنة تطوير مقاربة جبر الأضرار
  • لجنة التقرير الختامي.

وعملت الهيئة على إحداث هيكلة إدارية تشمل أطر إدارية وتقنية وأعوان، واستعانت بخبراء ومستشارين لإنجاز مختلف مهامها. وقامت بخلق وحدات إدارية مساعدة لفرق العمل، من جهة، ولجان إدارية أو تقنية مكلفة بتدبير القضايا ذات الطبيعة الأفقية، أو لإنجاز مهام إدارية أو تقنية محددة ترتبط بأحد المهام الخاصة الموكولة للهيئة، من جهة أخرى، كما هو مبين أدناه:

  • وحدة التحريات
  • وحدة جبر الأضرار
  • وحدة الدراسات والأبحاث

كما أحدثت الهيئة هياكل مكلفة بتدبير مهام ذات طبيعة أفقية، كلجنة التنسيق الإدارية والكتابة الخاصة بالهيئة ورئاستها، ووحدة الشؤون الإدارية والمالية ووحدة نظام المعلومات ووحدة تدبير الملفات والتوثيق والأرشفة ووحدة التواصل والإعلام. علاوة على ذلك، تم إنشاء وحدات إدارية أو تقنية مكلفة بتدبير بعض القضايا الخاصة مثل الوحدة الطبية ووحدة التحليل القبلي للملفات.

أعضاء هيئة الإنصاف والمصالحة

توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة

ليس من صلاحية الهيئة اتخاذ موقف حول وجهات النظر السياسية أو الحزبية المعلن عنها في النقاش العمومي حول الدستور.
وباعتبار السلطتين اللتين يمنحهما الدستور المبادرة بالتعديل، وهما جلالة الملك والبرلمان، تقترح الهيئة، في إطار تفكيرها حول القضايا التي ينبغي أخذها. بعين الاعتبار صلب دستور البلاد، عندما يكون الأمر ممكنا ما يلي:

  • تعزيز احترام حقوق الإنسان وتحسين الحكامة الأمنية وعلى الخصوص في حالة الأزمات؛

  • دعم التأصيل الدستوري لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا وذلك عبر ترسيخ واضح لمبدأ سمو المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة وبشكل عام معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني على القوانين الوطنية؛

  • التنصيص الدستوري الصريح بفحوى الحريات والحقوق الأساسية التي يتضمنها مثل حريات التنقل والتعبير والتظاهر والتنظيم النقابي والسياسي والتجمع والإضراب وسرية المراسلات وحرمة المسكن واحترام الحياة الخاصة وتحصينها بالقدر الكافي ضد أية تقلبات للعمل التشريعي والتنظيمي والإداري العادي مع التنصيص على المقتضى الذي يجعل تنظيم هذا المجال من اختصاص القانون، وإلزام المشرع نفسه كلما أقدم على تنظيم ممارستها، بأن يسن، فضلا عن الضمانات الموجودة، ضمانات أخرى وقائية مع سبل اللجوء للعدالة لصالح المواطنين الذين قد يعتبرون أنهم تضرروا في ممارسة أية حرية من تلك الحريات أو حق من الحقوق؛

  • تعزيز الضمانات الدستورية للمساواة، وذلك بالتنصيص على المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛

  • تقوية المراقبة الدستورية للقوانين والمراسيم التنظيمية المستقلة الصادرة عن الجهاز التنفيذي، والتنصيص دستوريا على الحق في الدفع استثناء بلادستورية قانون من القوانين، مع الإحالة على المجلس الدستوري للفصل فيه ووضع شروط مضبوطة لذلك تفاديا للادعاء المفرط باللادستورية، وضمان حق الأقلية في الطعن بعدم دستورية القوانين الصادرة عن البرلمان أمام المجلس الدستوري؛

  • تجريم ممارسة الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والإبادة العنصرية وباقي الجرائم ضد الإنسانية والتعذيب وكل أشكال المعاملة والعقوبات القاسية واللإنسانية والمهينة؛

  • منع كل أشكال الميز المدانة دوليا وكل أشكال التحريض على العنصرية ومقت الأجانب والعنف والكراهية على مستوى القواعد الدستورية السامية؛

  • الإقرار دستوريا بمبدأ براءة كل متهم إلى أن تثبت إدانته، وضمان حقه في محاكمة عادلة؛

  • تعزيز المبدأ الدستوري من حيث فصل السلط، وخاصة فيما يتصل باستقلال العدالة والنظام الأساسي للقضاة، مع المنع الصريح لأي تدخل للسلطة التنفيذية في تنظيم العدالة وسير السلطة القضائية؛

  • تقوية الضمانات الدستورية لاستقلال المجلس الأعلى للقضاء وجعل نظامه الأساسي يحدد بقانون تنظيمي يتم بمقتضاه مراجعة تشكيلته ووظيفته بما يضمن تمثيلية أطراف أخرى غير قضائية داخله الإقرار له باستقلاله الذاتي بشريا وماليا، وتمكينه من سلطات واسعة في مجال تنظيم المهنة ووضع ضوابطها وأخلاقياتها وتقييم عمل القضاة وتأديبهم. وتخويله إعداد تقرير سنوي عن سير العدالة؛

  • النهوض بالحكامة الأمنية من حيث تقوية الأمن وحفظ النظام العام سواء في الظروف العادية أو عند حدوث أزمات؛

  • توضيح وتقوية سلطات البرلمان في البحث وتقصي الحقائق فيما يخص احترام حقوق الإنسان والوقوف على أية وقائع قد تثبت حدوث انتهاكات جسيمة، مع إلزامه بإنشاء لجان للتقصي ذات الاختصاص الواسع في كل الحالات التي يبدو فيها أن حقوق الإنسان قد انتهكت أو هي معرضة لذلك بشكل سافر، مع منح الأقلية هي الأخرى حق إنشاء تلك اللجان؛

  • إقرار مسؤولية الحكومة في حماية حقوق الإنسان والحفاظ على الأمن والنظام والإدارة العمومية؛

  • تشكيل لجنة رفيعة المستوى من فقهاء الدستور والقانون وحقوق الإنسان يناط بها تفحص متطلبات وتبعات المقتضى الدستوري المقترح وتقديم المقترحات المناسبة لتحقيق الانسجام بين القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية المصدق عليها من طرف المغرب في مجال حقوق الإنسان.

  • المصادقة على البروتوكول الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المتعلق بمنع عقوبة الإعدام؛
  • المصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء، ورفع التحفظات التي سجلها المغرب بخصوص بعض مقتضيات الاتفاقية المذكورة؛
  • المصادقة على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تتميما لتوقيع المغرب عليه، مع فحص الإكراهات المطروحة.

1.3. التعزيز القانوني للحقوق والحريات الفردية والجماعية

  • تدقيق المساطر والآليات القضائية القبلية والبعدية الكفيلة بضمان التوازن بين ضرورة توسيع مجالات الحرية وصيانة كرامة الأفراد وحياتهم الخاصة وما تقتضيه مكافحة الإرهاب والحقد والعنف والتمييز بشكل متوازن؛
  • تعزيز المراقبة القضائية لما بعد صدور الأحكام؛
  • تدقيق سبل تقوية وتأهيل التنظيم الذاتي للمؤسسات المهنية، وخصوصا ما يتعلق بالأخلاقيات وقواعد السلوك وتسوية المنازعات الداخلية.

2.3. الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان

  • ملاءمة التشريع الجنائي الوطني وتعهدات والتزامات بلادنا فيما يخص المعايير الدولية، وجريمتي الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي ومن ذلك بصفة خاصة:
  • إدماج التعاريف والأوصاف والعناصر المكونة لها في الاتفاقيات الدولية في القانون الجنائي المغربي باعتبارها جرائم؛
  • إدماج عناصر المسؤولية المتعلقة بها والجزاءات الواردة عليها كما معرفة دوليا؛
  • معاقبة مرتكبي الانتهاكات وشركائهم بأشد العقوبات، كيفما كانت رتبتهم أو وضعهم أو وظيفتهم أو أية علاقة لهم بتقييد الحرية ونفاذ القانون أو من يأتمرون بأوامرهم أو من يقدمون بحكم وظائفهم مساعدات أو خبرات؛ فضلا عن كل من أو يمتنع عن تقديم معلومات تخص جرائم الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب؛
  • تخويل الموظفين العموميين ووكلاء السلطة والأعوان المأتمرين بأوامر رؤسائهم واجب التبليغ عن كل معلومات تدل على ارتكاب أو محاولة ارتكاب الجرائم المذكورة أيا كانت صفة السلطة الآمرة به؛
  • وضع مقتضيات مسطرية خاصة بحماية ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وذوي حقوقهم عند الاقتضاء من حيث الاستماع أثناء البحث والانتصاب كطرف مدني أمام الجهة القضائية المختصة ومن حيث التأهيل وجبر الضرر.
  • تسجل هيئة الإنصاف والمصالحة باهتمام بالغ مبادرة الحكومة بإعداد مشروع قانون يجرم التعذيب عملا بتوصية المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وبإقدام البرلمان على المصادقة عليه بقصد نشره رسميا وتعزيز مقتضياته وفق ما ورد أعلاه.

 

  • تدعو هيئة الإنصاف والمصالحة بناء على النتائج الواردة في تقريرها الختامي إلى وضع إستراتيجية وطنية متكاملة مندمجة ومتعددة الأطراف لمكافحة الإفلات من العقاب تستند على المقتضيات التشريعية الحمائية الملائمة للمعايير الدولية ومتطلبات توطيد وحماية مسلسل الدمقرطة الجاري في البلاد، في إطار تتدخل فيه كافة الأطراف القانونية والقضائية والمدنية والتربوية والاجتماعية بواسطة برامج تستهدف التصدي والوقاية والتحسيس والتثقيف والتكوين وضمان تدابير زجرية فعالة ورقابة شفافة وعادلة للقطع مع كل إفلات من العقاب.

  • تفعيل نتائج الحوار الوطني المجرى بمناسبة الندوة حول السياسة الجنائية بالمغرب المنعقدة بمكناس أيام 9، 10 و11 دجنبر 2004 اعتبارا لكون خلاصاتها وتوصياتها تعتبر أرضية جيدة لبلورة مداخل إصلاحية حول موضوع السياسة الجنائية للبلاد، وبصفة خاصة ما يتعلق بمستوى الاعتقال والعقوبات السالبة للحرية وبدائلها وبدائل الدعوى العمومية وضمانات حماية الضحايا ومساعدتهم وحماية الفئات الأكثر هشاشة؛ وآليات العدالة الجنائية؛
  • تعزيز المراجعة الأخيرة لقانون المسطرة الجنائية بمقتضيات إضافية وأخرى تكميلية، فيما يخص تكريس احترام حقوق الإنسان والتوجه نحو عدالة تحقيقية بدل عدالة اتهامية؛ وتصحيح أوجه الاختلالات التي أفرزتها الممارسة واعترضت سبيل المهنيين؛
  •  تعزيز المراجعة الأخيرة للقانون الجنائي، بإدراج تعريف واضح ودقيق للعنف ضد النساء، يعتمد المعايير الدولية في المجال والتنصيص على تشديد العقوبات في حالة تعرض النساء للعنف بمختلف أشكاله، بما في ذلك الاغتصاب من طرف موظفي الأجهزة المكلفة بتنفيذ القوانين، وتوسيع مجال تجريم التحرش الجنسي ليشمل مختلف الفضاءات (بدل حصره في فضاء العمل كما جاء في التعديلات الأخيرة، والأخذ بإلزامية وضع النساء أثناء الحراسة النظرية تحت مسؤولية النساء.

بالإضافة إلى ما ورد في شأن تقوية السلطة القضائية دستوريا:

  • فصل وظيفة وزير العدل عن المجلس الأعلى للقضاء؛
  • جعل المجلس الأعلى للقضاء بمقر المجلس الأعلى بالرباط؛
  • متابعة تسريع وثيرة إصلاح القضاء والنهوض بمستواه؛
  • مواصلة تحديث المحاكم؛
  • تحفيز القضاة وأعوان العدالة وتكوينهم الأساسي والمستمر والتقييم المنتظم لأدائهم؛
  • مواصلة مشاريع تنظيم مختلف المهن القضائية وجعلها قادرة على الضبط الذاتي لشؤونها من حيث الحقوق والواجبات والأخلاقيات؛
  • مراجعة تنظيم واختصاصات وزارة العدل بشكل يحول دون أي تدخل أو تأثير للجهاز الإداري في مجرى العدالة وسير المحاكمات؛
  • تجريم تدخل السلطة الإدارية في مجرى العدالة؛
  • تشديد العقوبات الجنائية في حق كل إخلال أو مساس بحرمة القضاء واستقلاله.

  • إعمال التوصيات الصادرة عن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الواردة في تقريره الخاص حول الوضع في المؤسسات السجنية الصادر سنة 2004 لإصلاح الأوضاع فيها وذلك فيما يتعلق بتوسيع صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات، وتفعيل نظام الإفراج المقيد والمراقبة القضائية وإعداد مقتضيات تخص نظام العفو من حيث مسطرته ومعاييره؛
  • قيام وزارة العدل بإطلاع المجلس المذكور بانتظام على سير ذلك التفعيل وعلى الصعوبات التي اعترضتها وأسبابها؛
  • إحداث مجلس إداري مصغر، يتكون من قضاة ومربين ومختصين في المجال، يتولى إبداء الرأي في التسيير المالي والتنظيمي والأمني وتدبير الموارد البشرية، واختيار مدراء السجون وتعيينهم في الأماكن المناسبة وتقييم سير المرفق.

8.1. المسؤولية الحكومية في مجال الأمن

تفعيل آثار قاعدة الحكومة مسؤولة بشكل تضامني" عن العمليات الأمنية وحفظ النظام العام وحماية الديمقراطية وحقوق الإنسان وإلزامها بإخبار الجمهور والبرلمان بأية أحداث استوجبت تدخل القوة العمومية، وبمجريات ذلك بالتدقيق، وبالعمليات الأمنية ونتائجها والمسؤوليات وما قد يتخذ من التدابير التصحيحية.

8.2. المراقبة والتحقيق البرلماني في مجال الأمن

  • قيام الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان بإعمال مبدأ مسؤوليتها السياسية والتشريعية فيما يتعلق بحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية للمواطنين، كلما تعلق الأمر بادعاءات حدوث انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، أو حدوث أفعال جسيمة ماسة أو مهددة لقيم المجتمع واختياره الديمقراطي؛

  • تقوية أداء لجان تقصي الحقائق البرلمانية بالخبرة الأمنية والقانونية، مساعدة لها على إعداد تقارير موضوعية ودالة بعيدا عن الاعتبارات السياسية؛

  • تقوية آلية الأسئلة والاستماع المباشرة من قبل البرلمان فيما يخص المسؤولية عن حفظ الأمن والنظام العام؛

  • توسيع الممارسة البرلمانية في المساءلة والاستماع لتشمل علاوة على الوزراء المكلفين بالأمن والعدل، كل المسؤولين المباشرين عن أجهزة الأمن وعمليات الردع على الأصعدة الوطنية والإقليمية والمحلية.

3.8. وضعية وتنظيم أجهزة الأمن

  • توضيح ونشر الإطار القانوني والنصوص التنظيمية المتصلة به فيما يتعلق بصلاحيات وتنظيم مسلسل اتخاذ القرار الأمني، وطرق التدخل أثناء العمليات وأنظمة المراقبة وتقييم عمل الأجهزة الاستخباراتية والسلطات الإدارية المكلفة بحفظ النظام العام أو تلك التي لها سلطة استعمال القوة العمومية.

4.8. المراقبة الوطنية للسياسات والممارسات الأمنية

  • تصنيف حالات الأزمة الأمنية، وشروط وتكنولوجيات التدخل فيها، بما يتناسب حالة، وكذا سبل المراقبة ووضع التقارير عن التدخلات الأمنية؛

  • جعل الإشراف السياسي على عمليات الأمن وحفظ النظام العام فوريا وشفافا، وذلك بنشر تقارير عن العمليات الأمنية وعما خلفته من خسارة وأسباب ذلك والإجراءات التصويبية المتخذة.

5.8. المراقبة الإقليمية والمحلية لعمليات الأمن وحفظ النظام

  • وضع عمليات الأمن وتدخلات القوة العمومية الواقعة تحت تصرف السلطات الإقليمية والمحلية تحت الإشراف الفوري للجان محلية أو إقليمية للمراقبة والتتبع، متعددة التكوين؛

  • نشر تقرير مفصل عن الوقائع والعمليات والحصيلة وأسباب ما حصل من الشطط أو التجاوز بعد كل عملية من هذا النوع.

6.8. معايير وحدود استعمال القوة

  • إلزام كل جهاز أو وكيل للسلطة أو الأمن بالاحتفاظ بكل ما يوثق لقرار التدخل أو اللجوء إلى القوة العمومية، فضلا عن الإمساك بالتقارير والإشعارات والمراسلات المتصلة بها؛

  • إبطال الأوامر والتعليمات الشفوية، إلا في حالة الخطر المحدق، على أن تتبع الأوامر الشفوية عندئذ بأخرى مكتوبة وموقعة لتأكيدها؛

  • المعاقبة الإدارية والجنائية الصارمة لكل من ثبت عليه إخفاء ما ترتب من الخسائر البشرية أو المادية وعلى الاستعمال المفرط للقوة العمومية أو قام بتزوير أو تدمير أو التستر عن ما حصل من تجاوزات أو وثائق متصلة بها أو تستر عليها.

7.8. التكوين المتواصل لأعوان السلطة والأمن في مجال حقوق الإنسان

  • وضع برامج تخص التكوين والتكوين المستمر في مجال حقوق الإنسان وثقافة المواطنة والمساواة، لفائدة المسؤولين وأعوان الأمن والمكلفين بحفظ النظام، بالاستناد إلى المعايير الدولية والتشريعات الوطنية المتعلقة بحقوق الإنسان؛

  • إعداد ونشر متواصل لدلائل ودعائم ديداكتيكية بهدف توعية وتحسيس مختلف المسؤولين وأعوان الأمن بقواعد الحكامة الجيدة على المستوى الأمني واحترام حقوق الإنسان.

 

تدعو هيئة الإنصاف والمصالحة إلى وضع خطة وطنية متكاملة وطويلة الأمد في الشأن انطلاقا من المشاورات الوطنية الجارية حول مبادرة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في شأن الخطة الوطنية للتربية على حقوق الإنسان والنهوض بها. وفي هذا الإطار تعتبر الهيئة من الأولويات في مجال النهوض بثقافة حقوق الإنسان العمل على:

  • إدماج مـحـاربـة الأمـيـة والتـربـيـة غير النظامية في البرنامج الوطني للتربية على حقوق الإنسان؛
  • تعميم تجربة أندية المواطنة على المؤسسات التعليمية ودعمها وضمان التنسيق فيما بينها؛
  • استحضار مبادئ حقوق الإنسان كخلفية مؤطرة لتأليف الكتب المدرسية؛
  • إدماج مقاربة النوع في مختلف مستويات العملية التربوية، بما في ذلك تأليف الكتب المدرسية؛ النهوض بفعالية بوحدات التكوين والبحث في مجالات حقوق الإنسان بالجامعات وبكراسي اليونسكو وبمجموعات البحث، وتعميم هذه التجارب على سائر الجامعات المغربية؛
  • تسجيل التكوين والتكوين المستمر وبرامج التحسيس على حقوق الإنسان في إطار خطة عمل تسعى إلى أن تخترق مبادئ حقوق الإنسان والتربية عليها، مختلف برامج وسياسات القطاعات المعنية بالنهوض بثقافة حقوق الإنسان؛
  • تنمية القدرات المؤسساتية للمنظمات غير الحكومية العاملة في مجال حقوق الإنسان وتنمية حرفية أطرها واعتبارها شريكا لا محيد عنه عند وضع أية سياسة أو خطة عمل تسعى إلى النهوض بثقافة حقوق الإنسان أو التربية عليها والحرص على ضمان استمرارية هذه الشراكة وفعاليتها؛
  • تأصيل ثقافة حقوق الإنسان في الثقافة الوطنية بكل روافدها، عبر إنجاز البحوث وتنظيم الندوات والإشراف على دورات تكوينية وإصدار مجلات فكرية؛
  • تجديد الفكر الديني وإصلاح التعليم الديني وتوظيف وسائل الإعلام السمعية والبصرية والآداب والفنون في نشر ثقافة حقوق الإنسان.

  • تحفظ جميع الأرشيفات الوطنية، وينسق تنظيمها بين كل الدوائر المعنية، كما يسن قانون ينظم شروط حفظها وآجال فتحها للعموم وشروط الاطلاع عليها والجزاءات المترتبة عن إتلافها؛
  • القيام بمراجعة تدريجية لمحتوى برامج مادة التاريخ ببلادنا؛
  • قيام المعهد الموصى بإحداثه، بالإضافة إلى المهام الموكولة إليه بالتوثيق والبحث والنشر حول الأحداث التاريخية المتصلة بماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وبتطورات قضايا حقوق الإنسان والإصلاح الديموقراطي.

  • تقوية اختصاص المجلس فيما يخص التصدي التلقائي أو بناء على طلب، في مجال التحري وتقصي الحقائق في انتهاكات حقوق الإنسان؛

  • تتبع سير المحاكمات؛

  • رفع درجة تعاون السلطات العمومية فيما يتعلق بتحقيقاته وتمكينه من المعلومات والتقارير ذات الصلة في هذا المجال وإخباره بما تتخذه من إجراءات تصحيحية بشأنها.

 

 

  • إحداث لجنة بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان لمتابعة تنفيذ التوصيات الصادرة عن الهيئة في مجالات الحقيقة وجبر الضرر وضمانات عدم التكرار. وتخول هذه اللجنة صلاحيات وسلط واسعة للاتصال بكل السلطات والجهات المعنية وتعمل على تقديم تقرير دوري حول نتائج عملها، بما في ذلك التقدم المحرز أو التأخر الحاصل في هذا المجال. كما يعمل المجلس على دمج هذا التقرير في تقريره السنوي عن حالة حقوق الإنسان بالمغرب؛

  • إنشاء لجنة وزارية مختلطة من طرف الحكومة لمتابعة تنفيذ توصيات الهيئة، تمثل فيها وزارات الداخلية والعدل والثقافة والإعلام والتربية والتكوين المهني؛ 

  • متابعة تفعيل نتائج أعمال الهيئة في مجال جبر الأضرار بواسطة آلية للمتابعة تتولى الإعداد الرسمي للمقررات الصادرة في مجال تعويض الضحايا ومساطر إشعارهم وتوجيهها إلى الحكومة قصد التنفيذ، وكذا السهر على تفعيل توصيات الهيئة في مجال برامج جبر باقي الأضرار؛

  • إنشاء لجان تقنية لمتابعة تنفيذ مشاريع جبر الأضرار على الصعيد الجماعي، تمثل فيها القطاعات والمصالح المعنية، وتعمل على إحاطة الحكومة ولجنة المتابعة المنبثقة عن المجلس الاستشاري بشكل دوري بنتائج أعمالها؛

  • إنشاء لجان متابعة مختلطة مكونة من المنتخبين وممثلي السلطات المحلية والمنظمات غير الحكومية وممثلي المصالح الحكومية التقنية المعنية تكلف بتتبع تنفيذ المشاريع المقترحة على المستوى الجماعي والإقليمي والجهوي وتعمل على تقديم تقارير دورية إلى الجماعات المحلية والحكومة ولجنة المتابعة المنبثقة عن المجلس المذكورة أعلاه.

  • توصي الهيئة بتأمين التغطية الصحية الأساسية حسب قانون 6500 للأشخاص الذين بتت في كونهم ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان؛

  • تقترح أن يتم، بموجب ذلك، إدماج هؤلاء الأشخاص في المرحلة الأولى، تبعا للبند الثاني من هذا القانون، كذوي معاشات تقوم الدولة بتسديد النفقات اللازمة عنهم إلى الجهات المعنية بالتغطية؛

  • يمكن للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، في مرحلة ثانية، أن يساهم في إعداد مشروع هذا الشأن باتفاق مع الأطراف المعنية، يتم بموجبه استيعاب هذه الفئة في تعديل في إطار هذا القانون بشكل واضح؛

  • إنشاء جهاز دائم لتوجيه ومساعدة الضحايا يكون بمثابة مركز مرجعي مختص في مجال العناية بضحايا الانتهاكات وسوء المعاملة وفق المقترحات التالية:

-تعيين "طبيب منسق على الصعيد الوطني، وطبيب منسق على الصعيد المحلي"، تابعين لوزارة الصحة، خاصة في الأقاليم والعمالات التي يوجد فيها عدد كبير من الضحايا؛
-يقوم المركز بالتنسيق مع القطاعات المعنية بتقديم التأطير العلمي للعاملين الصحيين في هذا المجال )أطباء، ممرضين مساعدات اجتماعيات...)؛
-يقوم المركز بتقديم المشورة والخدمة العلمية والتقنية في المجال، لجميع الجهات والمؤسسات المعنية، سواء في الداخل أو الخارج؛
-ونظرا للحاجة الملحة لمثل هذا الجهاز على صعيد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وغيرها من الجهات، فإنه يمكن أن يلعب دورا أساسيا فيما بعد، كمركز مرجعي على صعيد الجهة؛ حيث أبدت بعض المنظمات الدولية أو الجمعيات الجهوية استعدادها لدعم مشروع من هذا النوع. 

  • وتبعا للدراسات والتحريات التي قامت بها الهيئة فيما يخص الجانب الصحي للضحايا، تبين أن هناك فئة منهم يلزم إعطاؤها أهمية خاصة، نظرا لأوضاعها الصحية والاجتماعية، مما يتطلب التحمل الطبي بصفة استعجالية، وذلك بمراكز متخصصة.

  • تنوه هيئة الإنصاف والمصالحة بالأمر الملكي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله والموجه للحكومة والقاضي بضمان مشاركة تامة وشاملة للمهاجرين المغاربة في الاستحقاقات الوطنية القادمة وبإنشاء مجلس أعلى للمغاربة القاطنين بالخارج؛

  • تعتبر أن وضع خطة سياسية تحترم حقوق ومصالح الجاليات المغربية في الخارج، يستلزم التشاور والتنسيق بين المجلس المرتقب تأسيسه ومجموعة الجمعيات والفاعلين ضمنها من جهة، والحكومة من جهة أخرى؛

  • توصي بإحداث متحف وطني للهجرة، يحفظ ذاكرة المهاجرين ومساهمتهم في التاريخ؛

  • تطالب في انتظار ذلك، بتجميد نشاط الوداديات، التي كان لها بشكل أو بآخر دور في انتهاك حقوق المهاجرين، في كل مؤسسة عمومية أو شبـه عـمـومـيـة؛ 

  • توصي اللجنة المكلفة بتتبع عمليات التعويض بالسهر على تسوية مشاكل المواطنين المغتربين بالخارج والذين لم يلتحقوا بعد بأرض الوطن، وذلك بحل المشاكل الإدارية التي تعترض سبيلهم بشكل خاص.

بيـان الأسبـاب

انطلاقا من الإرادة العليا لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه لله من أجل ترسيخ قيم وفكر وثقافة حقوق الإنسان كخيار ثابت للمملكة المغربية، خيار أكده جلالته في أكثر من مناسبة، بقوة وبعزم لا يلين، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تأكيد جلالته:
«نجدد التزامنا بحقوق الإنسان وبقيم الحرية، ذلك أننا نؤمن إيمانا راسخا أن احترام حقوق الإنسان والالتزام بالمواثيق الدولية المكرسة لهذه الحقوق ليست ترفا أو موضة، بل ضرورة تفرضها مستلزمات البناء والتنمية والتقدم، ونحن نرى من جهتنا أن لا تنافر بين دواعي التنمية وحقوق الإنسان، ونرى أن لا تضارب بين الإسلام الذي كرم بني آدم وبين حقوق الإنسان، من أجل ذلك كله نرى أن القرن المقبل سيكون قرن احترام حقوق الإنسان أو لن يكون».
من الرسالة الملكية السامية بتاريخ 10 دجنبر 1999 بمناسبة الذكرى 51 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وانطلاقـا من الأبعاد الفلسفية العميقة والإرادة السامية القوية التي أكد عليها جلالة الملك بخصوص الطي العادل والمنصف لملف الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والنفي لأسباب سياسية في أكثر من مناسبة، تلك الإرادة التي تروم إنصاف الضحايا، وإنصاف المجتمع في إطار استمرارية المغرب، متضامنا متصالحا ومتوجها بقوة إلى مستقبله المشرق، وعلى سبيل المثال لا الحصر، إعلان جلالته:
«وقد أولينا عناية خاصة لقضايا حقوق الإنسان، تجسدت في العديد من الإجراءات والخطوات الهادفة إلى مصالحة المغاربة مع تاريخهم، وتسوية ما شابها من تجاوزات وانتهاكات، وكان هدفنا ولا يزال هو توفير الشروط الضرورية لتأمين المستقبل عبر جبر الضرر، ورد الاعتبار للضحايا، وإعادة التأهيل، وإرساء الضمانات الكفيلة بالوقاية والحماية من عدم تكرار الماضي، كما أن دعوتنا إلى تجاوز الضغينة وإرساء ثقافة التسامح مع الإنصاف لمن شأنها أن تفتح آفاق المستقبل ومتطلبات بنائه بكامل الاعتزاز والمسؤولية».
من الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في المؤتمر 34 للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان المنعقد بمدينة الدار البيضاء بتاريخ 10 يناير 2001.

وانـطلاقـا من مقاصد الشريعة الإسلامية السمحاء التي آثرت الفضيلة والتسامح سلوكا وتربية، وجعلت من العدل أساسا للحكم بين الناس الذين كرمهم لله سبحانه وتعالى؛

وتعميقا للتحول الديموقراطي الذي يقوده جلالة الملك، وحماية له من أية مخاطر قد تهدده، ومن أجل صيانته كخيار لا رجعة فيه؛

واستنادا إلى الالتزام الثابت للمملكة المغربية بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا وكما أقر ذلك دستور البلاد؛

واستحضارا لمبادئ ومقتضيات القانون الدولي لحقوق الإنسان عموما، وبما تعهدت به الدولة المغربية والتزمت به من اتفاقيات في هذا المجال؛

واستكمالا للإنجازات والمكتسبات على طريق التسوية العادلة لملف الانتهاكات التي تحققت منذ العشرية الأخيرة في عهد المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني رحمة لله عليه، حيث تم العفو عن مئات المعتقلين السياسيين والمنفيين، وإرجاع معظمهم إلى وظائفهم، وتمكينهم من مستحقاتهم، والإفراج عن مئات من ضحايا الاختفاء القسري، وإغلاق مراكز الاعتقال غير القانونية السابقة، وتعويض الآلاف من الأشخاص من طرف هيئة التحكيم المستقلة للتعويض المترتب عن الضررين المادي والمعنوي للضحايا وأصحاب الحقوق ممن تعرضوا للاختفاء القسري والاعتقال التعسفي؛

واعتبارا لما استندت إليه الهيئة المذكورة، في نطاق المهمة المنوطة بها، من قواعد العدل والإنصاف؛

وانـطـلاقـا مما أكده رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في افتتاح الدورة 17 للمجلس بتاريخ 13 مارس 2003 بخصوص تصميم جلالة الملك على الطي النهائي لصفحة الماضي بحزم وهدوء، وبعدل وإنصاف، والتزام المغرب بالتصفية والمصالحة بطريقة إنسانية ومتحضرة؛ علما أن المنظور الاختزالي الذي أملته مرحلة معينة قد انتهى إلى زوال لفائدة منظور شمولي لحقوق الإنسان يمكن للمغرب بل ويجب عليه أن يتبناه؛

ودعما للقوة الاقتراحية المسؤولة والبناءة التي بلورها الفاعلون الحقوقيون والسياسيون والضحايا في المناظرة الوطنية حول التسوية العادلة لماضي الانتهاكات الجسيمة؛

واستمرارا للتراكمات الإيجابية في مجال استرجاع الذاكرة الجماعية والفردية التي بلورتها إنتاجات إبداعية، ثقافية وفنية، وقوافل حضارية رمزية من أجل الحقيقة إلى مراكز الاعتقال السرية السابقة؛

وتثمينا للحوار الجدي الذي بوشر وما يزال بين ممثلي السلطات العليا والسلطات الحكومية وممثلي الضحايا والحركة الحقوقية حول تسوية كافة الملفات العالقة ذات الصلة بالماضي؛

واستلهاما للخلاصات الكبرى لمختلف التجارب الوطنية عبر العالم، التي تصدت شعوبها وأممها بشجاعة للمصالحة مع الماضي بما يحفظ الذاكرة، وينصف الضحايا، ويعزز الوحدة الوطنية ودولة القانون، مؤسساتيا وتشريعيا وثقافيا وتربويا، في إطار هيئات للحقيقة والمصالحة حكمتها قواعد العدل والإنصاف في إطار عدالة انتقالية؛

إن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وفي ضوء كل ما سلف، إذ يؤكد بخصوص طي صفحة الماضي، مقاربته التي تتعارض بصفة قطعية مع كل الدعوات إلى الضغينة والانتقام والمساءلة الجنائية، منطلقا في ذلك من الغايات النبيلة التي أكدها أكثر من مرة صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه لله في إطار مصالحة المغاربة مع تاريخهم وتجاوز الضغينة وتضميد الجراح، وبذل كل أشكال التأهيل الطبي والإنساني ورد الاعتبار والإدماج الاجتماعي للضحايا وذويهم وعدم الاستغلال المركانتيلي أو الإيديولوجي للحقيقة وإرساء ثقافة التسامح مع الإنصاف وإرساء الضمانات الكفيلة بالوقاية والحماية من عدم تكرار الماضي، وفتح صفحة جديدة تكرس فيها كل الطاقات لبناء مستقبل مغرب ديموقراطي، عصري، قوي، متفتح ومتسامح، لمواجهة المشاكل الحقيقية والملموسة لأجياله الصاعدة؛

بناء على الأسباب السالفة الذكر، وعلى كل ما يمكن أن يتممها لفائدة العدل والإنصاف وتحقيق المصالحة وحفظ الذاكرة، ومن أجل ربط كل المكتسبات والتدابير المتخذة لغاية الآن بباقي المطالب العادلة والمشروعة للضحايا والحركة الحقوقية والمجتمع، في إطار مقاربة ومنظور شاملين للحل النهائي لملفات الماضي بطريقة إنسانية ومتحضرة؛

وانطلاقا من المناقشات المعمقة والمداولات المستفيضة والحوار الجاد والمسؤول الذي عرفه المجلس بخصوص مواصلة تسوية ماضي الانتهاكات الجسيمة بصفة نهائية وعادلة.

يتشرف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بأن يقترح على النظر السديد لجلالة الملك محمد السادس حفظه لله التوصية الآتية:

إحداث لجنة خاصة، طبقا للمادة السابعة من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 15 محرم 1422 الموافق ل10 أبريل 2001 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، تسمى «هيئة الإنصاف والمصالحة»؛ تتكون من شخصيات مشهود لها بالكفاءة والنزاهة الفكرية والتشبع بمبادئ حقوق الإنسان، وتتولى داخل أجل تسعة أشهر قابل للتمديد عند الضرورة لمدة أقصاها ثلاثة أشهر القيام بالمهام التالية:

إجراء تقييم شامل لمسلسل تسوية ملف الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي منذ انطلاقه من خلال الاتصال والحوار مع الحكومة؛ وهيئة التحكيم المستقلة المكلفة سابقا بالتعويض، والسلطات العمومية والإدارية المعنية، والمنظمات الحقوقية، وممثلي الضحايا وعائلاتهم؛

مواصلة البحث بشأن حالات الاختفاء القسري التي لم يعرف مصيرها وبذل جميع المجهودات للوصول إلى نتائج بصددها؛

العمل على إيجاد حلول لحالات ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي التي يثبت للهيئة أنها آلت إلى الوفاة وذلك بتحديد أماكن دفنهم لتمكين أقاربهم من زيارتهم والترحم عليهم؛

مواصلة العمل الذي قامت به هيئة التحكيم المستقلة للتعويض المترتب عن الضررين المادي والمعنوي للضحايا وأصحاب الحقوق ممن تعرضوا للاختفاء القسري والاعتقال التعسفي اعتمادا على نفس الأساس التحكيمي وقواعد العدل والإنصاف، للبت في الطلبات التي رفعت إليها بعد انصرام أجل 31 دجنبر 1999؛ ولهذه الغاية يفتح أجل جديد لمدة شهر كامل لتلقي باقي الطلبات ذات الصلة بالموضوع وذلك ابتداء من تاريخ الإعلان عن المصادقة الملكية السامية على هذه التوصية؛

وتبقى للهيئة صلاحية تحديد أجل خاص بخصوص طلبات ذوي الحقوق في الحالات الواردة ضمن الفقرة الثانية أعلاه؛

العمل على جبر كل الأضرار التي لحقت بالأشخاص ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، وذلك بتقديم مقترحات وتوصيات بشأن قضايا الإدماج الاجتماعي والتأهيل النفسي والصحي للضحايا الذين يستحقون ذلك، واستكمال مسلسل حل المشاكل الإدارية والوظيفية والقانونية بشأن الحالات العالقة والنظر في الطلبات المتعلقة بنزع الممتلكات؛

إعداد تقرير بمثابة وثيقة رسمية لـ «هيئة الإنصاف والمصالحة» يتضمن خلاصات الأبحاث المجراة، وتحليلا للانتهاكات ذات الصلة بالاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، وعرضا للإنجازات التي تم تحقيقها في الملفات المرتبطة بهذه الانتهاكات، والتوصيات والمقترحات الكفيلة بحفظ الذاكرة وضمان عدم تكرار ما جرى ومحو آثار الانتهاكات واسترجاع الثقة وتقويتها في حكم القانون واحترام حقوق الإنسان؛

تقوم الهيئة خلال أدائها لمهامها المحددة أعلاه، ببذل جميع المجهودات للكشف عن الوقائع التي لم يتم إستجلاؤها بعد، وإصلاح الأضرار ورد الاعتبار للضحايا وترسيخ المصالحة؛ ولهذه الغاية تعمل كافة السلطات العمومية والمؤسسات العامة على التعاون مع الهيئة وتمكينها من كل المعلومات والمعطيات الكفيلة بإنجاز مهامها؛

تلزم الهيئة وأعضاؤها بالكتمان التام لمصادر معلوماتها وبالسرية المطلقة بخصوص مناقشاتها ومداولاتها؛

يندرج عمل الهيئة ضمن مسلسل التسوية غير القضائية الجاري لطي ملف انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في الماضي، ولا يمكنها في أي حال من الأحوال، بعد إجراء الأبحاث اللازمة، إثارة المسؤوليات الفردية أيا كان نوعها كما لا يمكنها اتخاذ أية مبادرة يكون من شأنها إثارة الانشقاق أو الضغينة أو إشاعة الفتنة.

الاجتماع العشرون للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان

17 شعبان 1424هـ، موافق 14 أكتوبر 2003م

"الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه حضرات السيدات والسادة، تجسيدا لإرادتنا الملكية الراسخة، في تحقيق المزيد من المكاسب، للنهوض بحقوق الإنسان، ثقافة وممارسة، ها نحن اليوم، بتنصيب لجنة الإنصاف والمصالحة، نضع اللبنة الأخيرة للطي النهائي لملف شائك، ضمن مسار انطلق منذ بداية التسعينات، والذي شكل ترسيخه أول ما اتخذناه من قرارات، غداة اعتلائنا العرش.
  ومع استحضار اختلاف التجارب الدولية في هذا المجال، فإن المغرب قد أقدم، بحكمة وشجاعة، على ابتكار نموذجه الخاص، الذي جعله يحقق مكاسب هامة، في نطاق استمرارية نظامه الملكي الدستوري الديمقراطي، الضامن لحرمة الدولة والمؤسسات، وحريات الإنسان وكرامته، مما تجلى خاصة في العفو عن المعتقلين السياسيين، وتسوية أوضاعهم المهنية والإدارية، وعودة المنفيين والمغتربين، وتعويض ضحايا الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري والبحث في مصيرهم.
  ونود في هذا الصدد، الإعراب عن بالغ إشادتنا بصانعي هذه المكاسب، دولة ومجتمعا، مستحضرين بكل إجلال وخشوع، رائد هذا المسلسل، والدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، خلد الله في الصالحات ذكره، ومنوهين أيضا بمن ساهموا في هذا البناء، إن على مستوى السلطات العمومية، أو على مستوى الهيئات السياسية والنقابية والجمعوية.
  كما نود الإشادة بما قامت به الهيأة المستقلة للتحكيم من أعمال جليلة للتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية، مؤسسة بذلك رصيدا غنيا مشهودا به، وطنيا ودوليا وهو ما سيمكن لجنة الإنصاف والمصالحة، من الانطلاق على أرضية ثابتة، لاستكمال عمل الهيأة السابقة. وسنظل حريصين على الطي النهائي لهذا الملف، بتعزيز التسوية العادلة غير القضائية، وتضميد جراح الماضي، وجبر الضرر، بمقاربة شمولية، جريئة ومتبصرة، تعتمد الإنصاف ورد الاعتبار، وإعادة الإدماج، واستخلاص العبر والحقائق لمصالحة المغاربة مع ذاتهم وتاريخهم، وتحرير طاقاتهم، للإسهام في بناء المجتمع الديمقراطي الحداثي، الذي يعد خير ضمان لعدم تكرار ما حدث.
  إن العمل الذي قامت به اللجنة السابقة والتقرير النهائي الذي ستنجزونه من أجل الاحاطة بوقائع في أجل محدود، يجعلنا نعتبر هيأتكم بمثابة لجنة للحقيقة والإنصاف، مستشعرين نسبية بلوغ الحقيقة الكاملة، التي تمتنع حتى على المؤرخ النزيه، علما بأن الحقيقة المطلقة لا يعلمها إلا الله سبحانه، مصداقا لقوله تعإلى.. "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور".
  وعلى هذا الأساس، فإن هذه اللجنة، ستجد لدى جلالتنا الرعاية السامية، لما ينتظرها من مهام دقيقة ولما هو مشهود لرئيسها السيد إدريس بنزكري، ولكافة أعضائها من تجرد ونزاهة أخلاقية، وتشبث صادق بحقوق الإنسان، ومن كفاية عالية في المجال الواسع لاختصاص هذه اللجنة، التي حرصنا على انفتاحها، بتكوينها بالتساوي، من أعضاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ومن كفاءات متنوعة المشارب والاختصاص، موحدة المقاصد في الدفاع عن هذه الحقوق.
  كما نود أن نعبر عن جزيل شكرنا وعميق تقديرنا لأعضاء هذه الهيئة معربين عن صادق ابتهاجنا لانخراطهم جميعا، بروح عالية من الثقة، في مبادرتنا هاته، بكل حماس واستعداد تام للإسهام في إنجاح هذه المهمة النبيلة.
  وإننا لمقتنعون بأن هيأتكم المشكلة من شخصيات مرموقة، ستتوصل بعون الله وتوفيقه في الآجال المحددة، إلى إعادة الاعتبار لكرامة الضحايا، ومواساة عائلاتهم وتحقيق المصالحة السمحة الكاظمة للغيظ. وستتمكن من الاستفادة الإيجابية مما تحقق من مكتسبات، وترسيخها لتحقيق تسوية عادلة ومنصفة، إنسانية وحضارية، ونهائية لهذا الملف، ملتزمة في وضعها لنظامها الداخلي، ونهوضها بمهامها النبيلة، بقرار إحداثها، وبالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وبقيم الإسلام المثلى في السماحة والعفو والصفح الجميل.
  وتلكم هي السبيل القويم لترسيخ روح المواطنة الايجابية، وجعل الديمقراطية وحب الوطن وإشاعة ثقافة حقوق وواجبات الإنسان، خير تحصين لمجتمعنا من نزعات التطرف والإرهاب، التي نحن مصممون على مواجهتها، بحزم الساهرين على صيانة الأمن والاستقرار، في ظل سيادة القانون، وتحرير الطاقات الكفيلة بجعل المغاربة قاطبة، في انسجام تام مع تطلعات وطنهم، ورفع ما يواجهه من تحديات داخلية وخارجية.
  وإننا لنعتبر هذا الإنجاز تتويجا لمسار نموذجي وفريد من نوعه، حققناه جميعا، في ثبات وثقة بالنفس، وجرأة وتعقل في القرار، وتشبث بالديمقراطية، من لدن شعب لا يتهرب من ماضيه، ولا يظل سجين سلبياته، عاملا على تحويله، إلى مصدر قوة ودينامية لبناء مجتمع ديمقراطي وحداثي، يمارس فيه كل المواطنين حقوقهم وينهضون بواجباتهم بكل مسؤولية وحرية والتزام.”
 

ظهير شريف رقم 1.04.42 صادر في 19 صفر 1425 (10 أبريل 2004) بالمصادقة على النظام الأساسي لهيئة الإنصاف والمصالحة، نشر بالجريدة الرسمية للمملكة عدد 520 بتاريخ 12 أبريل 2004
 

تحميل الظهير الشريف
 

"الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه،
حضرات السيدات والسادة المحترمين،
شعبي العزيز،
لقد عاهدتك على مخاطبتك، كلما قطعنا مرحلة من مراحل مسيرتك الحثيثة، على درب التقدم. واستقبلنا أخرى بالمزيد من التعبئة والثقة والأمل. بفضل تضافر جهودك، والتفافك حول خديمك الأول.
وعندما أتوجه إليك اليوم، فلأن الأمر يتعلق بلحظة تاريخية فاصلة. فنحن نودع نصف قرن من الاستقلال، بنجاحاته وإخفاقاته وطموحاته، في بناء الدولة الحديثة. كما نقدم، بعون الله، على خوض معركة استكمال بناء مغرب الوحدة، والديمقراطية والتنمية.
وإذ نستحضر الخمسينية المنصرمة، فإننا لا نريد أن نجعل من أنفسنا حكماً على التاريخ. الذي هو مزيج من الإيجابيات والسلبيات. فالمؤرخون هم وحدهم المؤهلون، لتقييم مساره، بكل تجرد وموضوعية، بعيدا عن الاعتبارات السياسية الظرفية.
وهذا لا يعني أننا ننظر إلى هذه المرحلة كماض طواه الزمن. ولا أن نبقى سجناء له. وإنما نعتبرها جزءاً من سجل أمتنا العريق. فنحن حريصون على أن يظل التاريخ، بالنسبة للمغاربة جميعاً، وسيلة ناجعة لمعرفة الماضي، وفهم الحاضر، والتطلع للمستقبل، بكل ثقة.
ومن هذا المنطلق، أصدرنا قرارنا بنشر كل من التقرير الختامي، لهيأة الإنصاف والمصالحة، والدراسة حول حصيلة وآفاق التنمية البشرية ببلادنا، وتمكين الرأي العام من الاطلاع عليهما.
وعلى هذا الأساس، يتعين علينا جميعا، علاوة على حفظ هذه الحقبة في ذاكرة الأمة، باعتبارها جزءا من تاريخها، استخلاص الدروس اللازمة منها. وذلك بما يوفر الضمانات الكفيلة بتحصين بلادنا من تكرار ما جرى، واستدراك ما فات. بيد أن الأهم، هو التوجه المستقبلي البناء. ذلكم التوجه الإيجابي الذي يقوم على تعبئة كل طاقاتنا للارتقاء بشعبنا، والانكباب على قضاياه الملحة. فما أكثر ما ينتظرنا إنجازه. لاسيما وقد عملنا على أن يأخذ قطار التنمية البشرية سرعته القصوى. غايتنا المثلى ترسيخ دعائم المجتمع التضامني، الذي يكفل الكرامة والمواطنة المسؤولة لكافة أبنائه، في تلازم بين ممارسة الحقوق وأداء الواجبات. وبدون ذلك، لن نكون متجاوبين مع شبابنا، ولا مواكبين لتطور العصر.
وبلسان حال أجيالنا الصاعدة أقول: كفى من الأنانية، والانطواء على ذواتنا. وهدر الفرص الثمينة، واستنزاف الطاقات في معارك وهمية. وقد آن الأوان لتدبر حاضر أبنائنا ومستقبلهم. فشبابنا لن يتفهموا عدم تحقيق تطلعاتهم المشروعة للعيش الحر الكريم. ولن يتأتى لنا ذلك إلا بالتشمير عن ساعد الجد، ومواصلة تضحيات جيل الاستقلال، والمسيرة الخضراء. والمضي قدما في إصلاح شامل، عماده الجيل الصاعد. جيل تحقيق التنمية البشرية، والتمسك بالهوية الوطنية، والوحدة الترابية، والتشبث بالملكية المواطنة.
شعبي العزيز،
لقد أقدمنا، بكل شجاعة وحكمة وثبات، على استكمال التسوية المنصفة لماضي انتهاكات حقوق الإنسان، التي أطلق مسارها الرائد، منذ بداية التسعينيات، والدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، قدس الله روحه. وإننا لنستحضر، بكل خشوع وإجلال، إلحاحه، أكرم الله مثواه، من أعلى منبر البرلمان، في آخر افتتاح له، للدورة النيابية لأكتوبر 1998، على الطي النهائي لكل الملفات العالقة. كما جاء في نطقه السامي. حتى "لا يبقى المغرب جارا من ورائه سمعة ليست هي الحقيقة، وليست مطابقة لواقعه، ولا تفيده في مستقبله".
"وعندما اختاره الله تعالى إلى جواره، واصلنا حمل هذه الأمانة. ضمن مسار نموذجي وفريد، تمت فيه تسوية الملفات الشائكة. وذلكم في إطار التغيير داخل الاستمرارية، التي تطبع نظامنا الملكي. وإني كوارث لسر والدي المنعم، أحمد الله على أن وفقنا للنهوض بهذه الأمانة. وباسم الشعب المغربي قاطبة، فإني أرفع هذه البشرى، لتزفها ملائكة الرحمان، إلى روحه الطاهرة. وتثلج بها قلبه، وأفئدة جميع الضحايا والمتضررين، وكل الأسر المكلومة، التي هي محط عطفنا وعنايتنا.
وإذ نشيد بالجهود المخلصة لهيأة الإنصاف والمصالحة، رئاسة وأعضاء، فإننا نكلف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بتفعيل توصياتها. كما ندعو كافة السلطات العمومية، إلى مواصلة التعاون المثمر مع المجلس، لتجسيد حرصنا الراسخ على تعزيز الحقيقة والإنصاف والمصالحة.
وإني لواثق أن هذه المصالحة الصادقة التي أنجزناها، لا تعني نسيان الماضي، فالتاريخ لا ينسى. وإنما تعتبر بمثابة استجابة لقوله تعالى: "فاصفح الصفح الجميل". وإنه لصفح جماعي، من شأنه أن يشكل دعامة للإصلاح المؤسسي. إصلاح عميق يجعل بلادنا تتحرر من شوائب ماضي الحقوق السياسية والمدنية. وبذلكم نعبد الطريق المستقبلي، أمام الخمسينية الثانية للاستقلال، لتركيز الجهود على الورش الشاق والحاسم، للنهوض بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لكافة مواطنينا. ولاسيما منهم الذين يعانون معضلات الفقر والأمية، والبطالة والتهميش.
الدولة، فقد أنيط بنخبة من المفكرين والخبراء، إعداد دراسة شاملة، عن حصيلة وآفاق خمسين سنة من التنمية البشرية. ونود التنويه بالذين أشرفوا على هذا الإنجاز الهام، وبالكفاءات الوطنية التي ساهمت فيه.
كما نتطلع إلى أن تشكل هذه الدراسة، باجتهاداتها الجماعية والفردية، خير محفز على استعادة النخبة، بمختلف مشاربها، لدورها التنويري، في نهضة الأمة، وانبثاق فكر استراتيجي. فضلا عن فتح نقاش تعددي وبناء، حول مشاريع مجتمعية متمايزة وواضحة. هذه المشاريع التي تظل الهيآت الدستورية والسياسية، والنقابية والجمعوية، هي المسؤولة عن بلورتها وتنفيذها، وفق الإرادة الشعبية الحرة.
معشر الحضور الموقر، شعبي العزيز،
لقد ارتأيت أن أركز خطابي حول التوجه المستقبلي، لاستكمال المواطنة الكريمة، بتجديد العهد على إنجاز الورش المستديم للتنمية البشرية. وعلى التعبئة الشاملة لطاقات شبابنا، وفسح المجال أمام كل المبادرات المنتجة للثروات الاقتصادية، أو المبدعة في كل مجالات العلوم والفنون، داخل المغرب وخارجه. غايتنا المثلى بناء مغرب تكافؤ الفرص والمسؤولية.
وسنظل حريصين على أن تبذل الدولة قصارى جهودها في هذا الشأن. ساهرين على تحقيق الكرامة والعيش اللائق لكل المغاربة. في تضافر للجهود بينها وبين سائر الفاعلين، قطاعاً خاصا ومجتمعاً مدنياً، هيآت وسلطات، أفراداً وجماعات. سبيلنا إلى ذلك ترسيخ فضائل الاجتهاد والاستقامة والاستحقاق. وتفعيل آليات المراقبة والمحاسبة والشفافية، في ظل سيادة القانون، والمواطنة الفاعلة. وسنواصل قيادة سفينة المغرب، في وجهتها الصحيحة، إلى مرسى الأمان والاستقرار، والتقدم والازدهار، بالإصلاحات العميقة والمتوالية. ساهرين على توازن مسارها، وسلامة إبحارها، في المحيط العالمي، بكل ثقة والتزام، وعزم وإقدام.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته