أكدت السيدة آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن "أي تقييم أو مقاربة لموضوع المساواة والعمل على تحقيق المناصفة يحتاج إلى بناء ثقافة مجتمعية داعمة وحاضنة للمشاركة النسائية، وبناء القدرات بما يكفل رصدا موضوعيا ودقيقا للإشكاليات المسجلة على مستوى الولوج للحقوق، وتكثيف الجهود لتغيير المعطيات الاجتماعية والثقافية ومواصلة العمل من أجل مأسسة فعلية وفعالة للمساواة والمناصفة".
وشددت السيدة بوعياش في معرض كلمتها في الندوة التي نظمها الجناح المغربي بالمعرض الدولي دبي 2020، بتعاون مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حول موضوع "حقوق المرأة بالمغرب: نظرة تاريخية وآفاق مستقبلية"، يوم الخميس 18 نونبر 2021 بفضاء المرأة،على أن "المجلس حريص على لعب دوره الحمائي والتحسيسي بما يتطلبه من استقلالية والتزام، كما عمل على الربط بين الدولة والمجتمع فيما يتعلق بكل المستجدات الحقوقية على تعزيز مساهمته كآلية في مجال ملاءمة التشريعات الوطنية وكجسر يساعد على تحقيق الالتقائية بين مختلف الفاعلين والأطراف، وكآليات ترصد عمليات تنفيذ أهداف التنمية وتقوم بمبادرات من شأنها تعزيز دور المرأة ومكانتها في قلب استراتيجيات التنمية وترسيخ البناء الديمقراطي".
وتهدف الندوة التي سيرتها السيدة ميمونة السيد، رئيسة اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة الداخلة- وادي الذهب، وشاركت فيها السيدة أميمة عشور، رئيسة جمعية جسور ملتقى النساء المغربيات، والسيدة مريم عثماني الرئيسة المؤسسة للجمعية المغربية للتضامن مع النساء في وضعية صعبة (إنصاف)، إلى تقييم التقدم والتحديات الناشئة ووسائل تعزيز الإجراءات والمبادرات الهادفة إلى تعزيز حقوق المرأة في المغرب، والوقوف على طرق تشجيع التحقيق الكامل للتكافؤ والمساواة بين الرجل والمرأة، وتعزيز التمثيل السياسي للمرأة، والتشجيع على اعتماد نهج البعد الجنساني في السياسات العامة وكافة أبعادها الاقتصادية والاجتماعية.
وأوضحت السيدة بوعياش أن "أهم ضمانات المساواة بين النساء والرجال تكمن في التعاقد الدستوري، من خلال تمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية" مضيفة أن " مقتضيات الدستور أضحت مرجعية التشريع والنقاش العمومي في عدد من القضايا التي تهم حقوق المرأة"، وأن "المغرب يعمل على بناء سياسات عمومية مناهضة للتمييز بالوقوف على الأسباب العميقة للتمييز في مختلق أبعاده القانونية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية".
وأشارت السيدة بوعياش في سردها محطات رمزية دالة حول النضال النسوي عبر العالم أن "قصة كفاح المرأة من أجل حقوقها الكاملة لا زالت مستمرة رغم مرور قرنان من الزمن منذ بلورة مصطلح حقوق المرأة"، مبرزة أن "مسار كفاحها ومثابرتها في دفاعها عن أفكار كانت تسير آنذاك، ضد تيارات مجتمعية تعادي حقوقها"، حيث تناولت محطات بارزة في مسار الحركة النسائية من أجل تحقيق الحقوق المدنية والثقافية والبيئية ومناهضة كل أشكال التمييز في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، وإحداث آليات لتحصين المكتسبات والدفع بقضايا النساء، لتصبح بعد ذلك قضايا النوع مقياسا لتقدم المجتمعات وانفتاحها وتطورها.
وفي ذات السياق، أكدت السيدة بوعياش أن "مسار المرأة المغربية، في السياق الوطني والقاري والكوني، فعل واقعي ملهم غني بأحداثه ووقائعه وشخوصه وبعناصر تجاربه ومكوناته الماضية والحالية، والتي تمتزج فيها الذكريات والصور والأحداث والعناصر الفاعلة لتنتج واقعا حقوقيا يدفع المجتمع المغربي، وباستمرار، نحو تحقيق المساواة والمناصفة الكاملة"، مبرزة أن "حقوق المرأة بالمغرب تعرف باستمرار تطورات وتغيرات مضطردة وديناميات جديدة في ظل السياقات العالمية والتي لا زالت تسجل اختلافات في التصور والممارسة وتطورا للنقاش مع بروز إشكاليات تتداخل وتتشابك مع الموروث الثقافي والتاريخي".
وفي معرض حديثها عن المرأة المغربية ومكانتها، أشارت السيدة بوعياش إلى أن "المسار التاريخي للمرأة المغربية ليس مسارا ذو بعد حقوقي فحسب، بل هو مسار متعدد الابعاد تتداخل وتتوازى لتنخرط ضمن مسار مجتمعي ترسمه المرأة بكفاحها ومثابرتها في مختلف المجالات والميادين للنهوض بوضعيتها"، كما أكدت أن المرأة "فاعلة في سياق تطور مجتمعي وفكري ومفاهيمي يتجدد مع التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية".
وبالمناسبة عرضت السيدة بوعياش صور رمزية تعكس مساهمة المرأة المغربية في الشأن العام، مذكرة بنساء رائدات من المجتمع المغربي تركن بصماتهن في تاريخ المغرب المعاصر: فاطمة الفهرية، مالكة الفاسي، ثريا الشاوي، فاطمة المرنيسي...، وفاعلات كثيرات ساهمن لتكون للمرأة المغربية مكانتها في المجتمع منذ أكثر من ألف سنة.
وأردفت السيدة بوعياش أن العمل النضالي النسائي بالمغرب تم فكه عن الفعل السياسي منذ ثمانيات القرن الماضي بتركيزه على نشاطهن بجمعيات مستقلة حول قضايا حقوق النساء من خلال إصلاحات سياسية وقانونية أثمرت عددا من النتائج، كالأحوال الشخصية (مدونة الأسرة، قانون الجنسية، وخطة إدماج المرأة في التنمية بجوانبها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقانونية)، والممارسة السياسية (قانون الانتخابات، مشاركة النساء على أساس مبدأ الكوتا وإحداث صندوق الدعم لتشجيع تمثيلية النساء)، منوهة بالنتائج التي حققتها النساء في انتخابات 08 شتنبر 2021.
من جهتها، قالت السيدة ميمونة السيد أن "المغرب عرف مسارا حقوقيا إيجابيا طبعته محطات دالة على المستوى النوعي والكمي من خلال تعزيز الأسس المؤسساتية ووضع سياسات واستراتيجيات طموحة تكرس التزامها بتعزيز ترسانتها القانونية ورصيدها الحقوقي وفق مقاربة مستدامة ونهج استباقي وتمكين انخراطها في المنظومة الدولية لحقوق الانسان"، مبرزة أن "من بين أهم هذه المحطات، البناء المؤسساتي وإرساء الديمقراطية وإرساء دولة الحق والقانون ودسترة حقوق الإنسان وتعزيز مبدأ القرب والبعد الجهوي لحقوق الإنسان والنهوض بالتربية على المواطنة وحقوق الإنسان".
وأجمعت المشاركات على أن المغرب قطع أشواطا مهمة في مسار تعزيز البناء الديمقراطي من خلال انخراطه في المنظومة الدولية لحقوق الانسان لاسيما ما يتعلق بتعزيز الترسانة القانونية بالمصادقة على الصكوك الدولية ذات الصلة بحقوق النساء، من خلال تمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، مبرزات أن النهوض بحقوق المرأة يتسم براهنية ملحة ومتجددة في ظل التحديات الناشئة التي يعرفها السياق الوطني والدولي والكوني.