نشر في

احتفاء باليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، يبادر المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ابتداء من 10 أكتوبر 2022، بنشر شهادات لعدد من المحكومين بعقوبة الإعدام، بهدف إطلاع الرأي العام على أوضاع هذه الفئة وملامسة بعض القضايا والإشكالات التي تطرحها هذه العقوبة القاتلة من الناحية الحقوقية والإنسانية، وذلك بإعطاء الكلمة للذين يترقبون الموت على أمل أن يتم الحفاظ على حياتهم. وفيما يلي الشهادة السادسة التي يقدمها المجلس في إطار سلسلة الشهادات التي يقوم بعرضها.

يذكر أن الحالة التي قدمت هذه الشهادة قد استفادت من العفو الملكي بمناسبة عيد العرش سنة 2019، حيث تم تحويل عقوبة الإعدام الصادرة بحقه إلى السجن المؤبد.


السيد أ. س من مواليد سنة 1972، فرنسي وجزائري الجنسية، رجل أعزب تابع تعليمه إلى غاية المستوى الدراسي الأساسي ثم اشتغل رصاصا، تم اعتقاله في تاريخ 27غشت 1994 حيث وجهت له تهم تكوين عصابة إجرامية والقتل مع سبق الإصرار والترصد والسرقات الموصوفة باستعمال السلاح والتحريض على الدعارة. وطبقا لذلك، أصدرت بحقه محكمة الاستئناف بفاس عقوبة الإعدام في تاريخ 28.1.1995.


قضيت خمسة وعشرين سنة في السجن من بينها 14 سنة في السجن الانفرادي...

أنا هنا في سجن تولال منذ أربعة أشهر فقط، ولحد الساعة لازلت أتساءل عن سبب ترحيلي إلى هذا المكان. فطيلة الخمسة وعشرين سنة التي أمضيتها في السجن، قضيت منها أربعة عشرة سنة في السجن الانفرادي، وقد ناضلت طيلة هذه المدة إلى جانب لجنة حقوق الإنسان الفرنسية (من 1994 إلى 2007) حتى ألغت إدارة السجن حبسي الانفرادي.

لقد قضيت 11 سنة بالقنيطرة ثم أعادوني إلى سجن تولال.  وغالبا ما أتساءل عن سبب نقلي إلى هنا بعد خمسة وعشرين سنة سجنا قضيت 14 سنة منها في سجن انفرادي.
كنت أعيش في السجن المركزي بالقنيطرة كباقي السجناء، يتم فتح أبواب الزنازن على الساعة التاسعة صباحاً ولا تقفل إلا مع حلول الظهيرة، أما هنا فلا نخرج إلا نصف ساعة في الصباح ونصف ساعة أخرى في المساء.، كنت أختلط في القنيطرة مع باقي السجناء، بينما هنا لا يمكنني التحدث مع أحد.  هناك كان يسمح لي باستعمال الفرن والهاتف وغيرهما، أما الآن فلا يمكنني حتى الاتصال بعائلتي.

في سجن القنيطرة، كنت أتوفر على سخان كهربائي للأكل ومذياع، وكان بإمكاني التحدث مع الآخرين، أما حاليا أنا هنا منذ أربعة أشهر ولم يسبق لي الحديث مع أي شخص، حتى في الفسحة أكون وحيدا، بينما في القنيطرة كان بإمكاني الولوج لمكتبة السجن ومخالطة السجناء الآخرين.

كنت أتحدث مع أخي عبر الهاتف طيلة الأسبوع، لكن في هذا السجن لا يمكنني الاتصال إلا مرة في الأسبوع وتستغرق المكالمة خمس دقائق.

ينوب عني محامي من باريس، لكن يتعذر علي التواصل مع مكتبه، فنحن لسنا على تواصل منذ مدة طويلة. طلبت سابقا بأن يتم فسخ العقد المبرم بيننا لكنهم رفضوا، فالتجأت لمدير المؤسسة السجينة الذي راسل بدوره الوكيل العام لجلالة الملك إلا أن هذا الأخير رد بكون ذلك ليس من صلاحياته.

أحب قراءة الروايات الفرنسية وغيرها، فأنا أقرأ كل شيء لتمضية الوقت، إلا أن مدير السجن أخبرني أنها غير متوفرة في المكتبة. لا يمكنني ممارسة الرياضة فأنا أعاني من آلام في ظهري ورجلي لكن ما يزعجني أكثر هو الحمى الدائمة التي لا تفارقني والآلام التي أحس بها على مستوى القلب، والتي تمنعني من الاستلقاء على جانبي الأيسر.

أنا أستحق عقوبة الإعدام، فأنا مذنب بدون شك. واعترفت بعد مواجهتي بالأدلة. أنا مذنب وأقر بذلك، لكن أخرجوني من العزلة وامنحوني حقوقي المشروعة. فقد كنت منضبطا طيلة هذه المدة، لم أثر أي مشكلة حتى أن كل الموظفين في السجن يسألونني لماذا أنا في السجن الانفرادي منذ مدة طويلة.

فحصني طبيب السجن، لكن المشكل أن طبيب السجن مكلف بنحو2000سجين

مضت أربعة شهور ولا شيء تغير. لقد تم نقلي من القنيطرة وأنا مستلق على سرير، إذ لم يكن بوسعي التحرك بسبب آلام في ظهري. فحصني طبيب السجن لكن المشكل أن الطبيب مكلف بنحو ألفي سجين. فكيف له أن يكون فعالا عند أدائه لعمله؟ كان يصف لي دواء غير فعال، وبعد فترة قصيرة من إحضاري إلى هنا تم نقلي إلى مستشفى خارج السجن ليفحصني طبيب اختصاصي وصف لي دواء يجب أخذه باستمرار وفحصا بالأشعة ثم حدد لي موعدا بعد شهر. مرت شهران على ذهابي للمستشفى وليس هناك جديد ولم أتمكن من معاودة الفحص.

رأيت الطبيب ربما ثلاث مرات منذ نقلي هنا، لكنني لم أتمكن من زيارة طبيب القلب بالقنيطرة. طبيب السجن أخبرني بضرورة مراجعة طبيب القلب خارج السجن من أجل الفحص بالأشعة، وقد انتظرت طيلة سنتين كي يسمح لي بالخروج، ولما تعذر علي إجراء الفحوصات بمدينة القنيطرة، وكان علي الانتقال إلى مدينة سلا، لم تسمح لي الإدارة بذلك.

ما يزعجني ليس الاعتقال، فأنا استحق الإعدام، لكن ما يؤرقني هنا هو العزل والسجن الانفرادي فأنا أتعذب نفسيا..

لقد سبق أن قرأت كتابا حول عقوبة الإعدام يناقش الكاتب من خلاله وضعية المحكومين، موضحا أن تلك العقوبة غير إنسانية وكيف يجب على الدولة أن تترك الأمل لأي شخص يدخل السجن...
كما رأيت، زنزانتي ضيقة جدا، ولا يمكنني الحصول على وسادة ولا أغطية ولا مذياع.

السجناء هنا صنفان، صنف يسمح له بالاختلاط والحق في الفسحة ساعة في الصباح وساعة في المساء، بينما الصنف الثاني لا يمكنه الاختلاط بالآخرين ولا يخرجون للفسحة إلا نصف ساعة صباحا ونصف ساعة أخرى مساء.

أنا لست فاقدا للأمل بتاتا، فعلى أي حال أنا أتقبل سجني، لكن ما يرهقني ويعذبني هو السجن الانفرادي...

زارني أشخاص من القنصلية الفرنسية ما بين سنة 1994 إلى سنة 2007 حيث كانوا يأتون في البداية شهريا، بعد ذلك كل شهرين وفي آخر المطاف أصبحوا يأتون في رأس السنة فقط حتى انقطعوا عن الحضور.

لقد كان لي أخوان وأخت، أخ أصغر مني بسنة واحدة، وأخت أكبر مني بينما ليس لدي أي خبر عنها ولا عن أخي الآخر. أبي كان جزائريا أما أمي فهي فرنسية من أصل بولندي، فلذلك ربما يسري في عروقي دم يهودي (يقولها مازحا)...لقد كان أبي من تيزي وزو يشتغل طباخا وقد هاجر إلى فرنسا في سن السادسة والعشرين ..ولدت وترعرعت في بلدية " لاكورنوف" la Courneuve بباريس، وقد ولدت بالمنطقة الإدارية العاشرة.

بخصوص ظروف التغذية هنا في السجن، الوجبات تقدم بين العاشرة صباحا والسادسة مساء..

كما قلت لك، أنا متقبل لفكرة سجني لكن لا يمكنني تقبل هذه الظروف... يمكنني الصلاة في زنزانتي، وحتى بالنسبة للصوم يمكنني الصبر على ساعات السحور المتأخرة...لكن العزلة يستحيل تحملها.

لقد راودتني أفكار انتحارية ... السبب الوحيد الذي يمنعني هو خوفي من الله عز وجل

أعرف أن عقوبة الإعدام لا إنسانية، لكن تطبيق العقوبة سيحد من معاناة كثير من المحكومين بالإعدام داخل زنازنهم. لقد رأيت الكثيرين ينتحرون، كما شاهدت بعيني من مات بعد إضرابه عن الطعام، وأنا بدوري قمت بذلك عدة مرات. لقد رأيت العديد من الحالات المؤثرة جدا...

بالطبع لقد راودتني أفكار انتحارية، خصوصا مؤخرا، حيث لا أستطيع حتى شم الهواء، السبب الوحيد الذي يمنعني هو خوفي من الله عز وجل.  لكنني أبقى بشرا، وفكرة الانتحار وتلك الأفكار لا تفارقني في بعض اللحظات.

هناك تطور على صعيد التعامل مع السجناء من طرف الإدارة مع أنه يبقى غير كاف في نظري... شكرا لحضوركم إلى هنا فهذا يمنحني إحساسا جيدا وأملا متجددا.

اقرأ المزيد