خلال منتدى إقليمي حول الحق في الإنتصاف وإعادة تأهيل ضحايا التعذيب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ببيروت، أكدت السيدة آمنة بوعياش، رئيسة التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ورئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب، أن تأهيل ضحايا التعذيب، وضحايا كل الانتهاكات الجسيمة، ومسارات العدالة الانتقالية، أولوية قصوى في السياقات التي تعيشها المنطقة، "لا يمكن فصلهما عن أي مسعى حقيقي نحو الاستقرار والعدالة والسلم"، في منطقة تعيش توترات ونزاعات وحروب…
وأوضحت السيدة بوعياش، خلال المنتدى الذي نظمه مركز "ريستارت" بشراكة مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان بعاصمة لبنان، يومي 10 و11 يوليوز 2025، أن العدالة الانتقالية لا تختزل في مساطر قانونية أو آليات تقنية، بل هي أيضا "مسارات سياسية وأخلاقية وإنسانية عميقة، تمكن المجتمعات من مواجهة ماضيها المؤلم وبناء نسيج اجتماعي جديد، قائم على الحقيقة، والمساءلة، والإنصاف". رئيسة التحالف العالمي لمؤسسات حقوق الإنسان الوطنية أشارت أن المنطقة "عاشت ماض مثقل بالعنف والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان" تحتاج معالجتها جرأة وإرادة صريحة.
وشددت السيدة بوعياش على أن العدالة الانتقالية يجب أن تتمحور حول الضحايا، معتبرة أن "معاناتهم واحتياجاتهم ومشاركتهم في تحقيق الإنصاف، هو ما يعطي لهذه المسارات معناها الحقيقي"، مضيفة أن تأهيل الضحايا ليس فقط واجبا قانونيا أو سياسيا، بل هو التزام أخلاقي وإنساني عميق.
وفي سياق متصل، قالت السيدة بوعياش: "صفر تعذيب... قطع مع الماضي، وسبيل لتعزيز تأهيل ضحايا الماضي لكي لا يلحق غيرهم ما لحقهم. هدف ووعد، تضيف المسؤولة الحقوقية، يجب أن يظل بوصلة الدول وباقي الفاعلين، كما هو الشأن بالنسبة للمدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان.
كما شددت على أهمية التفكير الجماعي في سبل الإنصاف وجبر الضرر "عبر الانخراط والتعبئة من أجل حوار جماعي إقليمي مسؤول حول آليات الإنصاف وجبر الضرر، في إطار عدالة انتقالية من قلب خصوصية التحولات العميقة التي تعرفها المنطقة، والتي تتطلب معالجات شجاعة، مستقلة وشفافة، تقطع مع العنف وتؤسس لسلم وسلام إقليمي عادل ومستدام".
بصفتها رئيسة لتحالف يضم 118 مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان عبر العالم، وشبكات إقليمية، فضلا عن ترافعاته الوطنية والدولية، ولكن أيضا بصفتها رئيسة لمؤسسة وطنية لعبت دورا محوريا في أول تجربة العدالة الانتقالية في المنطقة وواحدة من التجارب الرائدة عبر العالم، جددت السيدة بوعياش التأكيد على ضرورة الاستثمار في هذا المسار باعتباره فرصة لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، مؤكدة أن "العدالة الانتقالية تمثل فرصة نادرة لإعادة تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع".
وفيما يرتبط بالتعذيب، ذكرت السيدة بوعياش أن عدم الخضوع للتعذيب قاعدة آمرة لا تقبل أي استثناء أو تقييد تحت أي ظرف أو ذريعة كانت، في القانون الدولي لحقوق الإنسان. لكن ترجمة هذا المبدأ إلى واقع ملموس، تضيف، "تتطلب منظومة تشريعية متماسكة، ومؤسسات رقابة مستقلة، وإجراءات وقائية شاملة، تضمن ترسيخ ثقافة الحقوق والحريات".
واعتبرت أن هذا النقاش "لا يتعلق فقط بتطبيق معايير حقوق الإنسان، بل هو في جوهره نقاش فلسفي وحقوقي عميق حول الكرامة الإنسانية، وضمانات بناء مجتمع يصون حقوق جميع أفراده"، معبرة عن أسفها لكون هذا التوجه لا يحظى بعد بالاهتمام اللازم في السياسات العامة والبرامج الإصلاحية لعدد من الدول.
وختمت السيدة بوعياش كلمتها بالدعوة إلى التزام جماعي صادق بالمنطقة يعيد الكرامة للضحايا، ويصمم نماذج عدالة تتمحور حولهم، وتساهم في فتح آفاق جديدة لتحولات سلمية ومصالحة مجتمعية مستدامة
