على هامش استضافة السيد محمد الإدريسي العلمي المشيشي،وزير العدل سابقا وخبير في القانون،في لقاء نظمه المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول القانون الجنائي والسياسة الجنائية وكذاتخصيصه بتكريم بهذه المناسبة، تم إجراء حوار معه تمحور حول القانون الجنائي وعلاقته بحقوق الإنسان. يأتي هذا اللقاء في إطارمشاركة المجلس في فعاليات المعرض الدوليللنشر والكتابوالتي يخصصها المجلس هذه السنة لتخليد الذكرى الثلاثين لتأسيسه تحت شعار"1990-2020: مسار متواصل لفعلية الحقوق".
س. السيد المشيشي ما رأيكم في تطور القانون الجنائي في المغرب من صيغته القديمة إلى مشروع القانون الجديد؟
ج. هذا التطور في مجمله وفي خطوطه العريضة إيجابي. ربما كان هذا التطور جزئيا لكنه يبقى إيجابيا على وجه العموم. فدسترة حقوق الإنسان سوف تنعكس عليه حتما. الوثيقة الدستورية نصت على مجموعة من المبادئ نذكر منها البراءة الأصلية ومبدأ عدم رجعية القوانين، وهو المبدأ الذي كان موجودا دون أن يكون مدسترا.
قبل اختيار أي إصلاح أو حل أو قاعدة جديدة لا بد من التريث ودراسة الموضوع بهدوء وبموضوعية وتحليل الأسباب الداعية له أو المبررة له وكذلك الانعكاسات التي يمكن أن تنتج عنه سواء على الإنسان كشخص أو على أسرته أو على المجتمع بأكمله.
س. كيف يمكن بناء سياسة جنائية مستجيبة لمعايير حقوق الإنسان؟
ج. إذا انطلقت السياسة الجنائية، في مختلف القواعد التي تنتجها وتنبثق منها، من كون هدفها وموضوعها الجوهري هي حماية حقوق الإنسان من مختلف الاعتداءات والانتهاكات التي قد يتم اقترافها من أي جهة كانت. وإذا أخذنا بعين الاعتبار كون حقوق الإنسان هي غايتها وفي نفس الوقت موضوعها ومحل نطاق تطبيقها، والغاية التي تتوخاها من الجزاء، أي فيما تقتضيه العقوبة ضد تلك الأفعال الجرمية.
س. ما مدى ترجمة التأصيل الدستوري لحقوق الإنسان في السياسة الجنائية؟
ج. تكمن أهمية دسترة حقوق الإنسان في إلزام جميع سلطات الدولة وهيئاتها على احترام حقوق الإنسان. فالدسترة ضمانة لسن تشريعات تتلاءم مع حقوق الإنسان. وإذا حدث وأن صدر تشريع مخالف لحقوق الإنسان فالمخرج أعطاه الدستور ذاته، وذلك بإحداث محكمة دستورية وإقرار الحق في الدفع استثناء بعدم دستورية القوانين، ذلك أن مراقبة دستورية القوانين لم تعد مقتصرة على الدولة، بل أصبح من حق المتقاضين أن يثيروا الدفع بعدم دستورية القانون الذي سيطبق عليهم.
س. يحتفل المجلس هذه السنة بالذكرى الثلاثين لتأسيسه، هل من كلمة في حق هذا المسار وهذه التجربة؟
ج. المجلس من المؤسسات النادرة التي طبعت المغرب في فترة وجيزة. فالمجلس طبع حقا مسار المغرب ورفع قيمته على المستوى الدولي. وقد أصبح من المعروف الآن أن عددا من الدول تقتبس من تجربة المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وإذا كانت هذه الدول تعترف بقيمة هذا المسار، أيكون من الوارد أن لا تكون له قيمة عندنا؟ لا يمكن حتى ولو أردنا ذلك. فعطاؤه في المجال القانوني يفرض نفسه، يكفي أن نذكر الدور الذي لعبه في بداية التسعينات، مباشرة بعد تأسيسه، من أجل التراجع عن الإجراءات الانتقالية التي أُدخلت على قانون المسطرة الجنائية سنة 1974 والتي فتحت المجال أمام كثير من التعسف ضد المتقاضين في القضايا الجنائية، ناهيك أنه كان وراء عدد كبير من الإصلاحات في عدد من المجالات.