شددت السيدة آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، على ضرورة التعاطي مع الاشكاليات الجديدة لحقوق الانسان بالفكر بحيث أبرزت أنه " لم يعد، بالإمكان التعاطي مع قضايا حقوق الإنسان، باعتبارها مجرد قضية ضمير أخلاقي أو عمل نضالي (...) بل يتطلب تدبيرها والتعاطي معها فكريا وميدانيا حدا أدنى من المعرفة، ليس فقط في المجالات ذات الصلة المباشرة بمجال حقوق الإنسان من شرعة دولية وآليات واجتهادات، بل أيضا بقضايا تنتمي لمجال التاريخ والفكر السياسي والتاريخ الثقافي والديني".
وأكدت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان خلال مشاركتها في أولى ندوات الجامعة المواطنة حول "حقوق الإنسان بالمغرب" يوم السبت 4 يناير 2020 بالمدرسة العليا للتدبير (HEM)، أن الفاعلين في مجال حقوق الإنسان يواجهون إشكاليات جديدة من حيث أنماطها وتداخلها مع عناصر خارج نطاق النصوص القانونية ومسؤولية السلطات. فعلى سبيل المثال، من الصعب إخضاع الأشكال الجديدة لحرية التعبير لمقتضيات قانونية سواء للحد من انتشارها أو تقييدها. وفي هذا السياق أبرزت السيدة بوعياش أن "شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت أرضية للتداول والتوافق والتعبئة (...) وأضحت مرتعا dépositaire لحرية التعبير والتعابير العمومية التي تبتدئ بالتداول الافتراضي وتتطور لفعل عمومي يسائل السياسة العمومية." وأضافت أن "هذا النموذج الناشئ للحريات العامة، ينمو بوتيرة سريعة، ويتطلب بالضرورة آليات للتفاعل والحوار من طرف السلطات العمومية".
وفيما يخص مسألة فعلية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أشارت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى أن جل الفاعلين المؤسساتيين وغير المؤسساتيين يؤكدون على أن الفجوة بين الجهود المبذولة والنتائج الملموسة لا تزال كبيرة وأن هناك غيابا للتكامل والإجماع والالتقائية وتقارب الرؤى وتضافرها وتكاملها والتنسيق في تنفيذ البرامج التنموية مما أدى إلى تشتت الجهود التنموية لبلادنا، مؤكدة أن الحكامة الجيدة تتطلب التقاء في الرؤى والتخطيط الاستراتيجي.
ففعلية الحقوق والحريات، لا تقتصر على مُسَاءَلة القوانين وتقييم قدرتها على تغيير الواقع وتيسير ولوج المواطنين إلى الحقوق والحريات الإنسانية الأساسية وحسب، بل تُولي كذلك اهتماما للعوامل غير القانونية extra juridique، وخاصة منها العوامل المرتبطة بالشروط السوسيو اقتصادية والثقافية والبيئية المتعلقة بخلق الثروة وتوزيعها. وفي هذا الإطار، أكدت السيدة بوعياش أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يعتزم الترافع بفعالية حول هذه الرؤيا، من أجل مقاربة تشاركية تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المجالية لكل منطقة وتضع المواطنات والمواطنين في قلب دينامية مبتكرة ومثمرة تقود إلى تعاقد اجتماعي جديد يعتمد ثلاثة مبادئ توجيهية: تعزيز الحريات بما لا يخل بالمساواة والعدالة، واحترام سيادة القانون، وترسيخ قواعد الحكامة الجيدة.
في نفس السياق وفي إطار التحديات المتعلقة بالمشاركة الديمقراطية، دعت آمنة بوعياش إلى ابتكار أدوات جديدة للفعل والتعبير والمبادرة؛ لا تحتكم لعملية انتخابية كل أربع أو خمس سنوات، بل قادرة على توسيع نطاق الحوار الدائم والمستمر بين مختلف الفئات الجديدة المؤثرة والنخب التي توجهها. كما أكدت كذلك على أن المغرب مُطالب اليوم بوضع ميثاق اجتماعي جديد يتم إعداده على المستوى المحلي والقطاعي والجهوي، وفق مقاربة تشاركية.