دعت السيدة آمنة بوعياش إلى "ضرورة تجاوز الرؤية التي تعتبر الصحة قطاعا اجتماعيا بالمعنى التقليدي، وتدبيره باعتباره قطاعا للاستثمار في الإنسان ورهانا مستقبليا".
وأكدت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في كلمتها الافتتاحية خلال هذه الندوة المخصصة لإطلاق مشروع "فعلية الحق في الصحة بالمغرب: نحو نظام صحي مؤسَّس على مقاربة مبنية على حقوق الإنسان"، المنظمة من طرف المجلس بشراكة مع مؤسسة كونراد-أديناور، أن "تطور منظومة حقوق الإنسان والتكريس الدستوري لها ببلادنا أفضيا إلى وجود ترسانة قانونية متقدمة، وقابلة للتطوير والتجويد، من جهة، مقابل استمرار وجود عدة عوائق وصعوبات تحول دون تطبيق هذه الترسانة القانونية وتحويلها إلى ضمانات لتمتع المواطنات والمواطنين بشكل فعلي بحقوقهم من جهة أخرى. ومن هذا المنظور فإن استراتيجية فعلية الحقوق ليست، في الواقع، سوى إحدى تجليات تحول منهجي ضروري في ممارسة المجلس لمهامه الدستورية. وهو تحول تمليه الحاجة الملحة إلى تجسير الهوة بين النصوص القانونية المُشرِّعة للحقوق، وبين التمتع الفعلي بها على أرض الواقع".
وشددت السيدة بوعياش على أن "الحق في الصحة لم يعد يكتسي أهميته انطلاقا مما يسمح به توفير أقصى المستويات الممكنة للصحة الجسدية والنفسية للأفراد وحسب، بل إنه أصبح يشكل محددا أساسيا للأمن الإنساني". مضيفة أن "انخراط المجلس في هذا الورش هو كذلك ترجمة لجهود المجلس، إلى جانب مختلف المؤسسات والفاعلين الآخرين، للمساهمة في رفع تحدي تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة السبعة عشر، ولاسيما الهدف الثالث المتعلق بضمان تمتع الجميع بأنماط عيش صحية وبالرفاهية في جميع الأعمار".
من جانبه أكد السيد خالد آيت الطالب، وزير الصحة، في كلمة ألقيت بالنيابة عنه، أن "التنزيل الفعلي للمقاربة الحقوقية في المنظومة الصحية ببلادنا يقتضي أن تحرص السلطات العمومية على ولوج المواطنات والمواطنين ليس للخدمات الصحية المتاحة فقط، ولكن أيضا عن طريق التحكم في المحددات الاجتماعية لها بما في ذلك العوامل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والسلوكية".
وأضاف أن من بين أهم التحديات المطروحة على قطاع الصحة ببلانا اليوم "تلك المتعلقة بضمان المساواة في الولوج إلى العلاج والخدمات الصحية لفائدة جميع الساكنة والإنصاف في التوزيع المجالي للموارد الصحية عبر مختلف التراب الوطني"، مؤكدا أن ورش التغطية الصحية الشاملة سيمكن بلادنا من التنزيل الفعلي للحق في الصحة من خلال ضمان الإنصاف في الولوج إلى الخدمات الصحية، وتوفير علاجات كافية وذات جودة ثم تعزيز الحماية المالية للأفراد والأسر من خلال خفض التكاليف التي يؤدونها عن علاجاتهم.
من جهتها شددت ممثلة منظمة الصحة العالمية، السيدة مريم بيكَديلي، على أن العدالة الصحية والحق في الصحة يرتبطان بشكل كبير بالتطور الذي تحققه التغطية الصحية الشاملة لبلوغ الهدف الأسمى والشامل لمنظمة الصحة العالمية، والمتمثل في ولوج كل الشعوب لأفضل الخدمات الصحية الممكنة بصفتها حقا أساسيا.
وأشارت السيدة مريم بيكَديلي إلى أهمية المبادرة الملكية الداعية إلى تعميم التغطية الصحية على كل الساكنة في أفق نهاية 2022، مسجلة أن هذا التعميم يمر عبر تعزيز المنظومة الصحية، وتوفير خدمات طبية بتكلفة معقولة، وضمان الولوج للأدوية والتكنولوجيا الطبية وكذا توفير الكفاءات الطبية الكافية.
من جهته أكد مدير مؤسسة كونراد-أديناور، السيد ستيفن كروغر، أن دعم مؤسسته لجهود المجلس الوطني لحقوق الإنسان للمساهمة في الجهود الوطنية الرامية إلى تحسين جودة الخدمات الصحية بالمغرب، فرضته ظروف جائحة كوفيد-19 التي أبانت عن النواقص التي يعرفها تدبير المنظومة الصحية بالمغرب. مضيفا أن نجاح هذا المشروع/المبادرة وبلوغه الأهداف المرسومة له، رهين بانخراط وزارة الصحة ومختلف الأطراف المعنية في هذا المشروع.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الندوة قد عرفت مشاركة الهيئات المهنية وشبكة الجمعيات العاملة في مجال الصحة بمختلف تخصصاتها بالإضافة إلى ممثلي الهيئات النقابية، الذين انكبوا خلال جلستين على "استكشاف سبل الإصلاح وتجويد فعلية الحق في الصحة"، واختتموا اللقاء بعرض ملخص الأشغال وتقديم برنامج النقاش الجهوي. ومن المنتظر أن يتوج هذا النقاش الجماعي بتقرير ختامي، سيكون بمثابة خارطة طريق لإجراء إصلاح شامل للنظام الصحي في مغرب ما بعد كوفيد-19.