قدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بناء على طلب إبداء الرأي الموجه له من لدن رئيس مجلس النواب بتاريخ 6 أكتوبر 2020، رأيه حول مشروع القانون رقم 46.19 المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وذلك إعمالا للمادة 24 من القانون رقم 76.15 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والتي تنص على أنه يقترح "كل توصية يراها مناسبة...، ويوجهها رئيس المجلس إلى رئيسي مجلسي البرلمان والسلطات الحكومية المختصة" والمادة 25 المتعقلة بإبداء الرأي في شأن مشاريع القوانين ومقترحاتها ذات الصلة بحقوق الإنسان، إلخ.
وتتوخى ملاحظات المجلس وتوصياته المضمنة في هذا الرأي المساهمة في تعزيز انسجام نص مشروع القانون مع المكتسبات الحقوقية التي رسخها دستور المملكة نصا وروحا ومع المرجعية الدولية لحقوق الإنسان والتجارب الفضلى عبر العالم، ومع مستلزمات النهوض بمهام مؤسسة حيوية بالنسبة لمطلب الشفافية والوقاية من الفساد بمختلف أشكاله وبأدوارها الجوهرية.
كما تهدف إلى تقوية مقتضيات النص بمضامين من شأنها أن تشكل ضمانات فعلية للنهوض بمهام الهيئة وصلاحياتها ولممارسة هذه المهام والصلاحيات بما يضمن التطبيق الفعال للقانون ونجاعته في مكافحة الفساد باعتبار هذا الأخير خرقا لحقوق الإنسان، وسببا رئيسيا لضعف فعلية الحقوق ببلادنا، لكونه من العوائق التي تحول دون الولوج الفعلي المواطنات والمواطنين لحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.
ويتمحور الرأي الذي قدمه المجلس حول تسع ملاحظات وتوصيات ترمي أساسا إلى تعزيز صلاحيات الهيئة في مجال محاربة الفساد وتدقيق بعض المقتضيات القانونية.
وقد وقف المجلس، انطلاقا من دارسة مقارنة بين مجموعة من الصيغ المؤسساتية المعتمدة في مجال مواجهة الفساد حول العالم، على وجود ثلاث نماذج كبرى تتراوح صلاحياتها بين الاهتمام بالوقاية من الفساد، أو مكافحته أو الجمع بين الوقاية والمكافحة.
وتبين للمجلس أن إناطة صلاحيات الرصد والتحقيق في قضايا الفساد تعتبر قاسما مشتركا بين كل النماذج التي تضطلع فيها هيئات مكافحة الفساد بصلاحيات في مجال محاربة الفساد عبر إنفاذ القانون.
ومن جهة أخرى، أوصى المجلس بتعزيز صلاحيات الهيئة في مجال مكافحة الفساد خاصة فيما يتعلق بصلاحيات تلقي التبليغات والشكايات والمعلومات والقيام بإجراءات البحث والتحري.
كما أوصى بضرورة تحديد نطاق اختصاص الهيئة وتبيان حدود تداخل الاختصاص مع عمل واختصاص السلطة القضائية بشكل أكثر دقة والنص على وسائل ذاتية للهيئة ومساطر خاصة بها تمكنها من التصدي التلقائي لحالات الفساد والرشوة وفقا لروح مشروع القانون وتمكن مأموريها من إجراء التحقيقات التي تراها ضرورية ومناسبة تحت مسؤوليتها.
وقد اعتبر المجلس أن مقتضيات مشروع هذا القانون تشكل فرصة مواتية لتطوير بعض جوانب الترسانة القانونية الوطنية ذات الصلة بمحاربة الفساد، وخاصة منها مجموعة القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، بما يعزز التكامل بين جهود مكافحة الفساد وتقوية ضمانات حماية حقوق الإنسان، إلخ.