احتفاء باليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، يبادر المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ابتداء من 10 أكتوبر 2022، بنشر شهادات لعدد من المحكومين بعقوبة الإعدام، بهدف إطلاع الرأي العام على أوضاع هذه الفئة وملامسة بعض القضايا والإشكالات التي تطرحها هذه العقوبة القاتلة من الناحية الحقوقية والإنسانية، وذلك بإعطاء الكلمة للذين يترقبون الموت على أمل أن يتم الحفاظ على حياتهم. وفيما يلي الشهادة الثانية التي يقدمها المجلس في إطار مجموع الشهادات التي يقوم بعرضها.
يذكر أن هذه الحالة قد استفادت من العفو الملكي، حيث تم تحويل عقوبة الإعدام الصادرة بحقه إلى السجن المؤبد سنة 2019.
لكي أجري مكالمات هاتفية، أبيع اللحم وغيره من المساعدات لأقتني تعبئة الاتصال من مالي الخاص"
السيد ش.ع من مواليد سنة 1943 مغربي الجنسية، متزوج وبدون أطفال، لم يتلق أي تعليم طيلة حياته بينما عمل كبائع متجول، تم اعتقاله بتاريخ 11.3.2006 حيث وجهت له تهم: لقتل خمسة أشخاص عمدا مع سبق الإصرار والترصد، ارتكاب أعمال وحشية في حق الضحايا،محاولة قتل ثلاثة أشخاصعمدامع سبق الإصرار والترصد، العصيان وإهانة موظفين أثناء قيامهم بمهامهم وتهديدهم بواسطة السلاح الناري، الهجوم على مسكن الغير بالكسروالقتل بدون نية إحداثه ، محاولة قتل رجال الدرك واحتجاز شخصين وحبسهما بدون إذن من السلطات المختصة، وبناء على ذلك تمت مؤاخذته على جميع التهم المنسوبة إليه، حيث أصدرت محكمة الاستئناف بالناظور حكمها بعقوبة الإعدام في تاريخ 14.11.2007 كما أيدت القرار الجنائي المستأنف بالإعدام بتاريخ 24.11.2008.
لقد سبق أن زارني وفد من المجلس الوطني لحقوق الإنسان ... كان ذلك قبل عامين.أعاني من ألم في ظهري، وصف لي الطبيب حزاما يساعد على تخفيف آلام الظهرودواء آخر اقتنيته من صيدلية السجن، لقد فقدت شهيتي ولم أعد أقوى على الأكل منذ أكثر من شهرين...لم أستطع الصيام...كان ذلك قرارا شخصيا...
جريمتي كانت في حق أخي الشقيق، حيث أراد أن يطلقني من زوجتي التي عاشت معي الحياة بحلوها ومرها، لكي أتزوج بامرأة أخرى تقطن في المدينة، فكيف لي أن أنسى زوجتي الريفية التي كانت تحمل الحطب على ظهرها لتعينني على لقمة العيش وأتزوج بغيرها من المدينة. كنت دائما أسأله عن مصدر المشاكل القائمة بينه وبين زوجتي وإن كانت أخطأت في حقه، لكنه كان ينفي وجود أي مشاكل ومع ذلك أصر على أن أُطلقها ...
كنا نقطن في نفس المنزل بالبادية، لمدة سبعة أشهر وأنا أحاول إقناعه أن يعدل عن فكرته لكن دون جدوى، وبعد فشل كل محاولاته لإجباري على الطلاق، كلف أحد الأشخاص ليغتالني مقابل مبلغ مالي سيدفعه له، آنذاك انعدمت ثقتي في الجميع، وكنت خائفا من أن يتم قتلي ... في ذلك اليوم كنت سأسافربعد صلاة الصبح، لكن عندما أخبرت والدتي بذلك أضحت خائفة من اغتيال أخواتي لها، وهذا ما شجعني للعدول عن فكرة السفر، لحسن حظي أنني لم أسافر...حصل ذلك في منطقة " الدريوش"...
في صباح ذلك اليوم، وعندما خرجت من منزلي، لاحظت أنهم يراقبونني ناحية الطريق، فتفاجؤوا بمكوثي في الدوار وعدم سفري...بالمناسبة فالشخصين أمازيغيين، أحدهم وضعه أخي حارسا على منزل أبي حيث نقطن، والآخر كان يعمل عند عمي يرعى له ماشيته، أما أخته فكانت متزوجة بالذي يعمل حارسا عندنا ... في ذلك اليوم أمضيت وقتي كله أراقب حارسنا الذي كان متأخرا على موعد عودته، حيث أنه لم يعد حتى حلت وقت الظهيرة، عندها سألته حول سبب تغيبه طيلة الصباح، فأجابني بأنه كان في رحلة صيد هو وصهره، ثم سألته مرة أخرى عن حصيلة صيدهم، فأجاب حينها بأن صيدهم لم يكن موفقا...
كنت أقول في قرارة نفسي أنني أنا من كان فريستهم. من الصعب تقبل الأمر لكن للأسف هذا هو الواقع، كان ذلك في يوم السبت وكان أخي في السوق فذهبت إليه وقتلته بواسطة بندقية تقليدية كانت بحوزتي حيث حصلت عليها من أحد الصناع التقليديين...أنا كذلك كنت سأموت في الخلاء لتقتات من جثتي الحيوانات دون حتى أن أحظى بجنازة، ولم يكن سيعلم أحد بأمري، على أي حال الحمد لله فهذا قدري ...
لقد ازددت وترعرعت هنالك، كما أنني أملك منزلا في "الدريوش" التي أصبحت عمالة الآن، حيث كانت بلدية الدريوش قبل أن أدخل السجن تابعة لعمالة الناظور. لم يسبق لي أن ارتدت المدرسة...كان لي أربعة إخوة أشقاء وخمسة إخوة آخرون من جهة الأب، حيث كان والدي متزوجا بامرأتين، كان لي شقيق مات في فترة موت الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله والآخر الذي قمت بقتله وأختان إحداهما ماتت بعد أن دخلت السجن، وقد كانت الوحيدة التي تشفق علي وتزورني هنا، أما بالنسبة لإخوتي من أبي فكلهم مغتربون في الخارج ...
كنا نعمل في الفلاحة والتجارة وغيرهما، كل في مجال معين...كنت أبيع الثوم، أتجول بين الدواوير وأعرض بضاعتي لكي أكسب عيشي ...تزوجت مرتين، الزوجة الأولى مكثت معي ستة عشرة سنة، لم نحظى بأطفال، أما بالنسبة لزواجي الثاني فقد مر عليه بدوره ستة عشرة سنة تقريبا حتى الآن، لم ننجب أطفال...بالنسبة لعلاقتي حاليا مع العائلة، فقط أختي التي ماتت وحدها من كانت تزورني باستمرار أما الآن فابنتها هي التي تتواصل معي، فقد كانت تزورني ما بين الفينة والأخرى... كنت أنتظر زيارتها في العيد، لكن للأسف لم تتمكن من زيارتي...
زوجتي بدورها كانت متورطة معي في الجريمة، فقد قتلت طفلين من أبناء أخي... في نفس الوقت الذي نفذت فيه جريمتي...لا أتذكر جيدا، ربما أحدهم كان في عامه الخامس وأخته كانت تبلغ ست سنوات. لقد حكم عليها كذلك بالإعدام... هي ربما في وجدة، أو في سجن آخر لا أتذكر إسمه...سبق وأحضروها إلى هنا، لكن إخوتها طالبوا بترحيلها إلى سجن آخر في وجدة حيث يقطنون...عندما كنت في الناظور، كنا نتقابل أحيانا في مصحة السجن أو في غيرها أما الآن فلم أعد أراها …لا أفكر في ذلك ولا أريد حتى تذكره...
قبل دخولي السجن، كانت أحوالي على ما يرام، الحمد لله لم أكن أحتاج لشيء...علاقتي بأخي كانت عادية...لم أفهم ما وقع...لا أعرف ربما سحر أو غيره... لقد كان أكبر مني بسبع سنوات... فعمري خمسة وأربعون سنة حيث ولدت سنة 1943...
بالنسبة لمحاكمتي، فقد طلب مني إن كان بوسعي تعيين محام لكن لم يكن باستطاعتي فعل ذلك، ولهذا السبب لم يدافع عني أحد ...على العموم، لا جدوى من ذلك، فالقاضي هو من يصدر الحكم وكنت أقول آن الأوان...فليحكم بما شاء، إذ اعترفت في التحقيق عند الدرك وأمام المحكمة...لقد سلمت نفسي للدرك يوم الأحد بعد أن قتلته يوم السبت، وبعد البحث التمهيدي معي، أحلت على المحكمة ثم إلى السجن، وبعد مرور ثلاث سنوات حكم علي بالإعدام...
حاليا ماذا عساي أقول، حياتي كما تراها، فأنا أعاني الكثير من المشاكل الصحية والنفسية. خصوصا على مستوى ظهري الذي يؤلمني كثيرا، كما أنني أعاني من فقدان شهية الأكل... في جل الأوقات أظل فقط جالسا في زنزانتي أمام تلفازي، فقليلا ما أتجول في السجن...أخرج إلى الفسحة لأتمشى أحيانا، لكنني أكون أكثر راحة في وضعية الاستلقاء على الظهر بسبب آلام الظهر في وضعية الجلوس.
لقد سبق وأعطاني بعض الأشخاص في الناظور الكثير من الملابس ... فقد سلبني أبناء أخي كل ما أملك ...ولاأحصل على أي دعم مادي، أقوم ببيع حصصي من الغذاء...لا أحد هنا يحصل على شيء سوى الذين يشتغلون... كلما احتجت شيئا ما من اللوازم الشخصية، كآلةالحلاقة أو غيرها أبيع حصصي من الغذاء، بكل بساطة.
كل شيء على ما يرام، الإدارة تعاملنا معاملة جيدة وحسنة وعلاقتي بها طيبة...كلما أردت زيارة الطبيب أطلب ذلك من المسؤول عن الحي فيرافقني إلى المصحة ليفحصني الطبيب. أتناول فقط دواء الضغط أما دواء الأعصاب فقد اعتدت على تناوله طيلة أربعة عشرة سنة... قرص أو قرصان ربما، تمنحها لي الإدارة، بينما هناك من تراقبه ليتناول دواءه خوفا من أن يسلمه لأشخاص آخرين...
ليس لي أخبار عن عائلتي إلا بنت أختي هي من تخبرني بآخر مستجدات العائلة فهي من تتصل بي باستمرار...
تتلقى زوجتي عناية كبيرة من عائلتها، فقد حافظت على علاقة جيدة بها، بينما أنا لا أحد يعتني بي ... لكي أجري مكالمات هاتفية، أبيع اللحم وغيره من المساعدات لأقتني تعبئة الاتصال من مالي الخاص،... أحاول العيش فقط والحمد لله ...
بالنسبة لعلاقتي مع باقي السجناء لا أحد يساعدني هنا ... أنا المسن بينهم فغالبيتهم تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والستين سنة... ليست هنالك أي مساعدة...
لي أمل في المستقبل كي يتغير حكم الإعدام ويصبح مؤبدا أو أحصل على عفو ملكي... لما لا إن أراد الله...لم يسبق لي أن طلبت العفو الملكي...إذ لا أملك بطاقة التعريف الوطنية لكي أتمكن من دفع الملف...لقد رأيتهم يمنحون بطاقة صغيرة الحجم للبعض هنا في السجن، وقد طلب مني أحد الأشخاص الذين أعرفهم أن أقدم له بعض المستندات للحصول عليها، قمت بوضع التوقيع على مجموعة من الوثائق ووضع ملفي لدى المصلحة المختصة داخل السجن، لكنني لم أعلم مصيره منذ ذلك الحين.