"عظمة الإنسان الحقيقية هي أنه لا ينسى، بينما كل الكائنات تنصرف لحياة أخرى بعد حادث مأساوي إلا الإنسان فهو يقاوم بالتذكر..."
شكل موضوع "الذاكرات الجماعية وذاكرة التاريخ... قراءات متقاطعة" محور نقاش احتضنه، يوم السبت 11 يونيو 2022، رواق المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمعرض الدولي للنشر والكتاب تحت شعار "تعابير الحق".
وفي التقديم التأطيري للندوة التي قاربت العلاقة بين الأدب والذاكرة من خلال نموذجين: رواية "ثورة الأيام الأربعة" لعبد الكريم الجويطي وكتاب "أصداء الذاكرة على جبال الريف" لفتيحة السعيدي، تساءل السيد الطيب بياض، المؤرخ وعضو وحدة حفظ الذاكرة والنهوض بالتاريخ المغربي بمختلف روافده التي أنشأها المجلس، عن قدرة الأديب الانفتاح على التاريخ وعلى الذاكرة ليقدم لنا نصا إبداعيا يمتح من التاريخ والذاكرة دون أن يزعم بأنه يكتب تاريخا أو ذاكرة.
وبالنسبة للذاكرة، يرى السيد بياض بأنها لا تخلو من صعوبات كالانتقائية وتضخم الأنا عند الحاكي، متسائلا عن قدرة المؤرخ على تجاوز كل هذه الصعوبات وغيرها ليعطينا منتوجا تتوفر فيه شروط الموضوعية والمنهجية العلمية. وإذا كانت الرواية الأدبية تتغذى دائما من التاريخ، تساءل السيد بياض عن مدى نجاح الكاتب الجويطي في روايته، التي يتقاطع موضوعها مع كتاب "بوح الذاكرة وإشهاد الوثيقة... أحداث 3 مارس 1973" للسيد مبارك بودرقة، في توصيف هذه الأحداث في قالب روائي، مؤكدا أن طرحها للنقاش في هذا اللقاء يندرج في إطار رؤية المجلس الوطني لحقوق الإنسان للمصالحة مع الذاكرة والمصالحة مع التاريخ والمصالحة مع الذات.
من جهته أكد الكاتب والناقد الأدبي، عبد الجليل الشافعي، في تفاعله مع رواية الجويطي وعلاقة الأدب بالتاريخ، أن النص التاريخي يختلف عن النص الإبداعي ويتفق معه، لأن النص التاريخي يهدف إلى نقل الحقائق بشكل موضوعي قدر الإمكان مع ترك مسافة منهجية بين المؤرخ وبين الموضوع والوقائع، بينما النص الأدبي لا يمكن إلا أن يقحم الذات الكاتبة.
وفي هذا الإطار، يقول الشافعي، تأتي رواية عبد الكريم جويطي "ثورة الأيام الأربعة" لتحدثنا عن حقبة مهمة في التاريخ المغربي الحديث وتنطلق من بؤرة سياسية سيكون لها تأثير على مغرب ما بعد أحداث مولاي بوعزة 3 مارس 1973، لكنه لم يبق حبيس هذا الحدث، لأن جويطي غلفه بغلاف التخييل الذي يميز كتابة الرواية وأثثه بنوع من الكوميديا السوداء، فأبدع شخصية زيان، وهي الشخصية الرئيسية في الرواية. وأكد الشافعي أن النص الأدبي التخييلي يمكن اعتباره وثيقة تاريخية مستدلا بكون الأدب العربي هو الذي عرفنا بتاريخ العرب ما قبل الإسلام وكيف كانت حياتهم، رغم أنهم لم يكتبوا تاريخا.
وشدد الشافعي على أهمية السرد لأنه يساهم في تحقيق التراكم المعرفي من خلال تناقل الحكايات، معتبرا أن الإنسان يتميز بخاصية السرد عن باقي الكائنات. وختم الشافعي قراءته بالاستدلال بفقرة من رواية جويطي بالصفحة 380، أي في آخر الرواية، يقول فيها بأن "عظمة الإنسان الحقيقية هي أنه لا ينسى، بينما كل الكائنات تنصرف لحياة أخرى بعد حادث مأساوي إلا الإنسان فهو يقاوم بالتذكر والدموع والحزن والانتظار والحنين وحتى بالجنون، لهذا لم يكن في حياة البشرية الطويلة أهم وأقوى وأبقى من التاريخ".
وعن كتاب "أصداء الذاكرة على قمم الريف"، قالت مؤلفته فتيحة السعيدي في شهادة مصورة بأنها تهدف من هذا المؤلف التعريف بتاريخ الريف وتاريخ المغرب والمساهمة في التعريف بهوية نساء الريف. وارتأت ضرورة اللقاء بنساء غير معروفات بمنطقة الريف المغربي ليحكين عن حياتهن، زواجهن، عن معاناتهن خلال سنوات الخمسينات والستينات، حيث اكتشفت من خلال لقاء تسع نساء بأن نساء الريف مبدعات وصامدات وفاعلات داخل عائلتهن.