أكدت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان السيدة آمنة بوعياش أن إحداث ماستر "أمريكا اللاتينية، التثاقف، العولمة وتحديات القرن الواحد والعشرين"بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، يعكس الوعي الكبير في بلادنا بضرورة فهم ثقافات دول أخرى، حتى تتكون لدى المغاربة المعرفة المميزة والمتميزة للأفراد والمجموعات والمؤسسات بهذه الدول، خاصة وأننا نقتسم مع دول أمريكا اللاتينية اللغة بشكل كبير.
وشكلت علاقات التعاون والتنسيق بين المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمؤسسات الحقوقية بمختلف دول أمريكا اللاتينية في مجال حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية محور المحاضرة التي ألقتها السيدة بوعياش أمام طلبة هذا الماستر يوم الأربعاء 16 يناير 2020،حيث استعرضت عددا من الإشكاليات ذات الاهتمام المشترك، من بينها:
- جعل حقوق الإنسان محور تنظيم وضبط العلاقات بين الدولة والفرد، وذلك بإعطاء مضمون فعلي لسيادة القانون؛
- إنشاء نظام قانوني مبني على أولوية حقوق الإنسان بما يتلاءم والمعايير الدولية؛
- إعمال مقاربة فعلية الحقوق بما يضمن استفادة الفئات الأكثر هشاشة من الثروات، وتجاوز المقاربة القانونية البحتة وتوسيعها إلى جوانب غير قانونية، تنعكس بالضرورة على تحسين مستوى معيشة الفرد.
ومن ضمن هذه الإشكاليات الكبرى التي تطرح تحديات على مجتمعاتنا وطرق تدبيرها السياسي والحقوقي، تضيف السيدة بوعياش، اشتغال المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمؤسسات الموازية بدول أمريكا اللاتينية ضمن التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان على ثلاثة مجالات رئيسية:
- الهجرة: حيث هناك خصائص مشتركة تتعلق، أساسا، بتنوع جنسيات المهاجرين (وجود 110 جنسية مختلفة بالمغرب) وتدبير الهجرة داخل دول أمريكا اللاتينية (70% من الهجرات)، وفي إفريقيا بالنسبة للمغرب (79% من الهجرات)؛
- وضع برنامج وطني خاص بالمهاجرين بعد تسوية أوضاعهم القانونية كما هو الحال مثلا في المغرب والمكسيك؛
- إعمال أهداف التنمية المستدامة، وخاصة تلك التي تتعلق بالقضاء على الفقر، وتوفير التعليم الجيد والمساواة بين الجنسين، ومناهضة العنف ضد النساء والنهوض بالمشاركة في تدبير الشأن العام، الخ.
- تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة، حيث تمكن المغرب ودول أمريكا اللاتينية من الانكباب على تدبير ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، من خلال إعمال العدالة الانتقالية وبالتالي قراءة صفحة الماضي وبناء الحاضر على أساس عدم تكرار ما جرى.
وأضافت المحاضرة أن هيئة الإنصاف والمصالحة أولت أهمية كبيرة للتجارب الدولية السابقة في مجال العدالة الانتقالية الأكثر نجاحا في مجال الكشف عن الحقيقة، وبرامج جبر الأضرار الفردية والجماعية والقيام بإصلاحات مؤسساتية لضمان عدم التكرار، ومنها 16 تجربة، أهمها (الشيلي، الأرجنتين، البيرو والبرازيل). كما استأنست بتجاربها واستلهمت أهم المكتسبات التي حققتها والمنهجية المتبعة لتجاوز التحديات التي عرفتها. كما سعت بذلك هيئة الإنصاف والمصالحة لتطوير هذه المنهجية والمكتسبات وإغنائهما.
وذكّرت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بكون التجربة المغربية وجدت في بعض هذه التجارب فضاءات رحبة ومتميزة، ساعدت على توفير شروط المصالحة المتوافق عليها بما يضمن الانتقال السلس والسلمي لتدبير شؤون الدولة، بالرغم من اختلاف وتنوع السياقات التاريخية لكل بلد.
ويمكن حصر أهم المجالات التي استأنس بها المغرب لصياغة تجربته في مجال العدالة الانتقالية، تضيف السيدة آمنة بوعياش، في:
معرفة الحقيقة والكشف عنها، حيث شكلت مطالب الضحايا والمجتمع في معرفة الحقيقة وتحديد مدى جسامة الانتهاكات والمسؤولين عنها عنصرا مشتركا لدى مختلف التجارب. وتميزت التجربة المغربية في هذا المجال، على عكس باقي التجارب الدولية، بعودة المئات من الضحايا المحتجزين بعد سنوات طويلة من جحيم الاختفاء القسري، والاعتقال التعسفي وهم أحياء. مما مكن التجربة المغربية من صياغة مقررات تحكيمية في سابقة من نوعها في هذه الحالات، واعتبارها من أهم الإضافات الجادة في التجارب الدولية.
جبر الأضرار الفردية والجماعية، إذ لم تقتصر تجربة المغرب على تحديد وتقدير الأضرار التي تعرض لها الضحايا وذوي حقوقهم من خلال منح تعويضات مالية فقط، بل استأنست بالتجربة الشيلية في هذا المجال، وطورت مفهوم جبر الأضرار الفردية ليشمل تدابير متعددة، منها، الكشف عن الحقيقة، ورد الاعتبار للضحايا، وضمان التغطية الصحية، وتسوية الأوضاع الإدارية والإدماج الاجتماعي.
وختمت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان محاضرتها بالتأكيد على أن هيأة الإنصاف والمصالحة طورت مفهوم جبر الضرر الجماعي، بحيث أصبح المغرب مرجعا يُعتد به في هذا المجال على الصعيد الدولي، باستحضار التوجهات الكبرى للتجارب الوطنية عبر العالم، بما يعزز جبر الضرر لبعض المناطق التي لم تستفد بما يكفي من البرامج التنموية.