أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يوم الجمعة 22 أبريل 2022، تقريره الموضوعاتي حول فعلية الحق في الصحة تحت عنوان "فعلية الحق في الصحة: تحديات، رھانات ومداخل التعزيز"، باعتباره مؤسسة دستورية مستقلة للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها والنهوض بها.
"اختار المجلس، في سياق تفعيله لاستراتيجية «فعلية الحقوق»، أن يجعل من فعلية الحق في الصحة تمرينه الجماعي الأول لتعزيز حماية الحق في الصحة وذلك لضرورة القيام بإصلاح هيكلي واستعجالي لقطاع الصحة، واغتنام الفرص التاريخية التي وفرتها الجائحة لإحداث تحولات نوعية في مقاربة الصحة كخدمة عمومية تقع في صلب حماية الأمن والسيادة الوطنية". السيدة آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وبناء على ذلك، انكب المجلس من خلال هذا التقرير على تقديم تصور حول معيقات ولوج المواطنات والمواطنين للحق في الصحة واقتراح مداخل لمعالجتها، ليس انطلاقا من النصوص القانونية التي تضمن الحق في الصحة فحسب، بل كذلك وبالأساس عبر البحث عن العوائق المرتبطة بالمحددات الضمنية للحق في الصحة، وعلى رأسها العوائق الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية والبيئية.
منهجية إعداد التقرير: "تشخيص دقيق ومتعدد الأبعاد قائم على مقاربة تشاركية ومسلسل تشاوري موسع"
يعتمد التقرير في تعريفه للحق في الصحة على تعريف منظمة الصحة العالمية الذي يحيل فيه مفهوم الصحة على "حالة من اكتمال السلامة بدنيا وعقليا واجتماعيا، وليس مجرد الخلو من المرض". ويتطلب تحقيق هذا الهدف وضع سياسات عمومية متعددة الأبعاد تعمل بانسجام لتحقيق أقصى مستوى من الصحة الجسدية والعقلية، وهو هدف يتجاوز بكثير مجال تدخل السلطة الحكومية الوصية على قطاع الصحة. ومن هذا المنطلق فإن المجلس يتبنى في هذا التقرير مقاربة متعددة القطاعات بحيث يتعامل مع السياسة العمومية للصحة كمجال تقاطع للعديد من قطاعات الفعل العمومي.
وانطلاقا من هذه القناعة، اعتمد المجلس في إعداد هذا التقرير مقاربة صاعدة وتشاركية امتدت على ثلاث مراحل أساسية شملت: مشاورات أولية مع الفاعلين المتدخلين في المنظومة الصحية، مشاورات موضوعاتية موسعة مع فاعلين مؤسساتيين ومدنيين، مشاورات جهوية مع عدد كبير من الفاعلين المحليين مكنت من تشخيص إكراهات الولوج الفعلي للحق في الصحة على المستوى المحلي.
تشخيص الوضعية: "معيقات ذات بعد استراتيجي وبنيوي تحول دون الولوج الفعلي للمواطنين للحق في الصحة"
بناء على نتائج المسلسل التشاوري الموسع والمقاربة التشاركية التي اعتمدها المجلس في إعداد هذا التقرير، اتضح جليا أن تفعيل الحق في الصحة ببلادنا يواجه جملة من التحديات والاختلالات، أجملها التقرير في غياب مسار علاجات منظم وواضح لتلافي ضياع فرص ثمينة للتشخيص والعلاج في الوقت المناسب؛ ضعف التمويل الصحي (الميزانية العامة لوزارة الصحة ما زالت تتراوح بين % 6 و% 7 من الميزانية العامة عوض % 12 الموصي بها من طرف منظمة الصحة العالمية)؛ الخصاص الكبير في عدد الأطر الصحية (يعمل في المغرب 23 ألف طبيب ويحتاج إلى 32 ألف طبيب إضافي، وأزيد من 65 ألف مهني صحي).
ومن جهة أخرى، رصد تقرير المجلس إشكالية تحمل الأسر المغربية بشكل عام أكثر من % 50 من المصاريف الصحية بشكل مباشر، وأكثر من % 63 إذا تم احتساب مساهمة الأسر في التغطية الصحية، وهو ما يشكل عائقا حقيقيا أمام المواطنين للولوج إلى العلاج، ويساهم في انزلاق نسبة مهمة من الساكنة سنويا نحو الفقر والهشاشة؛ ضعف، وأحيانا سوء استخدام، الموارد البشرية بسبب مشاكل التدبير؛ نزيف هجرة الأطباء والأطر الصحية (طبيب واحد من بين ثلاثة أطباء مغاربة يمارس بالخارج)؛ إلخ.
وبناء على تشخيصه لهذه التحديات والاختلالات، يعتبر المجلس أن جهود تعزيز الحق في الصحة لجميع المواطنات والمواطنين ينبغي أن يتأسس على استراتيجية وطنية للصحة، كجزء لا يتجزأ من السياسة العامة للدولة، تقوم أساسا على مرتكزات جوهرية تتمحور حول دور الدولة الاجتماعية، وتجاوز المقاربة القطاعية لضمان الحق في الصحة، في ضوء مبادئ حقوق الإنسان، ورفع تحدي الاستدامة وضمان الأمن الإنساني، وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية.