مع اجتياح وباء كوفيد-19 لكل دول العالم، طفت إلى السطح مسألة "أخلاقيات البيولوجيا"، وأثيرت العديد من الأسئلة حول المفاهيم والمعايير التي يجب أن توجه عملية اتخاذ القرار السليم استجابة لحالة الطوارئ الصحية. وحسب لجنة اليونسكو الدولية لأخلاقيات البيولوجيا (IBC) ولجنة اليونسكو العالمية لأخلاقيات المعارف العلمية والتكنولوجية (COMEST)، فإنه "ينبغي وضع اعتبارات أخلاقيات البيولوجيا وأخلاقيات العلوم والتكنولوجيا المستندة إلى حقوق الإنسان في صميم الإجراءات الرامية لمكافحة هذه الجائحة المستعصية". وفي هذا السياق، تعتبر اليونسكو أنه من الحيوي توفير أسس متينة للتفكير الجماعي فيما يتعلق بالأبعاد الأخلاقية والاجتماعية الخاصة بكل من العلاج الطبي وبسياسات الوقاية والاحتواء التي تضعها مختلف الدول لمواجهة الجائحة.
ووعيا منه بأهمية تعزيز النقاش الوطني والدولي حول احترام أخلاقيات البيولوجيا وارتباطها الوثيق بحقوق الإنسان، سلط المجلس الوطني لحقوق الإنسان الضوء، من خلال تقريره السنوي "كوفيد19: وضع استثنائي وتمرين حقوقي جديد"، على هذا الموضوع مؤكدا على الأثر البالغ الذي خلفه غياب لجنة وطنية مستقلة وتعددية وجامعة للتخصصات تعنى بتقييم القضايا الأخلاقية والعلمية والاجتماعية المتصلة بمشاريع الأبحاث التي تخص حياة البشر، على اعتبار أنها كانت ستسهم بشكل كبير في توفير رؤية شاملة حول التحديات الأخلاقية والاجتماعية والقانونية للقرارات المتخذة، وفي طرح مقترحات بديلة لقرار إحالة المرضى المصابين بالفيروس إلى مرافق رعاية صحية خارج المدينة أو الجهة حيث يقطنون، مما ساهم في تأخر تشخيص الحالات الإيجابية بسبب تخوف المواطنين من احتمال وضعهم في أماكن بعيدة عن محيط سكناهم، فضلا عن خطر وصم المرضى المصابين بكوفيد-19 من قبل الأشخاص المحيطين بأماكن رعايتهم.
ويرى التقرير أن مثل هذا القرار يسائل الجميع عن حق المرضى في الاستقلالية والمسؤولية في القرارات المتعلقة بعلاجهم.
كما سجل التقرير بإيجابية قوة التضامن داخل المجتمع المغربي، حيث ظهرت في هذا السياق أشكال جديدة من التضامن والاعتراف بالجهود المبذولة، إذ عبر المغاربة عن حس تضامني، وخاصة مع المهنيين في قطاع الصحة والعاملين في الخدمات الأساسية والتجارية وكافة العاملين على حفظ الأمن، وتدخل السلطات العمومية للحد من التهافت على المنتجات ومكافحة المضاربات.
وأوضح التقرير أنه بسبب غياب أدوية للعلاج من الفيروس، تسارع البحث من أجل تطوير اللقاح على نطاق واسع وبسرعة غير مسبوقة، وصفه نداء منظمة اليونيسكو حول اللقاحات المضادة لفيروس (كوفيد-19) في 24 فبراير 2021 ب "الإنجاز العلمي والتكنولوجي الحامل لأمل حقيقي للسيطرة على الجائحة ووضع مسألة أخلاقيات البيولوجيا في مقدمة المشهد السياسي والإعلامي الدولي".
وبالنسبة للمغرب، يحدد القانون رقم 13-28 المتعلق بحماية الأشخاص المشاركين في الأبحاث البيوطبية، المبادئ التي يجب احترامها خلال إجراء جميع الأبحاث البيوطبية. ويتعلق الأمر باحترام الحياة والصحة والسلامة الجسدية والنفسية والكرامة. كما يشترط أن تتم المشاركة على أساس تطوعي بعد الموافقة الحرة والمتنورة والصريحة، بما يتوافق مع قواعد الممارسة الأخلاقية الفضلى من أجل ضمان جودة الأبحاث البيوطبية. كما نص القانون على "إنشاء لجن جهوية لحماية الأشخاص المشاركين في الأبحاث البيوطبية، والتي سيتم تحديد عددها وتأليفها بموجب نص تنظيمي"، بالإضافة إلى قضايا أخرى أشار إليها القانون يتم تأطيرها بنصوص تنظيمية أخرى. ويلاحظ تقرير المجلس أنه لم يتم إلى يومنا هذا إصدار هذه النصوص.
ورغم هذا الفراغ التشريعي، شارك 600 مواطنا مغربيا في أبحاث سريرية لتجريب لقاحين صينيين، دون تقديم معلومات رسمية واضحة وكاملة عن لجنة الأخلاقيات التي صادقت على بروتوكول البحث ولا عن محتوى ملف طلب الإذن بإجراء الاختبار. ويرى تقرير المجلس أن نفس الملاحظة تنطبق على خصائص المشاركين ال600 الذين تطوعوا وعلى نتائج هذه التجربة.
وفي هذا السياق، يدعو المجلس السلطات الصحية لتحمل مسؤولية استخدام جميع المعطيات المحصل عليها لإجراء تقييم مقارن لمختلف اللقاحات المعتمدة في السوق الدولية قبل اتخاذ قرار بشأن اللقاح أو اللقاحات المستخدمة لتلقيح المغاربة.
كما يدعو إلى أن تكون نتائج هذه التقييمات معروفة للعموم بطريقة شفافة وواضحة.
توصيات المجلس فيما يخص مجال أخلاقيات البيولوجيا:
1-إحداث لجنة وطنية مستقلة متعددة التخصصات تضم فاعلين علميين وأخلاقيين وسياسيين، وفقا للمعايير الدولية، وخاصة تلك المتضمنة في الإعلان العالمي لأخلاقيات البيولوجيا وحقوق الإنسان؛
2-التسريع بإصدار النصوص التنظيمية الخاصة بالقانون رقم 13-28 المتعلق بحماية الأشخاص المشاركين في الأبحاث البيوطبية، والتي تحدد كيفية إنشاء وتأليف لجن جهوية لحماية الأشخاص المشاركين في الأبحاث البيوطبية، وتحدد شروط وإجراءات الأبحاث البيوطبية؛
3-استرشاد السياسات الصحية الوطنية أثناء الأزمات الصحية بالاعتبارات الأخلاقية، ووفقا للمعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وبمجال أخلاقيات البيولوجيا.
وتجدر الإشارة إلى أن مؤتمر اليونسكو لسنة 2005 قد اعتمد الإعلان العالمي لأخلاقيات البيولوجيا وحقوق الإنسان الذي يهدف إلى تعزيز مبدأ احترام الكرامة الإنسانية في البحث العلمي وإلى تعزيز النقاش على الصعيدين الوطني والدولي بشأن المسائل الأخلاقية الكبرى الناجمة عن التطورات التي يعرفها البحث العلمي.