شكل مطلب "تعزيز السيادة الصحية" أحد ركائز التقرير الموضوعاتي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان حول "فعلية الحق في الصحة بالمغرب.. التحديات والرهانات ومداخل التعزيز"، حيث سجل إجماع المتدخلين في المنظومة الصحية ببلادنا على أهمية تحويل التهديدات التي فرضتها جائحة (كوفيد-19) إلى فرص لتعزيز مناعة المجتمع المغربي في مواجهة الأزمات المحتملة في المستقبل، وكذا توسيع هامش الاعتماد على الذات بما يضمن تعزيز السيادة الوطنية في مجال الصحة.
وفي هذا السياق، ذكر تقرير المجلس بالتوصيات التي ضمنها في المذكرة التي وجهها للجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد، وأعاد التأكيد على الأهمية القصوى والحيوية للتكوين والبحث العلمي كرافعة لتعزيز السيادة الوطنية في مجال الصحة، مشددا على ضرورة العمل على إحداث تحول نوعي على بعض المسارات التي تؤدي بشكل مباشر إلى تحقيق "السيادة الصحية".
تعزيز تكوين الأطباء والأطر الصحية
إذا كان تقرير لجنة النموذج التنموي قد أشار إلى ضرورة تكوين 3600 طبيب كمعدل سنوي لبلوغ معدل 4،5 مهني صحي لكل ألف نسمة في أفق سنة 2035، وهو ما يتماشى مع معايير منظمة الصحة العالمية، فإن المجلس يدعو، من أجل بلوغ هذا الهدف، إلى: فتح المزيد من كليات الطب والمراكز الاستشفائية الجامعية ومدارس ومعاهد تكوين المهنيين الصحيين وتكوين المزيد من الأساتذة والمكونين والعمل على مراجعة نظم الدراسات الطبية والصحية، فضلا عن مواجهة أسباب هجرة الأطر الطبية من خلال تحسين ظروف وبيئة العمل في القطاعين العام والخاص، وتشجيع عودة الكفاءات المقيمة بالخارج؛ إلخ.
كما دعا المجلس في تقريره إلى الاهتمام بطب القرب، حيث يرى أنه لضمان تكوين جيد للأطباء والمهنيين الصحيين يجب تكوينهم داخل المؤسسات الصحية القريبة من المواطنين، لتمكينهم من اكتشاف الأعراض والأمراض والمشاكل الصحية الأكثر انتشارا وليس الاكتفاء بتكوينهم داخل المستشفيات الجامعية فقط، إلخ.
تشجيع البحث العلمي والنهوض به
أوصى المجلس بضرورة تشجيع البحث العلمي والرفع من مصادر تمويله والاستثمار فيه وخلق بيئة ملائمة لتطويره على المستوى الوطني والجهوي، وكذا تعزيز شبكة التحفيزات الموجهة للباحثين في المجال العلمي، لتمكينهم من الانخراط الواسع في التطوير والابتكار الذي من شأنه تعزيز المنظومة الصحية وإنتاج فائض القيمة وتعزيز الصناعة الدوائية لتستجيب للحاجيات المتجددة وفق متطلبات الخرائط الجهوية للصحة.
ونظرا للحاجة الملحة لإعادة النظر في علاقة الإنسان مع البيئة كشرط ضروري لمواجهة الأزمات المحتملة في المستقبل، يؤكد المجلس على أهمية اعتماد سياسة عمومية في مجال البحث العلمي قادرة على رفع التحديات التالية: التهيؤ للأزمات الصحية من خلال بناء استراتيجيات وبرامج صحية استباقية وملائمة لمواجهة الطوارئ الصحية؛ تعزيز اليقظة والرصد الوبائيين بإنشاء مراكز للرصد الوبائي وتتبع الجراثيم والفيروسات وتطورها وتحورها وتفشيها لاستباق تحولها إلى أوبئة وجائحات؛ وتمكين النظم الصحية من وسائل ومراكز الإنذار المبكر لتحفيز النظم الصحية. ومن جهة أخرى، دعا المجلس إلى تطوير الطب الدقيق والبنوك الحيوية وتكييف المؤسسات الصحية لتكون آمنة وملائمة في كل الظروف وخصوصا خلال الأزمات مع توظيف التكنولوجيات الحديثة في المجال الصحي من أجل تتبع المرضى والأمراض، لإدارة أفضل للأزمات الصحية، إلخ.
الاستثمار في الصحة والتقنيات الجديدة
نظرا لكون قطاع الصحة يعد من القطاعات الواعدة للاستثمار على المستوى العالمي، سجل المجلس الوطني لحقوق الإنسان حجم العجز الكبير الذي يتعين سدّه، خاصة مع مشروع تعميم التغطية الصحية الذي سيولد المزيد من الطلب على الخدمات الصحية، إضافة إلى التأثير المتوقع لعوامل أخرى كالنمو الديموغرافي، وشيخوخة السكان، وزيادة الطلب المتزايد على الرفاه. كل هذه العوامل تستدعي فتح المجال أمام الاستثمار في هذا القطاع من أجل تطويره والاستفادة من قيمته المضافة.
وفي نفس السياق، دعا المجلس إلى تشجيع توطين واستعمال التقنيات الجديدة مثل الطب عن بعد، الصحة الإلكترونية والروبوتات كوسيلة لتحسين جودة الخدمات وخفض التكاليف وضمان جودة الحياة، مؤكدا على أهمية الانخراط المبكر والقوي في التكنولوجيات الجديدة الذي من شأنه أن يدعم الجهود الرامية إلى ضمان تكافؤ الفرص ويساعد على تقليص التفاوتات بكل أشكالها وتمظهراها.