في إطار سلسلة لقاءاته الفكرية والعلمية، نظم معهد الرباط -إدريس بنزكري- لحقوق الإنسان، التابع للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، محاضرة فكرية حول موضوع "الحرية بين العدالة والاعتراف"،ألقاها مساء الجمعة 27 فبراير 2020، الأستاذ الجامعي محمد نور الدين أفاية، بحضور عدد مهم من الأكاديميين والإعلاميين والفاعلين الحقوقيين.
وفي تقديمه للمحاضرة، أكد الأستاذ محمد المحيفيظ، رئيس اللجنة العلمية للمعهد، أن معهد الرباط -إدريس بنزكري- لحقوق الإنسان يعمل على تجسير العلاقة بين الساحة الثقافية والأكاديمية والجامعية وحركية حقوق الإنسان ومناضليها، انطلاقا من وعيه بأن تسليط الضوء على هذا النوع من الإشكالات النظرية والفكرية المتعلقة بحقوق الإنسان من شأنه أن يساهم في تطوير العمل الحقوقي ويشجع البحث العلمي في مجال حقوق الإنسان، علاوة على تحفيز انفتاح الفاعلين الحقوقيين على الاجتهادات الفكرية وإسهامات الجامعيين والأكاديميين في المجال.
في إطار تحليله لموضوع "الحرية بين العدالة والاعتراف"، أكد السيد أفاية أن تناول مفاهيم من قبيل الحرية والعدالة والاعتراف والكرامة قد تبدو مجردة، لكنها تُشكل البنية التحتية لكل حركية حقوقية وثقافية ولكل ممارسة متجددة ومُنتجة.
وفي محاولة لبسط مفهوم الحرية، حاول المحاضر اختزال تعريفات الفلاسفة والمفكرين حولها مستعرضا أنها تلك "القدرة التي تميز الكائن العاقل، وتسعفه في القيام بأفعال تعبّر عن إرادته، من دون وصاية أو ضغط خارجي أو خضوع لأي شكل من أشكال الاستعباد، أو الارتهان لسلطة استبدادية".
تأكيدا على الطابع الشمولي لموضوع الحرية، شدد المحاضرعلى أن "الحرية ليست فقط قضية سياسية أو حقوقية أو قضية معرفية وتاريخية، وإنما هي في طليعة القضايا الثقافية"، ذلك أن جل الدساتير تؤكد على احترام حرية التفكير والتعبير، استجابة لمواثيق دولية، غير أنه يتم في بعض الأحيان تقييد مجالات ممارستها، تحت ذرائع وتبريرات مختلفة.
وجوابا عن السؤال: ما السبيل إلى إعادة بناء مجال سياسي مبني على الحريات والحقوق والعدالة والكرامة، بما فيه إدماج آليات الحوار المدني؟ أشار المحاضر إلى أن الأمر يستوجب تغييرا مستمرا في أساس وعمق البناء الثقافي لمكونات الجماعة الوطنية وفي علاقات الأفراد، الذين من المفروض أن يكتسبوا صفات وحقوق وواجبات المواطنة، مع مختلف البنيات الاجتماعية، والسياسية والإدارية. معتبرا أنه إذا تمكن المجتمع، بواسطة سياساته العمومية، من الربط بين الحرية والكرامة والمساواة، فإنه يشجع مواطنيه، ولاسيما فئة الشباب، على تفجير قدراتها.
ومن هنا تبرز الحاجة إلى الاعتراف، يقول أفاية، وهو نتاج بناء اجتماعي يتحدد حسب البيئة، والنظرة إلى الإنسان، والثقافة السائدة. ولعل المجتمع الذي ينتظم حسب القواعد القانونية والحقوق، يضيف،"يشجع الإنسان على إيجاد معنى للحياة، في حين أن المجتمع الذي يواجه صعوبات في احترام القانون، ويستخف بقيم الحرية والمعرفة والإبداع، سيظل يعاني من الخلل، ومن التباسات الوعي بقيم الحياة".