أكدت السيدة آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن مشروع القانون رقم 22.20 المتعلق بتقنين استعمال مواقع التواصل الاجتماعي الذي تم تداوله"متجاوز بشكل كبير ولم يتم تداوله بشكل علني وقانوني ...". مؤكدة أنها ستحرص على إعمال اختصاصات المجلس من خلال إبداء الرأي حين يتم التوصل بالصيغة الرسمية لمشروع القانون إما عن طريق الإحالة من البرلمان أو الإحالة الذاتية.
جاء ذلك خلال لقاء عبر المناظرة عن بعد في إطار حلقات النقاش التي تنظمها مؤسسة الفقيه التطواني، مساء الثلاثاء 12 ماي 2020، من أجل تسليط الضوء على "الوضع الحقوقي وأسئلة المرحلة..."، تميز بحوار تفاعلي جمع رئيسة المجلس بثلة من الصحفيين، تمحورت أسئلتهم حول عدد كبير من القضايا والإشكالات الراهنة المرتبطة بحقوق الإنسان، التقرير السنوي الذي أصدره المجلس مؤخرا، تدبير جائحة (كوفيد19) وحقوق الإنسان، الخ.
وفي نفس السياق، اعتبرت رئيسة المجلس أن مشروع القانون رقم 22.20 الذي تم تداوله لا يليق بالمغرب، الذي يعد من بين الدول التي تسجل نسبة عالية في مجال الولوج إلى شبكة الأنترنيت، مبرزة أن واجب الدولة هو الدفاع عن الحريات والحقوق وحمايتها، وعدم اللجوء إلى تقييد الحرية إلا إذا كانت تفضي إلى العنف والكراهية والعنصرية والتمييز.
وأضافت أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان قد عبّر، منذ يوليوز 2019، عن رأي واضح بخصوص هذا الموضوع، أكد من خلاله أنه لا يمكن تقييد الحرية على المنصات الرقمية، مشددة على أن منصات التواصل الاجتماعي "أصبحت تشكل الفضاء الحاضن لحرية الرأي والتعبير والتعابير العمومية الأخرى، تتبلور من خلالها مطالب أفراد أو مجموعات، حيث تنطلق من خلال التداول الافتراضي لتصبح مطالب قائمة الذات ثم تتطور إلى تعابير عمومية تخرج إلى الواقع لتساءل السياسة العمومية".
وفيما يتعلق بدور الدولة والتخوف من تراجع بعض المكتسبات الحقوقية خلال تدبيرها لجائحة (كوفيد 19)، أكدت بوعياش أنها تستبعد ذلك، لأن الدولة تحولت في ظل هذه الأزمة، على غرار باقي دول العالم، من الدولة المنظمة (Etat régulateur) إلى الدولة الراعية (L’Etat providence) التي تضع المواطن في صلب كافة الإجراءات التدبيرية، بالنظر إلى أن التغلب على تداعيات أزمة بهذا الحجم يستدعي ضمان انسجام والتقائية كافة الجهود التي لا يمكن أن تقوم بها مؤسسات متفرقة ولا الخواص وحدهم، الخ.
مؤكدة في ذات السياق أن رفض المغاربة لمشروع القانون رقم 22.20 الذي تم تداوله من بين أشكال ضمانات عدم وقوع تراجع عن المكتسبات في مجال الحريات، لأن فضاء الحريات عرف تطورا كبيرا، فأصبح الفاعل المدني الرقمي هو الفاعل الجديد القوي الذي يؤثر في السياسات وفي الرأي العام.
وشددت السيدة بوعياش على أهمية هذه التحولات التي تشكل تحديا كبيرا بالنسبة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان ولكل الفاعلين في مجال حقوق الإنسان، مضيفة "أننا على مشارف تغييرات جذرية في تدبيرنا لمفاهيم حقوق الإنسان على أرض الواقع. لكن تبقى الحقوق الأساسية هي الأصل وهي قاعدة عملنا التي لا يمكن التراجع عنها".
ولمواصلة التشاور والحوار حول القضايا الحقوقية والوصول لأجوبة جماعية لقضايانا رغم الظروف المتعلقة بالجائحة، أعلنت السيدة بوعياش أن المجلس سيطلق منصة رقمية تفاعلية بشأن حرية الرأي والتعبير في الفضاء الرقمي "TaabiratRaqmya.ma" مخصصة للتفاعل مع المختصين والمعنيين وعموم الرأي العام حول هذا الحق والإشكالات المرتبطة به، على أن يواصل استشاراته ولقاءاته مع مختلف الفاعلين بعد الجائحة لبلورة أجوبة جماعية للإشكالات الحقوقية التي تتطور باستمرار.
ويطمح المجلس عبر إطلاق هذه المنصة إلى المساهمة في النقاش العمومي حول كيفية مواجهة التحديات المرتبطة بضمان ممارسة الأشكال الجديدة لحرية الرأي التعبير والممارسة والتفكير الجماعي في الأبعاد المتعلقة بأخلاقيات استعمال التكنولوجيا الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي كأدوات لممارسة الحريات. ولذلك فإن هذه المبادرة تهدف كذلك إلى التفكير في كيفية استلهام بعض التجارب والممارسات الفضلى في هذا المجال من أجل بلورة ميثاق وطني لأخلاقيات استعمال الفضاء الرقمي في المجال العام.
وعن تصورها لمرحلة ما بعد جائحة كورونا، أكدت رئيسة المجلس أن المواطن المغربي يجب أن يظل محور كافة السياسات والإجراءات المتخذة ويتعين على الدولة أن تأخذ خلال اعتماد استراتيجيتها التنموية بعين الاعتبار الفئات الهشة والتفاوت المجالي والاجتماعي، والانكباب على معالجة جذرية لإشكالية الفقر وعدم الاقتصار على محاربته، الخ.
وفي ما يتعلق بالتقرير السنوي للمجلس حول حالة حقوق الإنسان لسنة 2019، عبرت السيدة آمنة بوعياش عن استغرابها لبعض ردود الأفعال التي انتقدت إصداره في هذه الظرفية، مؤكدة أن المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان عبر العالم قد أقدمت على نشر تقاريرها السنوية في نفس الوقت، مضيفة أن التقرير تضمن العديد من المعلومات الهامة والمدققة عن وضعية حقوق الانسان بالمغرب التي يمكن مناقشتها، وخاصة أنه جاء بعد غياب لعدة سنوات.
وبخصوص تخليد المجلس للذكرى الثلاثين لإنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، أكدت أنه تم تأجيل كل الأنشطة الوطنية والدولية التي كانت مبرمجة بسبب الجائحة وتعويضها بعدة أنشطة رقمية، لكن دون أن يتوقف المجلس عن أداء كل مهامه المتعلقة بالحماية والرصد التي تتواصل مع احترام تدابير الحجر الصحي.