تُعرِّف منظمة الصحة العالمية مفهوم الصحة بكونه "حالة من اكتمال السلامة البدنية والعقلية والاجتماعية"، حيث تشكل الصحة العقلية والنفسية جزء لا يتجزأ من الصحة بمفهومها الواسع باعتبارها حقا مؤسِّسا لإمكانية التمتع بباقي الحقوق الكونية.
وفي معرض تشخيصه لحالة الصحة العقلية والنفسية ببلادنا، وقف تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول "فعلية الحق في الصحة بالمغرب.. التحديات والرهانات ومداخل التعزيز" على أن الصحة العقلية أصبحت تشكل أحد أبرز مشاكل الصحة العامة، فهي لا تحظى بالاهتمام اللازم في السياسات العمومية، باعتبارها مكونا أساسيا لراحة ورفاهية المواطنين، بالإضافة إلى تقادم القانون المنظم للصحة النفسية والعقلية والقوانين المرتبطة به وضعف جودة التكفل بالمرضى وغياب العلاجات المتخصصة الموجهة لفئات الأطفال والمراهقين والمسنين.
كما أكد المجلس من خلال تقريره أن مستشفيات الأمراض العقلية والنفسية بالمغرب تعرف نقصا حادا من حيث بنيات الاستقبال من مراكز صحية وقائية أو أجنحة خاصة بالمستشفيات العمومية، كما أن التجهيزات المتوفرة متقادمة أو معطلة أو غير ملائمة. ومن جهة أخرى فإن عدد الأسرة لا يتجاوز 1725 سريرا في 27 مؤسسة صحية لعلاج الأمراض العقلية، علاوة على النقص الحاد في الموارد البشرية المتخصصة والتي لا تتجاوز حاليا 172 طبيبا نفسيا و740 ممرضا اختصاصيا في الطب النفسي بالقطاع العام مقابل 131 طبيبا في القطاع الخاص، وهو عدد بعيد عن الاستجابة للمعايير العالمية في هذا المجال. وفضلا عن ذلك، يسجل المجلس أن 54 في المائة من هؤلاء الأطباء والممرضين يتمركزون في محور الدار البيضاء والرباط وطنجة.
وفي نفس السياق، سجل المجلس سيادة تمثلات لدى فئات واسعة من المجتمع المغربي تصنف المرض العقلي في خانة الطابوهات، حيث يتم اللجوء في حالات كثيرة إلى أساليب الشعوذة والدجل لمعالجة بعض المرضى، في الوقت الذي يضطر فيه البعض الآخر إلى العيش في وضعية تشرد، مما يجعلهم مصدر تهديد لسلامة وأمن الأشخاص والممتلكات.
مداخل وتوصيات للنهوض بالصحة العقلية والنفسية بالمغرب
وبناء على هذا التشخيص المستنتَج من مخرجات اللقاءات الجهوية التي نظمها المجلس وكذا الاستشارات التي قام بها لدى خبراء ومختصين في مجال الصحة النفسية والعقلية، وانطلاقا من التراكم الموجود في مجال تشخيص أوضاع الصحة النفسية والعقلية في المجتمع المغربي، وفي أفق بناء نظام صحي قائم على المقاربة الوقائية، أوصى المجلس في تقريره بضرورة: الاهتمام بالصحة النفسية بمعناها الواسع؛ الاهتمام بمحددات الصحة النفسية من خلال الاشتغال على مختلف أشكال تفاعل الأفراد مع المحيط الذي يعيشون فيه، اعتمادا على مقاربة علم الأوبئة الاجتماعي؛ النهوض بالبحث العلمي في مختلف المجالات التي تتحكم بشكل كبير في الصحة النفسية للإنسان؛ جعل مطلب النهوض بالصحة العقلية والنفسية عنصرا مركزيا ضمن مشروع إعادة هيكلة البنيات الاستشفائية على المستوى الوطني والجهوي؛ الاهتمام بأبعاد الصحة النفسية المرتبطة بتحولات ظروف العمل ونمط العيش، وبمظاهر الإقصاء الاجتماعي، وبتداعيات التمييز ضد النساء وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان على الصحة النفسية للمواطنين والمواطنات، إلخ.
ويخلص التقرير إلى أن النهوض بالصحة النفسية والعقلية ببلادنا يبقى رهينا بمراجعة السياسات العمومية الموجهة لبناء وهندسة السياسة الترابية بالمدن والبوادي وتوفير الخدمات العلاجية بما يضمن الكرامة الإنسانية للمرضى وحقوقهم الأساسية من خلال: توفير بنيات استقبال في المستوى المطلوب؛ سد الخصاص المريع في الموارد البشرية؛ تبني سياسة علاجية متعددة الأبعاد؛ إعادة النظر في أثمنة بعض الأدوية وإقرار المجانية الكاملة للمرضى؛ ضمان المساواة في العلاج ما بين جميع المواطنين والمواطنات؛ إلخ.