أكدت السيدة بوعياش، خلال انعقاد الدورة الثالثة لمؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد، المنعقد يوم الثلاثاء 7 يناير 2019 بالرباط، أن الفساد هو في حقيقته ليس فقط انتهاكا لحقوق الإنسان بل إنكار حتى لفكرة حقوق الإنسان من أساسها.
وفصلت رئيسة المجلس، في إطار الجلسة المخصصة "للتنسيق والتكامل المؤسساتي أساس لإنجاح السياسات الوطنية في مجال مكافحة الفساد"، أن ظاهرة الفساد بمختلف أشكالها وتمظهراتها شكلت ولا تزال أحد أكبر العوائق الكابحة لجهود التحديث والتنمية في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، ليس في المنطقة العربية فحسب، بل في مختلف دول العالم.
فمعركة مكافحة الفساد شكلت جزء لا يتجزء من معركة النضال من أجل تحقيق تنمية مستدامة وشاملة قوامها العدالة الاجتماعية والمساواة وتعزيز البناء الديمقراطي واحترام معايير حقوق الإنسان. فالتصدي لظاهرة يتطلب بالضرورة تكاثف الجهود والتنسيق بين كل المؤسسات والفاعلين المعنيين، ليس فقط داخل كل دولة على حدة بل إن الأمر يقتضي تكثيف التعاون بين الدول من أجل تبادل الخبرات والتجارب، ولكن أيضا من أجل التصدي لتمظهرات الفساد العابرة للحدود.
وأضافت أن الطابع المعقد والمركب لظاهرة الفساد يسائل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في إطار ممارسته لمهامه الدستورية كمؤسسة وطنية مستقلة تعنى بحماية حقوق الإنسان والنهوض بها والوقاية من انتهاكها.
وفي هذا السياق، أكدت السيدة بوعياش أنه يمكن إجمال مساهمة المجلس في جهود مكافحة الفساد في المداخل التالية:
- المدخل التشريعي: وذلك عبر التعاون مع البرلمان المغربي بغرفتيه من أجل العمل على تجويد النصوص القانونية من جهة، ومن جهة إبداء الراي بخصوص انسجامها مع مبادئ حقوق الإنسان لاحترامها. وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن المجلس قد وقع على مذكرتي تفاهم مع غرفتي البرلمان المغربي، وذلك انسجاما مع مبادئ بلغراد حول العلاقة بين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والبرلمانات.
- العمل على مواكبة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بتنسيق مع كل من اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها. للمساهمة في الورش الجماعي الاستراتيجي، وذلك على مستوى محاور أربعة الوقاية والتواصل والتوعية والتربية والتكوين. ويمكن لمعهد الرباط-ادريس بنزكري لحقوق الإنسان أن يقدم مساهمة قيمة عبر الانكباب على دراسة آثار الفساد على التمتع بحقوق الإنسان كجزء من برنامجه العلمي.
- إشراك اللجان الجهوية لحقوق الإنسان في مواجهة ثقافة التطبيع مع الفساد كجزء من عملها في مجال الحماية والنهوض والوقاية. وسيسمح انخراطها كلجن القرب من استهداف فئات واسعة من المجتمع، مما سيمكننا من تحقيق أهداف المادة الخامسة من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تدعو الدول الأطراف إلى تعزيز مشاركة المجتمع في جهود مكافحة الفساد.
- مواكبة تفعيل ميثاق المرافق العمومية كما حددها القانون رقم 54.19، بما يساهم في دعم المؤسسات المعنية به على تطوير ممارسات فضلى في ممارستها لأنشطتها. ويمكن القول أن هذا الميثاق يشكل أرضية مشتركة حقيقية يمكن من خلاله بناء مقاربة تكاملية بين مختلف المتدخلين في مجال مكافحة الفساد باعتبار مركزية مفهوم المرفق العمومي في المقاربة الحقوقية لمكافحة الفساد.
هذا ولم يفت السيدة بوعياش التذكير بالوعي المتنامي بالعلاقة الوطيدة القائمة بين الفساد والمس بحقوق الإنسان على المستوى الأممي، مذكرة في هذا السياق بالقرار الذي اعتمده مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة سنة 2015 حول "آثار الفساد على التمتع بحقوق الإنسان" والذي طلب من خلاله المفوض السامي أن يعد تجميعا للممارسات الجيدة في جهود مكافحة آثار الفساد السلبية على التمتع بجميع حقوق الإنسان التي تبذلها الدول، والمؤسسات الوطنية والسلطات لمكافحة الفساد والمجتمع المدني، والأوساط الأكاديمية.
وقد توجت هذه الجهود بإصدار مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان لتقرير بعنوان "أفضل الممارسات في جهود مكافحة آثار الفساد السلبية على التمتع بجميع حقوق الإنسان" بمناسبة انعقاد الدورة 32 لمجلس حقوق الإنسان.
هذا وقد أكد المشاركون في هذه الجلسة على أهمية انخراط كل الفعاليات والقوى الحية ضمن مقاربة تشاركية موحدة ومنسجمة، مبنية على رؤية واضحة للأدوار والمسؤوليات وتجسد أبعاد التنسيق والتكامل والالتقائية فيما بينها، مما يمكن من تضافر الجهود في ما بين القطاعات الحكومية المعنية وبين هذه الأخيرة وباقي الأجهزة والمؤسسات والفاعلين الآخرين، سواء تعلق الأمر بالسلطة القضائية أو أجهزة إنفاذ القانون أو هيئات التقنين والحكامة.
جدير بالتذكير أن الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد، التي وافق عليها مجلسا وزراء الداخلية والعدل العرب في اجتماعهما المشترك بتاريخ 21 دجنبر 2010، جاءت للتأكيد على ضرورة التعاون العربي لمنع الفساد ومكافحته باعتباره ظاهرة عابرة للحدود الوطنية، وذلك من أجل تحسين قدرة الدول الأطراف وتعاونها على تحقيق الأهداف المبينة في الاتفاقية والتشجيع على تنفيذ أحكامها وتيسير تبادل المعلومات بين الدول الأطراف والمنظمات والآليات الدولية والإقليمية وأيضا المنظمات غير الحكومية ذات الصلة.