إحسان الحافظي كاتب وصحفي ومحاضر في مجال العلوم السياسية. عمل من خلال كتابه -السياسات الأمنية في المغرب: في السلطة وأدوار النخب السياسية- على مساءلة العلاقة بين السلطة والمجتمع السياسي. كما سلط الضوء على تأثير التحولات السياسية الوطنية على وظيفة حكامة البنيات الأمنية، من خلال تحليل أدوار البرلمان والسلطة السياسية.
وعلى هامش تقديم كتابه برواق المجلس الوطني لحقوق الانسان في الدورة 27 للمعرض الدولي للنشر والكتاب يوم الخميس 9 يونيو 2022، طرحنا ثلاثة أسئلة على إحسان الحافظي للتعرف أكثر على المحاور الكبرى لكتابه.
س- من منطلق نظرية ”الحرية تنمية“، كيف يمكنكم قراءة العلاقة بين ثنائية 'الحرية والأمن'؟
أعتقد أن منطق التجاذب بين الحرية والأمن قد مضى، وبالتالي فإن العودة القوية لفكرة التأصيل الحقوقي للسياسات الأمنية يدفع في اتجاه محاولة إجراء مجموعة من الملاءمات القانونية التي تسمح بتحقيق معادلة الحرية والأمن. طبعا، إن مرد فكرة هذه الثنائية أنه، في السابق، كان تحقيق شرط الحرية يكون غالبا على حساب الأمن وتحقيق الأمن غالبا ما يكون على حساب تقييد الحرية. وبالتالي فإن هذا المنطق أصبح متجاوزا بفعل عالمية حقوق الانسان، وذلك بفعل التراكم المعياري على مستوى النصوص القانونية في القانون الدولي، القانون الدولي الإنساني وفي مختلف المؤسسات الدولية المهتمة بحقوق الانسان التي تدفع نحو تكريس مختلف تعابير الحق للجميع. ومن هذا المنظور، أعتقد أن إشكالية الحرية والأمن لم تعد مطروحة بمنطق الاستشكال، ولكن أصبحت مطروحة وفق زاوية أخرى تحاول أن تزاوج بين متطلبات تحقيق الأمن ومتطلبات تحقيق الحرية لأنه إذا كانت "الحرية تنمية" كما هو الحال في مجموعة من النظريات فالأمن، أيضا، هو شرط من شروط التنمية.
س- من أجل إرساء ”حكامة أمنية“، نحتاج إلى سياسة عمومية في مجال الأمن، لكن كيف يمكن بناء وهندسة سياسة عمومية أمنية في مجال قد يبدو من الوهلة الأولى غير منفتح بالقدر الكافي على آليات المراقبة والمشاركة؟
عملت ديمقراطية الدول على بلورة أشكال مختلفة تسمح بالمشاركة في القرار الأمني. إذا أخذنا مثلا التجربة لألمانية، نجد أنه على مستوى البرلمان هناك لجنة تختص بدراسة كل القضايا المتعلقة بعمل الأمن والمخابرات، وبالتالي، لم يعد العمل الأمني مبنيا على قرارات أحادية تتخذها السلطة المكلفة بتنفيذ السياسة الأمنية ولكن أصبح عملا تشاركيا. في المغرب، ومن منظور حقوق الإنسان، يمكن القول أن سرعة التفاعل الذي تقوم به مثلا المؤسسة الأمنية المغربية في التعاطي مع بعض الشكايات مثل الصور على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المطالب بتحقيق الأمن، يُعتبر شكلا من أشكال الإنتاج المشترك للأمن.
ففكرة الإنتاج المشترك للأمن هي فكرة حقوقية بامتياز، لأنها تأخذ بعين الاعتبار تحقيق الأمن كشرط لبناء مجتمع قادر على التعايش والتضامن. وتعتبر ميكانيزمات إنتاج القرار الأمني أحادية لأنها مرتبطة بالسلطة ويصعب على المجتمع فهمها، لكن على مستوى التنفيذ واتخاذ القرار وبلورة هذه السياسات، أصبحنا اليوم نتحدث عن ما يسمى بالإنتاج المشترك للأمن الذي يساهم من خلاله المواطن في تحقيق الأمن داخل الحي أو المدينة أو حتى داخل الوطن.
س- كيف يمكن تحقيق سياسة أمنية ناجحة مراعية لحقوق الإنسان؟
يعتبر "الأمن وحقوق الإنسان"، اليوم، متلازمة في كل النصوص القانونية سواء النصوص المرجعية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو الموضوعاتية مثل مدونة السلوك الخاصة بالموظفين المكلفين بإنفاذ القانون. وبالتالي، أصبحت متلازمة "حقوق الإنسان والأمن“ حاضرة في جميع برامج التكوين للعمل الشرطي. وفي المغرب، هناك مَصوغات حديثة في مراكز تكوين الشرطيين تأخذ بعين الاعتبار هذا العنصر المتعلق بحقوق الإنسان.
كما أن فكرة ربط حقوق الإنسان بالأمن تعتبر مدخلا لتحقيق الحكامة الأمنية التي كانت من التوصيات الأساسية التي جاءت بها هيئة الإنصاف والمصالحة من بوابة ضرورة إشراك المواطنين فيما يتعلق بالعمليات الأمنية، الإخبار عن العمليات الأمنية والإجراءات التصحيحية في حالة وجود تجاوزات، مثلا خلال فض الاعتصامات والاحتجاجات، إلخ. وأعتقد أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، اليوم، يلعب دورا كبيرا في ترصيد هذا الواقع ودفع المؤسسة الأمنية نحو اعتماد وتجويد النصوص التنظيمية في علاقته.