عرف المغرب تطورا مهما في ممارسة الاحتجاجات السلمية، خاصة مع تزايد استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، التي أصبحت تشكل وعاء افتراضيا للتعبير وممارسة الحق في التعبير والتجمع. وفي هذا الإطار، سجل المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تقريره السنوي عن حالة حقوق الإنسان بالمغرب خلال 2021 ارتفاعا في عدد التجمعات والتظاهرات السلمية بلغ، حسب معطيات وزارة الداخلية 13471 تجمعا، شارك فيها 669416 شخصا، مقابل تنظيم 8844 تجمعا سنة 2020، شارك فيها 394022 شخصا.
وحسب تقرير المجلس، يُعزى هذا الارتفاع إلى تخفيف إجراءات التدابير الاحترازية المعمول بها في سياق جائحة كوفيد 19 .
الاحتجاجات في ظل الطوارئ الصحية:
رصد المجلس خلال تتبعه لمختلف التجمعات والتظاهرات الاحتجاجية المنظمة سنة 2021، سواء تلك التي تم رصدها ميدانيا أو من خلال شبكة الأنترنيت، منع السلطات لعدد من الوقفات الاحتجاجية، جرى تفريق وفض بعضها بالقوة. وفي عدد من الحالات أسفر التدخل عن اعتقال متظاهرين ومتابعة بعضهم بتهمة إهانة رجال القوة العمومية والضرب والجرح في حقهم والعصيان وخرق حالة الطوارئ الصحية. وصدرت في حق بعضهم أحكام بالسجن موقوف التنفيذ.
ولاحظ المجلس أنه في ظل الأزمة الصحية وفرض حالة الطوارئ، لم تتقيد أغلب الحركات الاحتجاجية بالإجراءات والتدابير القانونية الواردة سواء في ظهير الحريات العامة لسنة 1958، أو في القوانين ومراسيم القوانين المتعلقة بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني. كما أن أغلب المبادرات الاحتجاجية لم تقم بإشعار السلطات المحلية ولم تنظمها هيئة منظمة قانونا. واستعرض التقرير بعض التجاوزات التي عرفتها بعض الاحتجاجات وتفاعله معها في إطار تتبعه لفعل الاحتجاج السلمي بالشارع العام، مركزا على ضرورة التنصيص القانوني على إخضاع كل عملية لاستعمال القوة من طرف القوات العمومية لمراقبة النيابة العامة المختصة.
وأمام التطور الذي عرفته ممارسة الاحتجاجات السلمية ببلادنا، خاصة مع تزايد استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، دعا المجلس إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار ما يمكن أن يترتب عن ذلك من خطر وتهديد، بسبب نشر خطابات قد تحرض على الكراهية والعنف والتمييز، وكذلك نشر الأخبار الزائفة واستعمالها بطريقة سلبية.
وأوصى المجلس بحماية كافة المدافعين عن حقوق الإنسان، بما في ذلك الصحفيين ومهنيي الإعلام الذين يقومون بتغطية المظاهرات السلمية؛ الالتزام بالتفسيرات الجديدة الواردة في التعليق العام رقم 37 بخصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والصادر في 17 شتنبر 2020 عن اللجنة المعنية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بشأن الحق في التجمع السلمي، وخاصة التجمعات عبر الإنترنيت؛ فتح إمكانية التصريح القبلي لتنظيم المظاهرات عبر البريد الإلكتروني؛ عدم إخضاع الحق في التظاهر والتجمع لتقييدات غير تلك المسموح بها في المقتضيات الدستورية والقانونية والصكوك الدولية لحقوق الإنسان، إلخ.
حرية الجمعيات والحاجة إلى وضع مدونة جديدة:
خلال 2021، تلقى المجلس الوطني لحقوق الإنسان 11 شكاية من جمعيات وشبكات جمعوية ونقابات وأفراد، تتعلق بالتظلم من قرار إداري برفض تسلم الملف القانوني الخاص بتأسيس الجمعية دون تبرير أسباب الرفض، أو برفض تسليم وصل الإيداع القانوني، سواء المؤقت أو النهائي، أو رفض السلطات الإدارية منح وصل الإيداع القانوني الخاص بتجديد الهياكل أو التظلم من قرار إداري بمنع ممارسة أنشطة جمعوية.
وسجل المجلس بإيجابية بعض المبادرات التي تقوم بها الجمعيات واعتماد نظام التصريح عوض الترخيص، لكنه بالمقابل يؤكد على بعض التحديات التي تحول دون تطور الفعل الجمعوي، ومنها ما هو إداري مرتبط بالممارسات الصادرة عن بعض الموظفين الإداريين، وخاصة في مراحل التأسيس أو التجديد أو استغلال القاعات العمومية لتنظيم أنشطتها طبقا لأهدافها المسطرة في قوانينها الأساسية.
كما رصد المجلس ضعف الإمكانيات المادية واللوجستيكية والموارد البشرية للجمعيات، وكذلك ضعف التأطير، مما يؤدي الى الحد من الأدوار المنوطة بالجمعيات للمساهمة في تعزيز الحريات والمشاركة المواطنة. ولتعزيز حرية الجمعيات، يوصي المجلس ب: إحداث مدونة جديدة تتعلق بقانون الجمعيات وتنظيم الحياة الجمعوية، تستجيب للتطورات التي يعرفها الإطار القانوني الوطني والدولي؛ تيسير الولوج الى مصادر الدعم والتمويل سواء العمومي أو في إطار التعاون الدولي، بما يضمن النهوض بالفعل الجمعوي وانخراطه في تعزيز دولة الحق والقانون؛ تعزيز الضمانات القانونية المتعلقة بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان؛ تعزيز الدور الحمائي للقضاء وتشجيع الجمعيات على الولوج إلى القضاء الإداري كآلية للانتصاف في المنازعات بين السلطات الإدارية والجمعيات، إلخ.