أكد المشاركون في لقاء حول "التنوع الثقافي والتعدد اللغوي ورهانات التمتع بالحقوق وممارستها"، الذي احتضنه رواق المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمعرض الدولي للكتاب، يوم الثلاثاء 11 فبراير 2020، أن تنزيل مضامين الدستور المتعلقة بالتنوع الثقافي والتعدد اللغوي بالمغرب ما زالت تحتاج إلى تفعيل أكبر من قبل الفاعلين مع ضرورة العمل على ربط التنوع والتعدد بخطاب التعايش والتماسك المجتمعي.
قدم السيد سعيد بنيس، المختص في علم الاجتماع والباحث، إطلالة سوسيولوجية حول علاقة حقوق الإنسان بالتنوع الثقافي والتعدد اللغوي بالمغرب، والتحديات والرهانات التي ستتم مواجهتها فيما يتعلق بالتقسيم الترابي إذا ما تم الانتقال من البراديغم الاقتصادي والسياسي والإداري إلى البراديغم الثقافي والهوياتي واللغوي.
كل هذه التساؤلات ترفع في وجهنا تحدي الانتقال من الدسترة إلى المأسسة، يضيف السيد بنيس، أي أن جميع الفاعلين مطالبون بالعمل من أجل تمكين كل تراب أو جهة من ممارسة حقوقها الثقافية واللغوية. وأكد أنه لفهم مكانة ودور التنوع الثقافي والتعدد اللغوي في مشروع النموذج التنموي المنتظر يتوجب إعادة الاعتبار للجهات الثقافية على أساس أن التنوع الثقافي والتعدد اللغوي يشكلان أحد ركائز القوى الناعمة التي تندرج تحت مسمى التنمية الديمقراطية، وهذا التصور سينقلنا حتما من جهوية إدارية إلى جهوية ثقافية وهوياتية من خلال ترابية ثقافية (Territorialisation culturelle) تشكل فيها الملامح الثقافية واللغوية الحدود الترابية للجهات.
ولضبط شروط التمتع بالحقوق اللغوية والدستورية وممارستها، يشير الباحث السوسيولوجي إلى ضرورة وضع تشخيص شمولي لظاهرة ثقافة التعدد والتنوع للكشف عن تمظهرات العنف الرمزي والعنف المادي، وإجراء مقاربة كيفية لهذه الثقافة في أفق ترسيخ وتكريس المواطنة والرابط الجماعي عبر الاهتمام بتمثلات ومواقف الفاعلين المعنيين، والحاجة إلى التفاوض والتداول لأن إشكالات التنوع والتعدد تحيل على قبول الآخر وتلغي مواقف الإقصاء وهي محكومة بالقيم المشتركة، والتشجيع على إعادة الاعتبار للثقافات على اختلافها.
من جهته حاول الباحث اللساني، كريم بنسوكاس، تشخيص الوضع اللغوي المتنوع بالمغرب من خلال اعتماد نتائج دراسات ميدانية لإثبات التنوع اللغوي بالمغرب. فقسم الأمازيغية إلى تارفيت بالشمال الشرقي وتامازيغت بالوسط وتاشلحيت بالجنوب، ثم العربية والحسانية التي جاءت مع قبائل بني هلال، بالإضافة إلى الفرنسية والاسبانية مع الاستعمار ثم اللغات الحية التي بدأ الإقبال عليها في إطار التعاون الدولي. وخلص إلى أن التنوع اللغوي لا يمكن إلا أن يكون رافعة لتعزيز الغنى الثقافي واللساني في بلادنا.
من جهته دعا الحسن أولحاج، مختص في القانون، إلى انخراط المغرب في شعبة الذكاء الاصطناعي المسماة "معالجة اللغات الطبيعية"، لأن المغرب يحتاج إلى المعالجة الأوتوماتيكية للغات من أجل تسهيل عملية ترجمة الموروث الثقافي الكوني الهام المتوفر حاليا باللغة الإنجليزية والاسبانية والفرنسية وترجمته إلى الأمازيغية والدارجة.
وفي ختام اللقاء، اعتبر السيد بلعيد بودريس، مسير الندوة، أن اللغات ملك للإنسانية، وانقراض أي لغة يصنف خسارة للإنسانية. فمن مصادر غنى الإنسانية التعدد اللغوي حيث ينتج عنه تعدد في القيم وتنوعها.