خصص المجلس الوطني لحقوق الإنسان المحور الأول من تقريره السنوي برسم سنة 2020 للإطار القانوني المنظم لحالة الطوارئ الصحية المرتبطة بجائحة (كوفيد-19) التي فرضتها الأزمة الوبائية على العديد من بلدان العالم، وهو الأمر الذي فتح، حسب التقرير، نقاشا حول مدى شرعيتها وضرورتها و تقييدها للعديد من الحقوق والحريات الأساسية، علما أن التدابير المرتبطة بها ينبغي أن تتخذ في إطار يجعل هذه القيود تستوفي متطلبات الشرعية والضرورة والتناسب وعدم التمييز.
وقد أوصى المجلس، على الخصوص، بالعمل على وضع إطار قانوني يحدد حالات الطوارئ وتدبيرها، مع الأخذ بعين الاعتبار المقاربة المرتكزة على حقوق الإنسان، فضلا عن وفاء الدولة بالتزاماتها المنصوص عليها في المادة الرابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وإنهاء تطبيق حالة الطوارئ الصحية عندما ينتفي شرط الضرورة.
أولا: الإطار القانوني الدولي
ذكر التقرير بأن الإطار القانوني المنظم لحالة الطوارئ الصحية المرتبطة بجائحة (كوفيد19) يؤطره القانون الدولي من خلال ما جاءت به المادة الرابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على إمكانية إعلان حالات الطوارئ الاستثنائية التي تقيد بعض الحقوق لأسباب تتعلق بالصحة العامة على أن تكون استثنائية ومؤقتة. لكن في المقابل، فإن بعض الحقوق والحريات لا ينبغي تقييدها إطلاقا. ويتعلق الأمر أساسا بالحق في الحياة وعدم التعرض للتعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وعدم التعرض للتمييز وعدم إجراء تجارب علمية أو طبية دون موافقة، وعدم إخضاع أي شخص للإكراه البدني، وضمان شروط المحاكمة العادلة واحترام حرية الفكر والوجدان والدين.
وفي هذا الصدد أشار التقرير إلى أن السلطات المغربية، على غرار العديد من بلدان العالم، اتخذت تدابير استثنائية أدت إلى تقييد بعض الحقوق والحريات، نظرا لأن الأزمة الوبائية غير المسبوقة تهدد حياة الأمة، وهو ما يعتبر تعليقا لالتزاماتها القانونية بموجب المادة الرابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ثانيا: الإطار الدستوري
أشار التقرير إلى أن إعلان السلطات عن حالة الطوارئ الصحية أثار نقاشا حول التكييف الدستوري والقانوني لهذه الوضعية في أوساط المختصين حول الأساس الدستوري والقانوني لهذه الحالة. مشيرا أن الحالتين الصريحتين اللتان تتخذ في إطارهما تدابير استثنائية مقيدة للحقوق والحريات الأساسية هما: حالة الحصار وحالة الاستثناء. وهما حالتان تختلفان عن حالة الطوارئ الصحية كون هذه الأخيرة فرضتها ضرورة طارئة تهدد سلامة الأشخاص وصحتهم، وحالة الاستثناء يفرضها التهديد المحدق بحوزة التراب الوطني أو بعض الأحداث التي من شأنها عرقلة السير العادي للمؤسسات الدستورية، وبالتالي فإن حالة الطوارئ الصحية لا تجد سندا لها في الدستور علما أنها تؤدي إلى توسيع صلاحيات بعض السلطات الأمنية أو العسكرية بهدف حفظ الصحة العامة والنظام العام.
ثالثا: الإطار القانوني الخاص بحالة الطوارئ الصحية
نظرا لعدم وجود أي نص قانوني بالمغرب يؤطر حالة الطوارئ الصحية عند وجود وضعية وبائية، كان من الضروري سن إطار قانوني من شأنه جعل جميع الإجراءات والتدابير المتخذة من طرف السلطات العمومية في إطار مواجهة جائحة كوفيد-19 والحد منه مبنية على أساس قانوني مشروع. وفي هذا السياق، قامت الحكومة باعتماد المرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها.
واستندت في ذلك على الفصول 21 و24 و81 من الدستور، وعلى اللوائح التنظيمية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية والذي تم عرضه قصد المصادقة عليه من طرف البرلمان خلال دورته العادية الموالية بموجب القانون رقم 23.20 الذي يقضي بالمصادقة على هذا المرسوم بقانون رقم 2.20.292 .
وفي ظل هذه الوضعية، فرضت السلطات العمومية حجرا صحيا على الأفراد تم تنظيمه بموجب مرسوم رقم 2.20.293 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا كوفيد-19، حيث سجل المجلس أن هذا المرسوم لم يشر إلى تاريخ بداية سريان حالة الطوارئ الصحية وأن السلطات بدأت في اتخاذ التدابير الاحترازية وفرض حالة الطوارئ الصحية قبل إصدار المرسوم بقانون، أي بتاريخ 20 مارس 2020. واستندت في ذلك، من بين مرجعيات أخرى، على المرسوم الملكي رقم 65.554 بتاريخ 26 يونيو1967 بمثابة قانون يتعلق بوجوب التصريح ببعض الأمراض واتخاذ تدابير وقائية للقضاء على هذه الأمراض. كما سجل أن قرار اتخاذ التدابير الوقائية الاستعجالية قبل صدور المرسوم يندرج في إطار تدابير الشرطة الإدارية المتعلقة بحماية الصحة العمومية، مما تكون معه القرارات الإدارية المتخذة في هذا النطاق خاضعة للرقابة القضائية حسب الفصل 118 من الدستور.
وقد عملت الحكومة، بناء على المرسوم بقانون رقم 2.20.292 ، المصادق عليه بالقانون رقم 23.20، على إصدار عدة مراسيم لتمديد مدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية الذي حدده المرسوم رقم 2.20.29 حيث سجل المجلس أن المرسوم بقانون لم يشر إلى ضرورة الرجوع إلى البرلمان إذا اقتضت الضرورة تمديد مدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية، على اعتبار أن تمديد الحكومة لمدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية بموجب مراسيم دون الرجوع إلى البرلمان يطرح إشكالات تمس بمقومات دولة الحق والقانون ويطلق اليد للسلطة التنفيذية ويقوض أدوار باقي السلطات، وخاصة السلطة التشريعية.
كما سجل المجلس أن السلطات العمومية عملت على إطلاع المواطنين على معنى إجراءات الطوارئ ونطاق تطبيقها، ومدة سريانها والإجراءات المرتبطة بالحجر الصحي، ونشر جميع المراسيم المرتبطة بحالة الطوارئ الصحية في الجريدة الرسمية.
رابعا: التوصيات
وارتباطا بالإطار القانوني لحالة الطوارئ الصحية، يوصي المجلس بما يلي:
- العمل على وضع إطار قانوني يحدد حالات الطوارئ وتدبيرها، مع الأخذ بعين الاعتبار المقاربة المرتكزة على حقوق الإنسان؛
- التنصيص على ضرورة الرجوع إلى المؤسسة التشريعية في حالة تمديد مدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية من أجل ضمان التوازن بين السلط وإخضاع الإجراءات المتخذة، وخاصة تلك المتعلقة بتمديد مدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية للرقابة البرلمانية؛
- وفاء الدولة بالتزاماتها المنصوص عليها في المادة الرابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وذلك بأن تعلم الدول الأطراف الأخرى فورا، عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة، بالأحكام التي لم تتقيد بها وبالأسباب التي دفعتها إلى ذلك. وعند انتهاء حالات الطوارئ، ينبغي على الدولة أن تُخبر بذلك الدول الأطراف في العهد المذكور وبالطريقة ذاتها؛
- إنهاء تطبيق حالة الطوارئ الصحية عندما ينتفي شرط الضرورة.