يسعى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، من خلال المذكرة التي قدمها يومه الثلاثاء 07 فبراير 2023 بمقره بالرباط، حول"الحق في الماء: مداخل لمواجهة الاجهاد المائي بالمغرب" إلى تعزيز المجهودات التي تمكن من إيقاف الاجهاد المائي واستغلال الموارد المائية ذات الأهمية للاستقرار الاجتماعي والحياة الكريمة لكل المواطنين، بحيث قدم في هذا الصدد ما مجموعه 52 توصية، تتوزع بين 23 توصية على مستوى الخيارات الاستراتيجية التي تطمح إلى تحقيقها و29 على مستوى الإجراءات الاستعجالية.
وتستند هذه المذكرة، كما أشارت إلى ذلك السيدة آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إلى رؤية تميز بين الخيارات الاستراتيجية التي يتطلب تنفيذها بناء تصورات ومخططات على المدى المتوسط والبعيد من جهة، ومجموعة من الإجراءات المستعجلة الموجهة لمحاصرة الإجهاد المائي وإيقاف استنزاف الموارد المائية لبلادنا، من جهة أخرى.
"الجفاف معطى بنيوي وليس ظرفي...يتعين تكييف السياسات العمومية معه باعتباره معطى ثابت"
على مستوى الخيارات الاستراتيجية، دعا المجلس إلى بناء تصور للحد من إشكالية الإجهاد المائي على المدى المتوسط والبعيد، بحيث يتم التعامل مع الجفاف كمعطى بنيوي وليس ظرفي طارئ، مع تكييف السياسات العمومية مع هذا المعطى الثابت حسب كل الخبراء المختصين في مجال المناخ.
كما دعا المجلس مختلف الفاعلين المؤسساتيين إلى إعطاء الأولوية للأمن الغذائي وحماية حق الأجيال القادمة في الثروة المائية الوطنية، من خلال اعتماد سياسات مائية مستدامة، وتطوير قطاع زراعي وصناعي أقل استهلاكا للماء وموجه لتلبية الطلب الداخلي وضمان الحق في الغداء للمواطن المغربي.
ويوصي المجلس من خلال هذه المذكرة بمراجعة السياسات الاقتصادية القائمة على إعطاء القطاع الفلاحي أهمية مركزية على حساب الأنشطة الصناعية والخدماتية الأقل استهلاكا للماء والعمل على دعم وتطوير القطاعات الفلاحية القادرة على التكيف مع السنوات الجافة وكذا القطاعات الاقتصادية الأقل استنزافا للموارد المائية.
وتولي المذكرة أهمية استراتيجية للاستثمار في البحث العلمي وتعزيز اهتمام الخبراء والباحثين بقضايا المناخ والماء بحيث يدعو المجلس إلى رفع قيمة التمويلات المخصصة للأبحاث في المجال مع إشراك القطاع الخاص في دعم جهود البحث العلمي. كما تنص مذكرة المجلس على أهمية مراجعة حكامة قطاع الماء، واعتماد رؤية مؤسساتية تسمح بإرساء نظام مؤسساتي موحد وقائم على المقاربة التشاركية ويعزز انخراط الساكنة والمجتمع المدني والخبراء ومؤسسات الحكامة.
كما يوصي المجلس بعقلنة وترشيد الاستهلاك المائي بصفة عامة، والاستهلاك المنزلي بصفة خاصة. ويعتبر هذا الهدف من بين الأهداف الاستراتيجية في مذكرة المجلس، التي تدعو إلى العمل على تحسيس المواطنين والرفع من وعيهم في التعامل مع الموارد المائية بناء على مبدأ الندرة لا مبدأ الوفرة.
أما على المستوى الإجرائي المستعجل، دعت المذكرة إلى اعتماد سياسة عمومية تهدف إلى إيجاد حلول آنية مستعجلة، وذلك عبر البحث عن بدائل لبعض الزراعات المستهلكة للماء بكثرة، ووضع لائحة للمنتجات الزراعية المستنزفة للماء لتقنين إنتاجها أو حظرها إذا اقتضت الضرورة. فضلا عن إدماج كلفة الماء في النموذج الاستثماري المعتمد، وتصحيح الاعتقاد السائد والذي مفاده أن الماء مورد طبيعي موجود بوفرة ولا كلفة له، ما أدى لتطور سريع للاستثمارات الفلاحية والصناعية.
وأوصى المجلس ضمن الإجراءات المستعجلة كذلك بتفعيل المسؤولية المجتمعية للمقاولات وبناء قاعدة بيانات محينة حول الموارد المائية وضمان الوصول إليها من طرف الباحثين والمجتمع المدني والرأي العام لمعرفة الحجم الحقيقي للموارد المائية وتطوره قصد تحسين طرق تدبيرها. فضلا عن ضرورة مكافحة تلوث المياه عبر تعميم الصرف الصحي ومعالجة المياه العادمة، وتعميم تزويد مختلف المدن وكذا العالم القروي بالتطهير السائل، والحد من الاستغلال المفرط للمخزون الاستراتيجي من المياه الجوفية، وإقرار منع صارم لعمليات الحفر واستغلال الآبار بطريقة غير قانونية وتحديد كلفة مالية لاستغلال المياه الجوفية حسب المناطق، وإعداد جرد دقيق لها، مع اعتماد توزيعها بشكل عادل بين الأجيال، وحمايتها من التلوث.