نشر في

احتفاء باليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، يبادر المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ابتداء من 10 أكتوبر 2022، بنشر شهادات لعدد من المحكومين بعقوبة الإعدام، بهدف إطلاع الرأي العام على أوضاع هذه الفئة وملامسة بعض القضايا والإشكالات التي تطرحها هذه العقوبة القاتلة من الناحية الحقوقية والإنسانية، وذلك بإعطاء الكلمة للذين يترقبون الموت على أمل أن يتم الحفاظ على حياتهم.

ويثمن المجلس العفو الملكي السامي من عقوبة الإعدام الذي استفاد منه أربعة محكومين بالإعدام، من بينهم سيدة، سنعرض فيما يلي شهادتها في إطار الشهادات التي سيقوم المجلس بنشرها على التوالي:

ابنتي لحد الساعة لا تعرف لماذا أنا هنا...لكن على أية حال نحن لا نتحدث في هذه الأمور فلم يسبق لها ان سألتني


السيدة ح. ل من مواليد سنة 1956، مغربية الجنسية، غير متعلمة، متزوجة وأم لطفلة واحدة، مهنتها عاملة مداومة، تم اعتقالها بتاريخ 4. 4. 2015 حيث وجهت لها تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد والتمثيل بالجثة وارتكاب عمل من الأعمال الوحشية عليها، وطبقا لذلك أصدرت محكمة الاستئناف بطنجة عقوبة الإعدام في حق السيدة ح.ل في تاريخ 7. 7. 2015 كما تم تأييد الحكم المستأنف في جميع ما قضي به مع تحميل الصائر دون إجبار.


أتيت إلى طنجة مؤخرا...أنحدر من شفشاون، نحن سبعة إخوة، أغلب أفراد عائلتي فلاحون
أنحدر من مدينة شفشاون، حيث تتواجد عائلتي هناك… نحن سبعة إخوة، وأنا الصغرى بينهم... أختي التي تقطن في طنجة هي من يزورني باستمرار، فنادرا ما تأتي أختي التي تقيم في الجبل لتراني هنا … أغلب أفراد عائلتي فلاحون ... لقد أتيت الى طنجة مؤخرا...

لقد كنت متزوجة برجل أكبر مني في الشاون حيث سبق له الزواج ولديه أبناء متزوجون بدورهم، وتوفي بعد فترة فقد كان طاعنا في السن، ثم أراد أخوه أن يبيع المنزل الذي نقيم فيه أنا وابنتي، فحملتها وجئنا عند أختي التي تقيم هنا في طنجة ...في غضون شهر من وصولي، تعرفت على جارة أختي التي اقترحت علي يوما أن أرافقها  لزيارة أرض سبق أن اقتنتها من قبل في إحدى المناطق المجاورة للمدينة، وبعد تناولنا وجبة الغذاء خرجنا للتسكع قليلا في المكان فلمحت بقعة الأرض الفارغة التي اشتريتها بعد ذلك، حيث استطعت توفير بعض المال الذي حملته معي من الشاون ... لقد كنت أنوي القيام ببناء منزل صغير أتملكه للعيش فيه بسلام أنا و ابنتي دون مصاريف كراء...

المهم بعد انتقالنا الى المنزل الجديد، بدأت البحث عن عمل كي أؤمن لقمة العيش لنا نحن الاثنتين، فوجدت وظيفة في أحد المعامل حيث كانت تعمل معي زوجة أخ الضحية، التي طلبت مني أن أتوسط للسيدة التي قتلتها بهدف تشغيلها بنفس المصنع، نظرا لكوني أقدم العاملات فكلفني المدير باستقطابهن للعمل ...

بعد مدة قصيرة زارتني الضحية في منزلي حيث جاءت هي وزوجة أخيها، وأصروا على أن أرافقهن عند مدير المعمل لكي نطلب منه أن يقوم بتشغيلها. على أي كان لهم ما أرادو، لكن بعد عملنا معا نشب خلاف بيننا فاتفقوا بينهم وكادوا لي مكيدة مع المدير الذي لم يتوانى عن تأنيبي والصراخ في وجهي مرات عدة بسببهن، فقررت أن أترك العمل وأذهب لمصنع آخر ... بعد انتقالي لعملي الجديد بفترة وبينما كنت عائدة إلى منزلي قابلت المدير صدفة فألقى علي التحية واعتذر لي لما بدر منه، ثم أخبرني أنه مستعد للتخلي عن الضحية بهدف أن أعود للعمل في المصنع، فاستطاع إقناعي بالفكرة ورجعت للمعمل...

كانت الأمور على حالها المعتاد ولا شيء تغير، ففي كل مرة تدبر لي المعنية  بالأمر، هي و زوجة أخيها مشكلة كي يوبخني المدير، أما أنا فكنت أتحلى بالصبر لكي أعيل ابنتي، كما كنت خائفة أن يصيباها بمكروه، حيث كانت تبقى وحدها عندما أكون في العمل ... في أحد الأيام أرادت الضحية أن تشتري مني فرنا كان بحوزتي فطلبت زوجة أخيها ذلك وقلت لها أن تدعوها للمجيء لمنزلي لكي تتمكن من أخذه، و بعد مدة قصيرة قابلت الضحية  في حيي فسألتها إن كانت لازالت ترغب في اقتناء الفرن فقالت لي إنها مهتمة بذلك، ثم دخلنا إلى منزلي حيث  رآنا بعض الجيران ... بعد أن أغلقت الباب قلت لها أنه يجب علينا التحدث قبل أن تأخذ الفرن فوقفت مصدومة أمامي حيث كانت تعرف نوعية الخلاف الذي بيني و بينها...

على أية حال أنا لم أتعمد قتلها فقط كنت أنوي أن أعاقبها لما قامت به بعد أن ساعدتها على العمل في المصنع لكنها أنكرت جميلي، فضربتها ضربة واحدة بعمود صلب على رأسها، انهارت على إثرها وسقطت على الأرض جثة هامدة، لم يكن بوسعي التفكير إلا في إخفاء جثتها فقد كنت فاقد لوعيي حينها بسبب هول الموقف حيث قطعت جثتها بسكين كان في مطبخي ووضعتها أكياس بلاستيكية وقمت برميها من أعلى قنطرتين مختلفتين...

بعد عودة ابنتي من المدرسة، سألتني عن سبب عدم ذهابي للعمل وعن عدم تحضيري للغذاء، ففي ذلك اليوم كانت تحس بي مصدومة وعلى غير عادتي، أما أنا فكنت أفكر طيلة الوقت في ماذا سأفعل بعد أن قمت بأفظع خطأ في حياتي، المهم بعد ذهابي إلى عملي في اليوم الموالي أخبرتني إحدى الزميلات أن رجال الدرك عثروا على جثة الضحية في أحد المواقع بالقرب من المصنع، وبعد التعرف على هوية صاحبة الجثة أتى رجال الدرك للتحقيق معي فرافقتهم إلى جميع الأماكن، حيث تم العثور عليها بينما كانوا يطرحون علي مجموعة من الأسئلة، ثم عادوا بي إلى منزلي و كان برفقتهم كلب، حيث ركض هذا الأخير حتى وقف أمام الباب وشرع في النباح...

ثم طلبت من الضابط أن أبقى حتى تأتي ابنتي من المدرسة كي لا تصدم بوجود الشرطة فوافق وأخذ معه بطاقتي الوطنية ثم غادروا، فحملت ابنتي وأخذتها عند أختي التي ائتمنتها عليها أمانة في رقبتها ثم رحلت، كانت أول فكرة تجول في خاطري هي أن أجد وسيلة لكي أتمكن من شنق نفسي فقد كنت جد نادمة على ما اقترفت يداي، وفي آخر لحظة تدخل إبن أختي وأقنعني بأن لا أنتحر وأن ما وقع لي ليس إلا قضاء وقدرا ... فبينما كنت أعدل عن فكرتي اقتحمت الشرطة منزلي وقامت بحجزي تحت الحراسة النظرية وبدأ التحقيق معي.

في إحدى اللحظات طلب مني الظابط المكلف بالتحقيق إخبارهم إن كان هنالك شريك لي في الجريمة، وعموما كانت معاملتهم عادية فقد اعترفت لهم منذ البداية بجريمتي ... وكانت معاملة رجال الشرطة عموما حسنة فقد كانوا يسمحون بولوج الطعام لي وأنا تحت الحراسة النظرية حتى أن أحدهم كان يحاول المزاح معي للتخفيف من الضغط، ولا أحد منهم أخبرني أنني مهددة بحكم الإعدام.

لقد استغرقت محاكمتي جلستين في الحكم الابتدائي ومثلهما في الاستئناف، أما بالنسبة للمساعدة القضائية فلم أعلم بوجود المحامي حتى آخر جلسات الاستئناف… لم أرى المحامي إلا في آخر جلسة في الاستئناف حيث نصحني بالتحدث إلى القاضي لكي يتمكن من الترافع نيابة عني...

حتى لو سألني القاضي، أنا لم أكن أجيب …لم أستطع الكلام لأنني مهما دافعت عن نفسي لن أستطيع تبرير فظاعة الجريمة ...لقد كنت مصدومة وذاهلة، فقد كنت أظن أن عقوبتي ستكون ثلاثين سنة ولم أتخيل حكم الإعدام حينها …

لقد كانت الشهور الأولى لدخولي السجن جد صعبة، فقد أحسست بصداع في رأسي ولم أتمكن من النوم طيلة عدة أيام، فارتأت الإدارة أن تحملني إلى الطبيب ... بخصوص وضعي الصحي داخل المؤسسة السجينة أعاني من آلام في ظهري، وعتامة في عيناي، حيث سبق أن فحصني الطبيب ووصف لي نظارات طبية لكن بعد أن كسرت لم أتمكن من الحصول على أخرى ...

أتصل بعائلتي بواسطة هاتف السجن، بينما أختي تزورني من فترة لأخرى وتساعدني على قدر استطاعتها، عموما تتراوح مدة المكالمة بين سبعة وعشرة دقائق، ويمكننا استعمال الهاتف ثلاث مرات خلال الأسبوع، أما الزيارة فتكون يوم الجمعة فقط... 

أعاني من مشاكل نفسية وأتناول دواء للأعصاب وصفه لي الدكتور "ح" داخل السجن، حيث تعطيني الممرضة ثلاث حبات يوميا على الساعة الخامسة مساء ... زرت الطبيب خارج السجن مرة واحدة، عندما ذهبت عند طبيب العيون ...

علاقتي مع باقي السجينات على العموم الأمور على ما يرام. لكنني غالبا ما أتنازل على حقوقي حتى أحافظ على استقرار علاقتي بهن... لكن ذلك غير مهم فلو كنت تنازلت عن حقي من قبل لما وجدتني اليوم في السجن.

ابنتي لازالت مصدومة بفعل الواقعة، فقد انقطعت عن دراستها وهي في المستوى الرابع ابتدائي لكن بفضل دعم الجمعية ودعم أختي تم إرجاعها لدراستها... كل ما أتمنى لها هو مستقبل مشرق فأنا أعيش قدري ولن أنفعها في شيء، أرجو منها فقط أن تحاول نسياني وإقناع نفسها بأن أمها ماتت، فخالتها الآن تحل محلي فقد ربتها منذ أن كان عمرها عشرة سنوات... ابنتي لحد الساعة لا تعرف لماذا أنا هنا أو لماذا أسجن، ربما قد تخفي علمها بذلك لكن على أية حال نحن لا نتكلم في هذه الأمور فلم يسبق لها أن سألتني ...

لقد جددت بطاقتي الوطنية، لكنني لم أطلب العفو فقد كنت أنتظر أن تمر فترة على إصدار الحكم النهائي... لقد تلقيت دروسا في محاربة الأمية، وتكوينا في الحلاقة والخياطة…

مؤخرا كنت عصبية قليلا، ولذلك كنت أفكر في طلب الانتقال إلى سجن آخر، لكن بعد أن أمعنت التفكير، ارتأيت أن أبقى فليس هناك من سيرافق ابنتي لزيارتي في السجن إن كان بعيدا ...

لي منزل في ملكيتي، هناك بعض المشاكل مع المكتري الذي أجرت له منزلي أما بالنسبة للنصف الثاني من المنزل فهو مشمع من طرف السلطات.. بالنسبة لوضعي داخل المؤسسة فالمدير يعاملني معاملة جد حسنة، لكم هناك من الموظفين من يسيء التعامل مع السجينات، فإحداهن كانت تقسو علي لكنها رحلت الآن.

اقرأ المزيد