دعا المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تقريره السنوي عن حالة حقوق الإنسان بالمغرب برسم سنة 2021 إلى اعتماد المواثيق الدولية والمعايير الناشئة، ومنها التوصية الخاصة بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي لمنظمة اليونيسكو المعتمدة سنة 2021، عند إعداد وتحيين القوانين والسياسات العمومية ذات الصلة.
ويعتبر التقرير أن التكنولوجيا الرقمية توفر إمكانات كبيرة لتعزيز الديمقراطية ومشاركة المواطنين، غير أنها يمكن أن تكون أيضا أداة للمس بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. وعلل المجلس موقفه هذا بكون الولوج إلى الأنترنيت أصبح حقا من حقوق الإنسان كما أضحى الولوج إلى منصات التواصل الاجتماعي الرقمية واستعمالها من أدوات التمتع بهذه الحقوق، لدرجة أن استعمال هذه المنصات أصبح في جوهر النقاشات الحقوقية الدولية والدفع باعتبارها خدمة عمومية ومؤشرا لقياس مدى ضمان الحريات.
الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان:
ولاحظ التقرير أن استخدام الذكاء الاصطناعي في علاقته بحقوق الإنسان أصبح يطرح عدة تحديات، استنادا إلى التأثيرات المحتملة لبعض الاستخدامات وحتى الانتهاكات المحتملة للحريات والحقوق الأساسية. وفي هذا السياق، سجل المجلس مجالات التأثير التالية: الخصوصية وحماية البيانات الشخصية؛ حرية التعبير؛ الحق في المشاركة في العمليات الديمقراطية؛ ثم الحماية من التأثير على الأشخاص وتضليلهم.
ومساهمة منه في النقاش العمومي حول موضوع الذكاء الاصطناعي، حدد المجلس الوطني لحقوق الإنسان أربعة محددات أساسية، وهي: الدفع بالتطور التكنولوجي واستخدامات الذكاء الاصطناعي بالمغرب، وفق مقاربة قائمة على حقوق الإنسان تستحضر قيم المجتمع الديمقراطي؛ دراسة آثار استخدام وتطوير الذكاء الاصطناعي على حقوق الإنسان ومعالجتها؛ مساءلة الفاعلين المعنيين فيما يتعلق باستخدامات الذكاء الاصطناعي؛ التمتع بالإمكانيات والفرص والمنافع التي يوفرها استخدام الذكاء الاصطناعي، في احترام تام لحقوق الإنسان.
وتفعيلا لتوصياته الواردة في تقريره السنوي 2020، أطلق المجلس سنة 2021 مشاورات وطنية حول الذكاء الاصطناعي وتأثيرات استعمالاته المحتملة على حقوق الإنسان، حيث عقد في شهر أبريل ندوة عن بعد، حول "الذكاء الاصطناعي والمواطنة الرقمية"، كما نظم ندوة دولية في دجنبر من نفس السنة، ساهم فيها خبراء مغاربة ودوليون رفيعو المستوى من أجل مقاربة المعايير والمبادرات الدولية الناشئة في المجال، توجت باعتماد إعلان الرباط حول "الذكاء الاصطناعي والمواطنة الرقمية: من أجل ذكاء اصطناعي يحترم حقوق الإنسان". وتندرج هذه المشاورات وغيرها في سياق انشغال المجلس بتخويل الخوارزميات وميكانيزمات الذكاء الاصطناعي صلاحيات اتخاذ قرارات يمكن أن يكون لها تأثير أو تأثيرات على حياة الإنسان.
الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا والجائحة:
في سياق الأزمة الصحية المرتبطة بتفشي جائحة كوفيد 19، تابع المجلس الوطني لحقوق الإنسان إنشاء مجموعة من التطبيقات الالكترونية، كتطبيق "جواز التلقيح" أو "الجواز الصحي". ورغم حصول هذه التطبيقات على ترخيص اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، فإن المجلس يعتبر في تقريره أن حماية حقوق الإنسان يجب ألا تقتصر فقط على حماية المعطيات الشخصية، معبرا عن انشغاله بخصوص توضيح الإطار القانوني لإحداث هذه التطبيقات.
وفي هذا الإطار، اقترح المجلس وجوب استحضار هذه التطبيقات مبادئ حقوق الإنسان ذات الصلة (الشرعية، المشروعية، الضرورة، التناسب، عدم التمييز، إلخ)، وضرورة مراعاة مبادئ حقوق الإنسان عند التصميم وإجراء مرحلة تجريبية ونشر المعطيات بشكل لا يسمح بالتعرف على الأشخاص لأغراض البحث العلمي، ودراسة الآثار المحتملة على حقوق الإنسان قبل الاستعمال وأثناءه. كما دعا إلى ضمان شفافية الخوارزميات في علاقتها مع حماية حقوق الإنسان والقبول الواعي والمستنير للاستعمال وشروطه من طرف المستخدمين والضمانات المتعلقة بالمدة الزمنية للاستعمال والاحتفاظ بالمعطيات، بالإضافة إلى الإخبار والتواصل والإرشاد بشكل مستمر.
وبما أن ممارسة الحقوق والحريات لم تعد تقتصر على الفضاء الكلاسيكي العام، يوصي المجلس بتطوير قوانين جديدة تعزز الحماية القانونية للحقوق الممارسة على الفضاء الرقمي واعتماد استراتيجية رقمية وطنية ترتكز على احترام معايير حقوق الإنسان وتعزز الولوج المتكافئ والميسر لهذه الوسائل الجديدة دون تمييز مع إجراء تقييمات مستقلة للأثر على حقوق الإنسان، إلخ.