التنوع الثقافي مسؤولية مشتركة تتقاسمها دول الانتماء من خلال المرافقة ودول الاستقبال عن طريق إفساح المجال للثقافات الوافدة حتى تستقر على أساس المواطنة
المغرب مدعو اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إثارة النقاش حول تدبير التنوع الثقافي الذي بات أمرا ضروريا خاصة مع تحوله إلى بلد استقرار يعرف توافد عدة جنسيات من إفريقيا، آسيا وأوروبا والعالم العربي. أي ضرورة البحث وإيجاد الحلول لتدبير هذا التنوع الثقافي في إطار المحافظة على تماسك المجتمع.
موضوع هذا النقاش فتحه المجلس الوطني لحقوق الإنسان في رواقه المفتوح والمنفتح على كل الآراء والذي تناوله بالتحليل كل من السيد عبد الله بوصوف، أمين عام مجلس الجالية المغربية في الخارج والسيد أبو القاسم لخطري، متخصص في علم الأنثربولوجيا، في لقاء سير أشغاله السيد أحمد سراج، عن مجلس الجالية المغربية في الخارج.
أي ترابط بين ظاهرة الهجرة والتنوع الثقافي؟ كيف يمكن تحقيق الاندماج في ظل ارتباط المهاجر بهويته الوطنية وابتعاده عنها في مجتمعات استقبال لها هويتها الخاصة؟ وما هي أفضل السبل التي من شأنها تحقيق الاندماج بين الثقافات؟ أسئلة كثيرة وحارقة بات يطرحها هذا الموضوع بالنظر لطبيعته المتشعبة وتنوع الفاعلين المتدخلين فيه وغياب مبادئ ثابتة وسياسات واضحة في العالم في ما يتعلق بتدبير هذا التنوع الثقافي، الذي غالبا ما يقع ضحية ما يمكن أن يصطلح عليه بالانتهازية السياسية التي تظهر التنوع كتهديد وضياع هوية المجتمعات المستقبلة وسلمها...
فالدول الأوروبية مثلا طورت من ترسانتها السياسية والفكرية في اتجاهين، بحيث نجد فريقا قد طور من الآلة المعرفية في اتجاه تخويف المجتمع من هذا الغزو أو التهديدات التي يشكلها التنوع الثقافي للمجتمع وهناك فريق آخر طور آلة معرفية يثمن من خلالها مساهمة التنوع الثقافي في إغناء المجتمع وفي المحافظة على تماسكه.
وفي هذا الإطار، يؤكد السيد بوصوف، أن مسألة التنوع الثقافي تطرح إشكالات عميقة، متشابكة ومتشعبة تبدأ من المستوى الاصطلاحي نفسه حيث نجد أن هناك فرقا كبيرا بين ما يعرف التنوع الثقافي والتعدد الثقافي.
في ماذا يتجلى هذا الفرق؟
التنوع الثقافي، يفصل السيد بوصوف، هو ظاهرة إنسانية وبشرية، لأننا أمام حركية كونية رهيبة يقوم بها أكثر من 250 مليون مهاجر، غالبا من الشمال الى الجنوب، فرارا من الحروب والظروف الاقتصادية المزرية والتحولات المناخية وغيرها وكذلك، وبشكل متزايد، من الجنوب إلى الجنوب (38%). وهي حركية من نوع خاص إذ لا تقتصر فقط على الأشخاص كأفراد ولكن كذوات متضمنة للغـات وثقافات وتقاليد وديانات وإثنيات، أي كل ما يرتبط بالوجدان الداخلي للإنسان وما يحمله من عناصر الانتماء للجذور.
أما بالنسبة للتعدد الثقافي، فهو تواجد مختلف الانتماءات الثقافية على أساس المساواة التي يضمنها القانون، دون تمييز أو تراتبية بين ثقافة متحكمة وثقافة خاضعة. بمعنى النجاح في تحقيق تجاور، تعايش وتساكن بين هذه المكونات الثقافية المتنوعة داخل مجتمع يتم تدبيره عن طريق سياسة عمومية ترمي إلى تدبير هذا التنوع، كنتيجة لنقاش سياسي توافق حوله المجتمع.
إن الهدف من التعددية الثقافية إذن هو الاعتراف بشرعية الثقافات الأخرى كمكونات وأجزاء تكمل بعضها في المجتمع الواحد، واعتبارها فرصة جديدة تضمن وتحقق الحريات والمساواة بين الثقافات المختلفة من خلال النجاح في الاندماج والتأقلم الذي يجب أن لا يزيغ ويتحول إلى انصهار في المجتمع المستقبل، وإنما ـن يستجيب لخصوصية السياقات الثقافية.
ذلك أن بلوغ التنوع الثقافي مسؤولية مشتركة تتقاسمها المجتمعات الأصلية من خلال المرافقة والدعم ومسؤولية دول الاستقبال التي تتجلى في إفساح المجال أو الفضاء للثقافات الوافدة حتى تستقر على أساس المواطنة.
وفي هذا الإطار، على المجتمعات المستقبلة أن تعمل على تطوير ترسانتها القانونية من أجل استيعاب هذه الثقافات الوافدة وأن لا تبقى على الهامش لأن بقاءها على الهامش يمكن أن يؤدي إلى انفجارات وخلق "غيتوهات" ثقافية تفتح الباب واسعا أمام التطرف.
جدير بالتذكير أن هذا اللقاء احتضته رواق المجلس يوم السبت 16 فبراير 2019، في إطار مشاركته في فعاليات الدورة 25 من المعرض الدولي للنشر والكتاب، والتي يكرسها لموضوع الهجرة تحت شعار "الهجرة، حقوق بلا حدود". نقاشات مهمة تنظم في هذا الإطار، يتفاعل خلالها الجمهور والزوار مع عدد مهم من الفاعلين المدنيين والمؤسساتيين والحكوميين والذين يجمعون دون منازع على ضرورة تكثيف الجهود من أجل الرقي والإعمال الفعلي والفعال لحقوق المهاجرين في المغرب.