أكد السيد محمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن تكليف مؤسسة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان بمتابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة عوضا عن مؤسسة حكومية يعتبر فريدا بين تجارب العدالة الانتقالية، مضيفا بأن تسوية ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب تم في ظل نفس النسق السياسي والدستوري، وفي سياق وطني خاص عرف نقاشا تعدديا مفتوحا، من خلال مباشرة سلسلة من الإصلاحات منذ تسعينيات القرن المنصرم ومراجعة عدد من التشريعات المتعلقة بحقوق الإنسان وإحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وبالتالي كانت أول تجربة للعدالة الانتقالية يكتب لها النجاح في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
جاءت مداخلة الأمين العام للمجلس في إطار أشغال ندوة دولية حول تجارب المصالحة الوطنية عقدت يومي 17 و18 يناير، بتنظيم من مجلس المستشارين والمجلس الوطني لحقوق الإنسان ورابطة الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في إفريقيا والعالم العربي.
وفي هذا السياق، لم يفت السيد الصبار التذكير بأن تحريات وأبحاث هيئة الإنصاف والمصالحة، التي طالت أصنافا متعددة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان من قبيل التعذيب والاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، جعلها من بين التجارب القليلة التي اشتغلت على فترة زمنية طويلة (43 سنة).
وفيما يتعلق بالتعويضات التي تم منحها في إطار العدالة الانتقالية فتعد الأعلى في العالم إذ بلغ حجمها أكثر من 246 مليون دولار أمريكي من ميزانية الدولة كما خصصت أكثر من 16 مليون دولار لبرنامج جبر الضرر الجماعي، وقد أدمجت خلالها مقاربة النوع الاجتماعي، والتمييز الإيجابي لصالح النساء، عبر مراعاة الأوضاع الخاصة للنساء اللواتي تعرضن لانتهاكات جسيمة في إطار جبر الضرر الفردي.
وفي نفس السياق، أشار السيد محمد الصبار إلى أن توصيات هيئة الانصاف والمصالحة تم الاسترشاد بها من أجل إعداد دستور سنة 2011، والذي يعتبر بمثابة ميثاق للحقوق والحريات، ضم العشرات من المواد المرتبطة مباشرة بحقوق الإنسان وجرم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان.
وفي ختام مداخلته، استعرض الأمين العام بعض المعطيات المهمة في ما يتعلق بتجارب المصالحة عبر العالم، إذ بلغ عدد التجارب المدروسة 29 تجربة في العالم، نشر منها 19 تقريرا نهائيا ويوجد اثنان تحت النشر، في حين عرفت 26 بلدا ملاحقات قضائية للمتورطين، واعتمدت 7 بلدان فقط من بين 29 تدابير لإعادة الادماج الاجتماعي، أما فياا يتعلق بالتعويض المالي فقد تم ذلك في 22 دولة، في حين استفاد الضحايا في 10 دول من التغطية الصحية، واتخذت 19 بلدا لحفظ الذاكرة، واتخذت جميع البلدان المدروسة باستثناء مالي ضمانات لعدم التكرار.
وفيما يتعلق بمحور "دور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في تعزيز المصالحة وضمانات عدم تكرار الانتهاكات"، أكد السيد مصطفى الناوي، مدير الدراسات بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن اضطلاع هذه المؤسسات بهذه الأدوار رهين بما يخوله لها القانون المنظم لها من صلاحيات واختصاصات، وبالتعددية التي تطبع تشكيلتها واستقلالية المبادرة، ومصداقية لدى السلطات والمجتمع المدني، ومن أهلية لاحتضان مختلف الفاعلين والتفاعل مع شتى المتدخلين.
واعتبر مدير الدراسات أنه من الطبيعي أن تكون المؤسسة في قلب مسار المصالحة، إن على مستوى إنضاج الشروط ووضع اللبنات الأولى للجنة الحقيقة، أو على مستوى احتضانها وتأطيرها، أو على مستوى تتبع تنفيذ توصياتها. كما أنها في قلب هذه المصالحة، من حيث كونها تقع في مفصل السلطات العمومية والمجتمع المدني، وفي تمفصل الكوني والوطني؛ ولأنها تشجع الدولة على الانخراط المتزايد في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان وملاءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية.