أكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان أنه كلما بالغ القانون الجنائي في التجريم والعقاب خارج هذا النطاق كلما ضيق من مجال الحرية، وفتح، في ذات الوقت، المجال للتطبيقات السيئة والتمييزية والانتقائية لمقتضياته، ولإفلات بعض دون بعض من العقاب.
وأبرز المجلس، الذي مثله السيد مصطفى الناوي، مدير الدراسات، خلال اليوم الدراسي الذي نظمه فريق العدالة والتنمية بمجلس المستشارين، في 13 نونبر 2019، حول موضوع "مشروع القانون الجنائي والتعديلات الجديدة أية فلسفة جنائية لأي واقع اجتماعي؟ "،أن القانون الجنائي وتعديله يكتسيان أهمية بالغة في بلادنا بل إن النظر المتجدد والمنفتح فيهما يشكل حاجة ملحة وضرورة لا مندوحة عنها بالنسبة لكل مشرع حريص على مواكبة التحولات التي يعرفها مجتمعه، والتغييرات التي تعرفها القيم وأنماط السلوك والعلاقات الاجتماعية بارتباط مع هذه التحولات وتحت تأثير التفاعلات مع مجتمعات وثقافات أخرى. فبفضل هذا النظر المتجدد والمنفتح تكون التشريعات معاصرة لعصرها وموافقة لزمانها ومستجيبة لراهن المعنيين بها.
وأضاف أن القانون الجنائي هو القانون الأساسي، بعد الدستور القائم من حيث فلسفته وعلة وجوده على حماية الحقوق والحريات. إذ أنه لا يجرم بعض الأفعال ويعاقب عليها إلا لحماية حقوق أو حريات تشكل تلك الأفعال تعديا عليها أو حرمانا أو انتقاصا منها.
وأشار السيد الناوي أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بوصفه مؤسسة وطنية مستقلة ذات ولاية عامة في مجال حماية الحقوق والحريات والنهوض بها، يولي اهتمامه للتشريع الجنائي بعامة وللقانون الجنائي بخاصة، ويواكب العمل التشريعي بشأنه وبشأن القوانين المعززة له أو الداخلة في نطاقه أو الملحقة بمتنه.
مذكرا في هذا السياق أن المجلس سبق له أن أنجز "دراسة حول ملاءمة مشروع القانون الجنائي مع المبادئ والقواعد المعتمدة في منظومة حقوق الإنسان". وأبدى الرأي بطلب من السيد رئيس مجلس النواب سنة 2016 بخصوص مشروع القانون 10.16. ولم يكتف بذلك، يضيف، بل ارتأى، في ضوء بعض التحولات والقضايا التي تعرفها بلادنا وفي ضوء توصيات الأجهزة الأممية، أن يبلور مذكرة تكميلية للرأي المعبر عنه سابقا. ومما يساعد على ذلك، كون المشروع مازال معروضا للنقاش وكون البرلمان بمجلسيه ما انفك يتلقى برحابة صدر ملاحظات المجلس وتوصياته. وبالإضافة إلى ذلك فإن المجلس يشارك في شتى النقاشات العمومية المفتوحة حول الموضوع سواء تعلقت بالقانون الجنائي ككل أو بجوانب محددة منه، متوخيا من وراء ذلك كله الارتقاء بالتشريع الجنائي بما يجعله يستوفي أسباب الأمن القانوني، ومن ثم، توفير شروط الطمأنينة الاجتماعية والتلاحم الاجتماعي وفي ذات الوقت الوقاية من الجريمة ووضع حد لكل إفلات من العقاب.
وأكد أن المجلس ينطلق في ملاحظاته وتوصياته من المقتضيات الدستورية التي أقرت مبادئ أساسية في موضوع التشريع الجنائي ومن المبادئ والمعايير الدولية ومن الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة المغربية ومن الملاحظات والتوصيات التي تقدمها الأجهزة الأممية إلى المملكة بمناسبة مناقشة بعض التقارير أو في إطار الإجراءات الخاصة، كما أنه ينفتح على الاجتهاد القضائي الدولي والأجنبي وينهل من التجارب الفضلى عبر العالم.
والخلاصة أن توصيات المجلس وملاحظاته بخصوص القانون الجنائي وتعديلاته تعكس اهتمامه بالتحولات الاجتماعية والثقافية والقيمية العميقة والهامة التي يعرفها المجتمع المغربي، حاجة القانون الجنائي الذي أوشك أن يكمل الستين من العمر والذي لم تنل التعديلات المتعاقبة المدخلة عليه، ومن ضمنها تعديلات جوهرية هامة حقا، من فلسفته وبنيته ولغته وعدد من مقتضياته، إلى تعديلات جوهرية تؤهله لمواكبة الزخم الديمقراطي الذي تعرفه بلادنا.
جدير بالتذكير أن تنظيم هذا اللقاء الدراسي يأتي بالنظر للأهمية الاستراتيجية للقانون الجنائي باعتباره المحدد الرئيسي للفلسفة المؤطرة للمجتمع في ما يتعلق بتحديد الجرائم ونظام العقوبات، في إطار سياسة جنائية معينة ووفق مساطر إجرائية محددة، تسعى للمحافظة على الحقوق والحريات من جهة، بالموازاة مع ردع الجريمة وتحقيق أمن الأشخاص والمجتمع من جهة أخرى.
ويتوخى اللقاء أيضا توسيع النقاش في هذا الموضوع من خلال الانفتاح على الفاعلين المؤسساتيين المعنيين بتنفيذ السياسة الجنائية أو مراقبتها، وعلى الخبراء الأكاديميين وعلى الممارسين داخل أروقة المحاكم، فضلا عن الفاعلين المدنيين.