أكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان من خلال تقريره حول "فعلية الحق في الصحة بالمغرب.. التحديات والرهانات ومداخل التعزيز" أن التغطية الصحية الشاملة تتطلب توفير بنيات تمويل ملائمة وتوفر الموارد البشرية المؤهلة والأدوية والبنيات والتجهيزات القريبة والملائمة لكل الأفراد والمجموعات، في حين تشكل الرعاية الصحية الأولية الجيدة العمود الفقري للتغطية الصحية الشاملة، والوسيلة الأنجع لتحسين جودة الرعاية الصحية بتكلفة مناسبة.
ومن هذا المنطلق، رصد تقرير المجلس ثلاث اختلالات كبرى تعاني منها أنظمة التغطية الصحية بالمغرب والتي تتمثل في تحدي التوازنات المالية، تحدي النجاعة وغياب نظام الثالث المؤدي في العلاجات الخارجية.
أ - تحدي التوازنات المالية:
سجل المجلس أن أنظمة التغطية الصحية بالمغرب تعاني من مجموعة من الاختلالات المرتبطة بالتوازنات المالية، فبينما يتوفر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على فائض مالي، يعاني الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي من العجز منذ عدة سنوات.
وفي هذا الصدد، سجل المجلس أن حصة النفقات في القطاع الخاص بلغت 54 ٪ من مجموع المساهمات والاشتراكات سنة 2018 فيما بلغت ٪95.2 في القطاع العام خلال نفس السنة . كما سجل ارتفاع نسبة معدلات المساهمات في القطاع الخاص مقارنة بالقطاع العام، حيث بلغت ٪6.37 في القطاع الخاص و5٪ في القطاع العام. فيما بلغت نسبة مساهمة المتقاعدين ٪2.5 في القطاع العام و٪4.52 في القطاع الخاص. كما سجل المجلس تحديد الحد الأقصى للمساهمات والاشتراكات في القطاع العام في 400 درهم للمتقاعدين و 800 درهم للمؤمنين الناشطين.
وبخصوص التعويضات، سجل التقرير ارتفاع نسب التعويضات في القطاع العام مقارنة بالقطاع الخاص، وهو ما يشجع على استعمال خدمات الرعاية الصحية. حيث بلغ، سنة 2018، المتوسط العام للتعويضات التي يستفيد منها المستفيد في القطاع العام 1585 درهما سنويا، مقابل577 درهما كمتوسط في القطاع الخاص. وحدد التقرير أسباب هذا التباين في ارتفاع متوسط مستوى الدخل بالنسبة للقطاع العام والاستفادة من التغطية التكميلية.
ومن جانب آخر، سجل المجلس ضعف ولوج الدواء الجنيس للسوق الوطنية (يبقى في حدود%40)؛ انعدام أو قلة البروتوكولات والمراجع العلاجية للعديد من الأمراض للتأمين الإجباري عن المرض؛ وعدم مراجعة التعريفة الوطنية المرجعية منذ سنة 2006، خلافا للتشريع الذي ينص على هذه المراجعة كل ثلاث سنوات، مما يسيء للعلاقة بين الأطباء والمؤمنين ويثقل كاهل هؤلاء بنفقات خارج التعويض.
ب - تحدي النجاعة:
يرى المجلس أن تحمل الأسر المغربية لمصاريف العلاج يشكل عائقا حقيقيا أمام المواطنين للولوج إلى العلاج، وهو ما يساهم في انزلاق نسبة مهمة من الساكنة سنويا نحو الفقر والهشاشة. حيث أنها تتحمل أكثر من % 50 من المصاريف الصحية بشكل مباشر، وأكثر من % 63 إذا احتسبنا مساهمة الأسر في التغطية الصحية. وضع تضطر معه الأسر إلى استعمال مدخراتها أو بيع ممتلكاتها أو الاقتراض لمواجهة تكاليف العلاج. كما أن ضعف نجاعة التغطية الصحية يدفع فئات عريضة من المستفيدين من التأمين الإجباري عن المرض إلى تلافي التطبيب والتنازل عن حقهم في العلاج.
ج - غياب نظام الثالث المؤدي في العلاجات الخارجية:
يسجل المجلس أن نظام الثالث المؤدي (Tiers payant) المعمول به في العلاجات الاستشفائية يساعد على إقبال المؤمنين على هذا النوع من العلاجات، بفضل عدم اضطراراهم لتأدية مجموع المصاريف وانتظار استرجاعها بعد أسابيع أو أشهر كما هو الحال بالنسبة للعلاجات الخارجية. وفي غياب هذا النظام فإن المؤمنين يضطرون إلى دفع 39.9 ٪ من المصاريف الصحية في القطاع الخاص و% 31،3 في القطاع العام من ميزانيتهم الخاصة رغم كونهم مؤمنين.
وأشار التقرير إلى أن ظاهرة تلافي العلاجات بسبب ضعف الأجور (وبالأخص في القطاع الخاص حيث 59% من الأجراء المؤمنين يتقاضون أقل من 2800 درهم شهريا)، يجعل المؤمنين من ذوي الدخل المحدود بالقطاع الخاص أساسا، يساهمون في تمويل صناديق التأمين من أموالهم، دون التمكن من الاستفادة من العلاجات المخصصة لهم، ويتحولون إلى ممولين لعلاجات المنخرطين ذوي المداخيل المرتفعة الذين يستطيعون الولوج إلى العلاج وتحمل النفقات.
كما اعتبر المجلس أن التفاوت الكبير بين القطاعين العام والخاص على مستوى الاستفادة من التعويضات عقبة في الوصول إلى العلاج، وهو ما يؤدي إلى تخلي عدد من المؤمنين من ذوي الدخل الضعيف والمتوسط عن العلاجات إلا في حالات الضرورة، والاقتصار على العلاجات الاستشفائية التي تعمل بنظام الثالث المؤدي، مع إهمال الوقاية والتشخيص المبكر والرعاية الأولية، مما يساهم في تعقد الحالات المرضية وظهور المضاعفات التي تتطلب لاحقا الكثير من العلاجات والمصاريف.
د- توصيات المجلس من أجل تعزيز نظام التغطية الصحية
بناء على الاختلالات التي تم رصدها بأنظمة التغطية الصحية، يدعو المجلس إلى ضرورة استغلال مناسبة تنزيل ورش الحماية الاجتماعية الشاملة لمعالجة مشكل تشتت صناديق التأمين عن المرض والعمل على تجميعها، وتوحيد نسب المساهمات الأساسية بين المؤمنين لتمكين المواطنات والمواطنين من الولوج إلى العلاج وفق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، وتعزيز إمكانية النهوضبالرعاية الأولية.
كما يوصي المجلس بتقليص نسبة المصاريف التي تبقى على كاهل المؤمنين واعتماد نظام الثالث المؤدي بالنسبة للاستشارات والعلاجات الخارجية، واستعجاله بالنسبة للمؤمنين من ذوي الدخل المحدود كمرحلة أولية، داعيا إلى تشجيع استعمال الأدوية الجنيسة وتحسين جاذبية المستشفى العمومي لخلق تنافسية لصالح المريض؛ تطوير ونشر البروتوكولات العلاجية واعتماد المسار المنسق للعلاج، فضلا عن تعزيز برامج الوقاية والتشخيص المبكر والعلاجات الأولية.