1- حرية الرأي والتعبير
يعد الحق في حرية الرأي والتعبير ركنا من الأركان الأساسية للمجتمع الديمقراطي وأحد الشروط الأساسية لتقدمه ونمائه، وهو شرط لا غنى عنه لتحقيق النمو الكامل للأفراد وعنصر أساسي من عناصر أي مجتمع، علاوة على كونه قاعدة أساسية يستند إليها التمتع الكامل بمجموعة كبيرة من حقوق الإنسان الأخرى. 

"لا تشمل منظومة هذه الحرية فقط الأفكار التي يتم تلقيها بشكل إيجابي أو التي تعتبر غير مؤذية أو محايدة، وإنما أيضا الأفكار التي تغضب أو تصدم أو تزعج".

وخلافا للحق في حرية الرأي الذي لا يجوز إخضاعه لاستثناء أو تقييد، فإن لحرية التعبير ضوابط واستثناءات يمكن أن تقيد ممارستها، إما قصد حماية حقوق الآخرين أو سمعتهم أو لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة، مع وجوب الامتثال، في مثل هذه الحالات، لمبدأ الشرعية ومبدأ الهدف المشروع ومبدأ الضرورة والتناسب. كما أن الحق في حرية الرأي والتعبير حق أساسي مكفول بكل أشكاله في الدستور المغربي.

وفي إطار استراتيجيته القائمة على فعلية الحقوق، يتابع المجلس الوطني لحقوق الإنسان جهود دعم وتعزيز تنوع أشكال ممارسة حرية الرأي والتعبير، معبرا عن انشغاله بمتابعة أشخاص وإدانة بعضهم بعقوبات سالبة للحرية نتيجة لنشر محتوى في الفضاء الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي.  وفي هذا الصدد، يبرز المجلس الحاجة المتزايدة لضمان حرية التعبير في ظل التحديات الجديدة، والتي تأتي نتيجة استمرار الانزياح من الفضاء العمومي الواقعي إلى الفضاء العمومي الافتراضي، الذي أصبح حاضنا أساسيا لممارسة حرية التعبير. وهو ما يبرز أهمية توفير الضمانات اللازمة لممارسة هذا الحق في ظل التطورات التكنولوجية ويشدد على ضرورة التكيف مع هذه التحديات والمحافظة على حماية حقوق الأفراد في الفضاء الرقمي.

وفي هذا الصدد، دعا المجلس في الرأي الذي أصدره سنة 2022 بخصوص مشروع القانون رقم 71.17 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر، إلى اعتماد «قانون حرية تداول المعلومات» بدلا من هذه الأخيرة باعتباره مدخلا أساسيا لمعالجة العديد من الإشكاليات التي أصبحت تطرحها الأشكال الجديدة لممارسة حرية التعبير في العالم الافتراضي. ويمكن أن يشكل هذا القانون دعامة جديدة لحرية الصحافة والنشر، كما سيساهم في توسيع مجال ممارسة الحريات، خاصة على ضوء تطور التعابير العمومية داخل منصات التواصل الاجتماعي. 

ونظرا للدور الحيوي للمعلومات في ضمان السير العادي لآليات النظام الديمقراطي ودعم آليات مكافحة الرشوة وتعزيز مختلف أوجه المشاركة المواطنة وتحسين حكامة المؤسسات وتفعيل آليات المساءلة، يعتبر المجلس أن إقرار «قانون حرية تداول المعلومات» بمثابة إصلاح هيكلي ومقوم أساسي من مقومات التنمية في كل أبعادها وأحد أهم شروط بناء الثقة المتبادلة بين الدولة والمجتمع.

وإذ يعرب المجلس عن انشغاله بمخاطر تحول هذه الأشكال الجديدة لممارسة حرية التعبير إلى مرتع للأخبار الزائفة، فإنه يدعو إلى العمل على فتح تحقيق في جميع الادعاءات المرتبطة بتدبير الشأن العام، التي يتم التعبير عنها في العالم الافتراضي، ونشر نتائج التحقيقات وهو ما من شأنه أن يساهم في تطوير ممارسة حرية التعبير وتعزيز الثقة في المؤسسات ومكافحة الأخبار الزائفة.

وفي نفس الإطار، يرى المجلس أن معالجة الإشكالات التي يطرحها الدور المتنامي لوسائل التواصل الاجتماعي كقنوات لممارسة الحق في حرية التعبير، تؤكد حتمية الانتقال من تأطير النقاش العمومي بمفهوم حرية الصحافة «press freedom » إلى مفهوم حرية الإعلام « Media freedom ». ولذلك فإنه يحث السلطات العمومية على الحرص، أثناء تدبيرها للإشكالات المرتبطة ببعض الأشكال الجديدة لممارسة حرية التعبير، على الاسترشاد بالممارسات الفضلى والاجتهادات المتقدمة التي تبلورت في بعض التجارب المقارنة، خاصة فيما يتعلق بضرورة التعامل مع حرية التعبير، بما في ذلك حرية الصحافة، على أساس أنها لا تشمل فقط «الأفكار» التي يتم تلقيها بشكل إيجابي أو التي تعتبر غير مؤذية أو محايدة، وإنما أيضا الأفكار التي تغضب أو تصدم أو تزعج. وقد سار في هذا الاتجاه تقرير المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، وهو ما أوصى به المجلس في الرأي الاستشاري حول مشروع القانون المتعلق بالصحافة والنشر. 

ويسعى المجلس الوطني لحقوق الإنسان في هذا الإطار إلى تكريس ضمانات حماية حرية الصحافة والنشر، سواء الورقي أو الإلكتروني وعلى منصات التواصل الاجتماعي. كما يحث السلطات القضائية على التشبث بمبدأي الضرورة والتناسب بما لا يمس الحق في حرية التعبير والصحافة والرأي وجعلها في منأى عن كل عقوبة سالبة للحرية فضلا عن المطالبة بالرفع من قيمة الدعم العمومي المباشر وغير المباشر المخصص لقطاع الصحافة، بما يضمن توسيع النشر وتعزيز التعددية والتنوع، ودعم تحديث الشركات الصحفية وتأهيلها وضمان استدامتها.

2- حرية التظاهر
يجد الحق في التجمع السلمي سندا له في المواثيق الدولية والدستور والمقتضيات القانونية ذات الصلة، وخاصة تلك المتعلقة بالتجمعات العمومية. وعرف التظاهر في المغرب تطورا مهما في الممارسة خلال العقود الأخيرة، وكان توسع استعمال شبكات التواصل الاجتماعي محفزا له ومعبئا لفئات كثيرة. وأضحت هذه الوسائل الجديدة تشكل فضاء افتراضيا لممارسة الحق في التعبير والاحتجاج، بحيث أصبحت تختلف من حيث خصائصها عن تلك التي عرفتها بلادنا خلال العقود السابقة لانتشارها، سواء من حيث أشكالها، أو إطارها الزمني والمكاني.

إن مسألة تحول الفعل الاحتجاجي الممركز والمؤطر قانونا إلى فعل احتجاجي منتشر على مستوى ربوع التراب الوطني مع اختلاف موضوعاته ومطالبه، جاء انعكاسا للوعي المتزايد للمواطنين بحقوقهم، وهو ما يخلق التوازن المطلوب في مجتمع ديمقراطي، بين ممارسة الحق في التظاهر السلمي كأحد مظاهر الحق في التعبير ومقتضيات المحافظة على النظام العام.

ويرصد المجلس ولجانه الجهوية التظاهرات والتجمعات السلمية بمختلف مناطق المغرب، تتنوع بين ما هو موضوعاتي كالمطالبة بالتمتع بحقوق، مثل الحق في الصحة والشغل والسكن والتعليم والماء الصالح للشرب، أو الاحتجاج على غلاء أسعار المواد الاستهلاكية، أو احتجاج بعض المجموعات المهنية، كاحتجاج المحامين على مشروع قانون المالية واحتجاجات الأساتذة المتعاقدين واحتجاجات السائقين على غلاء أسعار المحروقات واحتجاج الفلاحين، أو المطالبة بالإفراج عن فئة من المعتقلين، إلخ. وتم تنظيم هذه المظاهرات من طرف جمعيات أو نقابات أو مجموعات مهنية أو طلبة أو النساء السلاليات. وفي هذا الصدد، تتدخل اللجن الجهوية في بعض الحالات في إطار الوساطة والتدخل الاستباقي للحيلولة دون وقوع أي انتهاكات.

إن المجلس وهو يستحضر هذا التطور المهم على مستوى ممارسة الحق في التظاهر السلمي، فإنه يسجل أن غالبية الأشكال الاحتجاجية السلمية تمر في ظروف عادية وسلمية، حيث غالبا ما تتدخل القوات العمومية لتفريق المتظاهرين، أو لمحاصرة المسيرة. غير أن المجلس يسجل بعض الحالات التي شابتها بعض التجاوزات، كما يسجل المجلس أن أغلب المظاهرات تتم بدون ترخيص.

3- حرية تأسيس الجمعيات
يضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 20) والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسة (المادة 22) حرية تكوين الجمعيات، وهو التوجه الذي كرسه دستور 2011 في ديباجته وفي عدد من فصوله التي أقرت مجموعة من الضمانات والآليات المتعلقة بالحريات الجمعوية. ويتأطر العمل الجمعوي في المغرب بمجموعة من التشريعات، وعلى رأسها الظهير الشريف رقم 1- 58 - 376 الصادر في 15 نونبر 1958 الذي ينظم حق تأسيس الجمعيات  

ورغم ما يمنحه هذا القانون من ضمانات تمكن المجتمع المدني من لعب دوره كفاعل وشريك في ممارسة الديمقراطية وفاعل في مسار التنمية، مازالت حرية الجمعيات تواجهها بعض التحديات التي تؤثر على فعالية العمل الجمعوي، وتفرز العديد من التوترات بين الفاعلين الجمعويين والسلطات المحلية الإدارية. ويعزى ذلك إلى غموض وتأويل النصوص القانونية المؤطرة لتأسيس الجمعيات، ولعدم انسجامها مع واقع الممارسة الجمعوية وأشكال التعبير العمومية الجديدة من جهة أخرى.