وصفه رفاقه في النضال بحكيم هيئة الإنصاف والمصالحة، رجل الاعتدال والحوار، رجل الوفاء والصدق، رجل الاجتهاد والتوفيق بين الأصالة والحداثة. رجل العلاقات الإنسانية الطيبة، الرجل الأنيق ودائم الابتسامة...
بهذا السيل من عبارات تنهلُ من قاموس الوفاء والاعتراف، أبَّن المجلس الوطني لحقوق الإنسان في وقفة تقدير وإخلاص ووفاء الراحل محمد مصطفى الريسوني، الذي غادرنا إلى دار البقاء يوم ثاني نونبر 2020، في لقاء تكريم نُظم عن بُعد، بسبب الظروف التي تفرضها الجائحة، مساء الجمعة 20 نونبر 2020.
هذا اللقاء، الذي ترأسته السيدة بوعياش، تميز افتتاحه بتلاوة نص رسالة التعزية الملكية لعائلة الفقيد، والتي قرأها السيد محمد كنون الحسني، باسم أسرة الفقيد وعن مؤسسة عبد الله كنون للثقافة والبحث العلمي.
رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، السيدة آمنة بوعياش، وهي تستعرض باعتزاز مسارات التقائها بالراحل في مضمار حماية حقوق الإنسان ببلادنا، تذكرت بفخر واعتزاز دوره الفاعل في مسار العدالة الانتقالية بالمغرب. مضيفة أن الراحل كان طيلة سنوات نضاله من أجل حقوق الإنسان قدوة للجميع في الاعتدال والصدق والصرامة الموضوعية، ملتزما بصلابة الحق في الحقوق الكونية وغير القابلة للتجزيء. مؤكدة، بحرقة، أن المجلس سيفتقد خبرة الراحل النظرية والعلمية في متابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة.
من جانبه أشاد السيد إدريس الضحاك، رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سابقا (1996-2002)، بوسطية الراحل مصطفى الريسوني وبحكمته. ومن بين ما تذكر من مكرمات الراحل أنه كان دائما من أول المتطوعين للدفاع عن المغرب في الداخل والخارج. دفاعه كان صادقا ونابعا من القلب دون أن تفارقه ابتسامته المعهودة حتى في أصعب المواقف. ليخلص قائلا "لم أره يوما منزعجا، كان دائم الابتسامة. وأظن أن ابتسامته سر نجاحه".
أما الأستاذ أحمد السراج، الرئيس السابق لهيئة التحكيم المستقلة للتعويض، فنوه بالدور الفعال الذي لعبه الفقيد في إرضاء الضحايا وإيجاد الحلول للقضايا المستعصية خلال عمله بالهيئة. كيف لا وهو قد تربى في بيت علم وفقه على يد خاله العلامة عبد الله كنون الذي أودعه مسؤولية مكتبته الغنية، يقول أحد أفراد عائلته. وسهر المرحوم حتى آخر يوم من حياته على إغنائها بأهم الكتب.
وبالنسبة للسيد مبارك بودرقة، عن لجنة متابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، فأشاد بالدور الفعال ل"شيخ الشباب" كما تعود أن يسميه، في السهر على متابعة تنفيذ توصيات الهيئة، وبمساهمته في تيسير عملية توزيع التعويضات على الضحايا وذويهم، مستعينا بذلك بثقافته الموسوعية التي شملت حتى العلوم الفقهية، إلى جانب خبرته القانونية والحقوقية. كما أن الفضل يرجع إليه في تسمية "هيئة الإنصاف والمصالحة" والخروج من مأزق التسمية في عهد الرئيس عمر عزيمان.
ومن جهته يرى السيد محمد ليديدي، العضو السابق في هيئة التحكيم المستقلة للتعويض، أن الراحل الريسوني ساهم بشكل كبير في إخراج قانون المحاماة، وكان من بين الداعين إلى ضرورة التوسيع الزمني لتحديد الانتهاكات وطي صفحة الماضي، كما أنه هو صاحب مفهوم "الاغتراب الاضطراري" الذي أطلق على ضحايا انتهاكات الماضي الذين اضطروا قسرا للاغتراب.
السيدة فريدة الخمليشي، رئيسة اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني، أكدت بأن المرحوم نذر حياته للمشاركة المواطِنة وخدمة قضايا حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني بتفان وإخلاص، وحماية حقوق ضحايا الانتهاكات بالسهر الدؤوب على تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، كما كان مواكبا لكل ما يستجد في مجال القانون وحقوق الإنسان ولا يتوانى في تقاسمه مع كل من يلتقي به.
وعن نضال الراحل في المجال الإنساني، يسجل له السيد محمد النشناش، عن جمعية دار الهناء للأطفال اليتامى المعاقين، أنه كان رئيسا لعدة جمعيات ونوادي بمدينة طنجة وقدم الكثير لتطويرها، لكن ما قدمه لجمعية الهناء يبقى استثنائيا، لأن الأمر يتعلق بأول جمعية تُعنى بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بالمغرب. مضيفا "كان يعرف أسماء كل أطفال دار الهناء ولا يفوت الفرصة ليجالسهم ويتحدث معهم رغم كثرة اهتماماته وتنقلاته إلى مدينة الرباط".
وبخصوص مساهمة الراحل في "الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب"، فقد أكد منسقها الدكتور محمد بنعجيبة أن حضور الراحل في اجتماعات الآلية كانت متعة حقيقة للجميع، ولم يكن يدخر جهدا لتطوير أداء الآلية وتنزيل خطتها على أرض الواقع حتى في ظروف الجائحة. "لقد كنا نشتاق لاجتماع جديد مع الأستاذ كلما انتهينا من اجتماع"، يقول عنه د. بنعجيبة بحرقة.
أما الرئيس السابق للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، السيد أحمد حرزني (2007-2011)، فذكر بأن الراحل يعتبر قاسما مشتركا بين مختلف المؤسسات والهيئات التي اشتغلت على مسألة العدالة الانتقالية والانتقال الديمقراطي ببلادنا، فهو من ركائز العدالة الانتقالية، نظرا لكونه كان عضوا في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وفي هيئة التحكيم المستقلة للتعويض، ثم عضوا في هيئة الإنصاف والمصالحة. واعتبر حرزني وفاة المصطفين، اليزناسني والريسوني خسارة كبيرة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان ولمسار تنفيذ ما تبقى من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة.
واختتم اللقاء، الذي سيره السيد المحجوب الهيبة، عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بدعوة رئيسة المجلس إلى ضرورة تظافر جهود الجميع لتخليد وحفظ ذاكرة هذا الحقوقي الكبير من خلال جمع فصول حياته في مؤلف يليق بما أسداه للمغرب في مختلف المجالات وضمان نقل فكره للأجيال التي لم تنل حظ معايشته.