"إن فعلية الحق في الماء والصرف الصحي بالنسبة لجيلنا وبالنسبة للأجيال القادمة، يكمن في تغيير تدبيرنا من أجل إيقاف الإجهاد المائي وترشيد استغلال هذا المورد الطبيعي الأساسي للاستقرار الاجتماعي ولضمان حق الجميع في مياه تكون كافية ومأمونة."
جاء ذلك في كلمة السيدة آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، خلال الحلقة الأولى من مشروع "أكورا حقوق الإنسان" الذي أطلقه المجلس لمناقشة قضايا مرتبطة بفعلية الحقوق والحريات، تمحورت أولها حول "الحق في الماء شرط أساسي للتمتع بحقوق الإنسان"، يوم الثلاثاء 27 شتنبر 2022 بمعهد الرباط -ادريس بنزكري- لحقوق الإنسان.
وفي حديثها عن العوامل المتحكمة في تدبير الموارد المائية، أوضحت السيدة بوعياش أنه لا يمكن في السياق الوطني الحالي، وبالنظر إلى ما تبينه الأرقام عن تطور استهلاك الموارد المائية، أن ننفي أن العوامل البشرية عمقت بدورها الإجهاد المائي، واستنفذت الجزء الأكبر من الموارد المائية، وخصوصا الجوفية منها.
واعتبرت السيدة بوعياش أن الماء ثروة وطنية سيادية، من واجب السلطات العمومية العمل على ضبط تدبيرها، وبشكل متساو، للاستهلاك الشخصي وتقييد الإجراءات ومراجعة التكلفة بالنسبة للاستعمال غير الشخصي. مبرزة أن المجلس يروم من تنظيم هذه الحلقة المساهمة في تحديد الإشكالات الأساسية المرتبطة بتدبير الموارد المائية، واقتراح حلول لمواجهتها من زاوية "الحق في الماء" في ارتباطه بحقوق أخرى في مقدمتها الحق في الحياة، وحق الأجيال القادمة من هذه الثروة الحيوية، عبر تقديم خلاصات وتوصيات بهذا الخصوص.
وبخصوص الإجراءات المتخذة لمواجهة هذا الوضع، أوضحت السيدة بوعياش أن المجلس يسجل، لحدود اليوم، ورغم إكراهات حالة الطوارئ المائية، أن تزويد المواطنين بالماء لا يزال مستمرا، رغم لجوء بعض المدن إلى اعتماد إجراءات لتخفيض الصبيب، وقطع التزود بالماء لساعات، كما هو الحال بالنسبة لمدينة آسفي خلال هذا الأسبوع، كما يسجل القرار الأخير بخصوص استثناء الدعم العمومي لبعض الزراعات.
وفي تناولها لموضوع نقص الماء في الفضاء القروي، أوضحت السيدة بوعياش أن ندرة المخزون المائي وتراجع الفرشة المائية أديا إلى موجات هجرة قروية، ساهم فيها التهميش وعدم توفر البنيات والمرافق الاجتماعية، لتستوعب الأعداد المتزايدة للملتحقين بالحواضر. مبرزة أن تعاقب سنوات الجفاف وقلة الماء سواء للاستعمال المنزلي أو للسقي بالنسبة للمزارعين الصغار الذين تعد الفلاحة مصدرهم الوحيد للدخل، تفرز انتهاك حقوق الفئات الهشة وحقوق رئيسية أخرى، وعلى رأسها الحق في السكن، والحق في الغداء وفي الصحة والتعليم.
وتركز النقاش خلال هذه الحلقة، التي سير أشغالها السيد منير بنصالح، الأمين العام للمجلس، وتميزت بمشاركة خبراء في مجال الماء والمناخ، وقطاعات حكومية والمجتمع المدني وأساتذة جامعيين، حول كيفية التعامل مع الجفاف كمعطى بنيوي في الاختيارات التنموية واعتبار الحق في الماء جوهر الأمن الغذائي والرهان على تجويد حكامة قطاع الماء كمدخل لتدبير الإجهاد المائي، إلخ. كما قارب المتدخلون الإشكالات الأساسية المرتبطة بتدبير الموارد المائية وقدموا توصيات ومقترحات حلول (قانونية، تقنية، بشرية، علمية، مجالية، ثقافية،...) كفيلة بمواجهتها من زاوية "الحق في الماء" في ارتباطه بحقوق أخرى، في مقدمتها الحق في الحياة، وحق الأجيال القادمة من هذه الثروة الحيوية.
وبعد تشخيصهم لوضعية الموارد المائية ببلادنا وتداعياتها على جميع المستويات، أجمع المتدخلون على ضرورة تعزيز الإجراءات الكفيلة بالحد من الإجهاد المائي عبر ملاءمة السياسة الوطنية للماء مع تداعيات التغيرات المناخية؛ ترشيد استهلاك الماء عبر تكييف الطلب مع الموارد المتاحة؛ تعزيز تحلية مياه البحر ومعالجة المياه العادمة؛ القيام بدراسات جدوى دقيقة للمشاريع البيئية والمائية (بناء السدود، المياه الموجهة للسقي والأنشطة الاقتصادية، التشجير، إلخ)؛ تقييم السياسات العمومية والقطاعية ذات الصلة؛ تعزيز الحكامة المائية للقطاع ومراجعة القوانين المرتبطة بالماء مع السهر على تنفيذها؛ إحداث محاكم الماء؛ إشراك مستعملي الماء في تدبير الموارد المائية؛ إلخ.