أجرت السيدة أمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حوارا مع جريدة الباييس (El Pais) الإسبانية، تناولت من خلاله مجموعة من المحاور المتعلقة بحماية حقوق الإنسان والنهوض بها في المغرب والقضايا ذات راهنية على الساحة الوطنية.
فيما يلي ترجمة من اللغة الاسبانية إلى العربية لهذا المقال الصادر بتاريخ 4 فبراير 2019 بقلم فرانسيسكو بيريخل.
"المرأة المكلفة بحماية حقوق الإنسان في المغرب"
منذ شهر دجنبر المنصرم، تترأس السفيرة السابقة المعينة بقرار ملكي المؤسسة الرسمية التي تتوصل وتقوم بتحليل جميع القضايا التي تقض مضجع المجتمع المغربي وتثير القلق والمخاوف فيه.
وجدت السيدة أمنة بوعياش عند تعيينها رئيسة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان شهر دجنبر المنصرم الكثير من القضايا الشائكة الكبرى فوق مكتبها: الاعتقالات التي طالت المئات من نشطاء حراك الريف، تجريم العلاقات بين المثليين بموجب القانوني الجنائي، التحرش الجنسي، العنف الذكوري، زواج القاصرات، عمليات طرد المهاجرين المنحدرين من جنوب الصحراء بالقوة وادعاءات التعذيب من طرف المعتقلين الصحراويين... وقد تم التطرق لمجموع القضايا السالفة الذكر في منشورات وتقارير منظمات دولية، كمنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، كما سلطت عليها الضوء أكبر المنظمات الحقوقية غير الحكومية في البلاد، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وجمعية كاديم فيما يخص وضعية المهاجرين.
وتصل الشكايات المتصلة بانتهاكات حقوق الإنسان عاجلا أو آجلا إلى مقر المجلس الوطني لحقوق الإنسان الكائن في بناية من أربعة طوابق بالحي الراقي حي الرياض في الرباط. وتتلخص مهمة المجلس، على غرار مؤسسة المدافع عن الشعب بإسبانيا، في النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها. وقد كان على رأس المجلس منذ تنصيبه من طرف عاهل البلاد قبل ثمانية سنوات المعارض اليساري السابق، إدريس اليزمي، الذي عانى من ضعف كبير أمام احتجاجات الحسيمة نهاية سنة 2016.
عين ملك المغرب شهر دجنبر المنصرم أول رئيسة في تاريخ هذه المؤسسة، التي يعمل فيها 170 موظفا ، وتمتلك القدرات اللازمة لإعداد تقارير من شأنها الدفع بتعديل القوانين في البلاد. تولت السيدة أمنة بوعياش قبل هذا التعيين منصب سفيرة المملكة المغربية في كل من السويد وليتوانيا منذ سنة 2016. كما اشتغلت مكلفة بالتواصل في ديوان الوزير الأول الاشتراكي السابق عبد الرحمان اليوسفي (1998-2002)، وعضوة في اللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعة الدستور سنة 2011. ولدت السيدة بوعياش في مدينة تطوان سنة 1957، وهي خريجة شعبة العلوم الاقتصادية وتتقن اللغة العربية والأمازيغية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية، لكنها تشعر بثقة أكبر إذا تحدثت بالفرنسية، مقارنة بالإسبانية.
بعد تعيين السيدة بوعياش على رأس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، نشرت المجلة الأسبوعية المحلية "تيل كيل" حصيلة عمل هذه المؤسسة في الفترة السابقة، وتساءلت في الملف المخصص لذلك إذا ما كان المجلس قد تحول إلى "أداة للنهوض بحقوق الإنسان" أكثر من "أداة لحمايتها". وقد تأسف أحد الأعضاء ، ممن رفضوا الكشف عن هويتهم، عن عدم إصدار المؤسسة لتقارير سنوية، كما دأبت على ذلك مؤسسات حقوق الإنسان المماثلة، وتأسف من كون المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤسسة تفتقد للمصداقية "سواء لدى الحكومة أو لدى المجتمع المدني وحتى خارج البلاد".
وقد ردت السيدة بوعياش على هذه الإدعاءات مستشهدة "بآلاف" الرسائل "المتفائلة" التي تم تداولها على شبكات التواصل الاجتماعي منذ تعيينها. وأشارت في حوار أجرته مع جريدة "إيل باييس" (El Pais) بمكتبها: "المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤسسة تحظى بتتبع كبير من طرف الرأي العام وذو مصداقية. لسنا مؤسسة خاضعة للجهاز التنفيذي ولا ننتمي لأي إيديولوجية معينة". ثم أضافت السيدة الرئيسة: "لقد حان وقت العمل وأنا عازمة على إخراج مسلسل الانتقال الديمقراطي من طابعه الخطي". "سنقوم من الآن فصاعدا بإصدار تقارير سنوية. أتمنى أن يكون أولها جاهزا شهر يناير 2020 (...). عندي نزعة ديكارتية، أنا إنسانة عملية وأبحث دائما عن الكمال". وقد أقرت أنها تثق في النهج "الشمولي والمترابط للمقاربة الثلاثية الأبعاد: "الوقاية والحماية والنهوض بحقوق الإنسان. "يجب أن نتحلى بالاستباقية من أجل الوقاية من التوترات الكبرى".
بخصوص موضوع إدعاءات التعذيب، قالت السيدة بوعياش: "لم نقم بعد بإحداث آلية للوقاية من التعذيب. سننظم شهر مارس القادم جلسة من أجل هذه الغاية". وأوضحت السيدة الرئيسة أن هدف هذه الآلية هي تعزيز جهود الوقاية والتوعية داخل المجتمع، وليس التحقيق في الشكايات. ولكن بمجرد انطلاق عمل هذه الآلية، التي يتم الحديث عنها في المغرب منذ فترة طويلة، سيصير المجلس الوطني لحقوق الإنسان قادرا على القيام بزيارات مفاجئة ودون إذن مسبق إلى مراكز الحرمان من الحرية كلها، من السجون إلى مراكز رعاية القاصرين ومستشفيات الأمراض العقلية. وقد أقرت السيدة بوعياش بوجود "اختلالات وأزمة تدبير وحالات" بصلة مع موضوع التعذيب، غير أنها عازمة على مواصلة جهود مكافحتها.
وتناقلت وسائل الإعلام المغربية الأسبوع المنصرم أخبار احتجاجات المعتقلين الريفيين داخل سجن عكاشة (الدار البيضاء) بعد أن اشتكى أكبر ممثلي الحراك، السجين ناصر الزفزافي، من عدم تلقيه الرعاية الطبية من طرف المصالح المختصة إثر الآلام التي أصابته على مستوى القدم. وقد ادعت إدارة السجن أن الزفزافي تسبب في إصابة نفسه بنفسه وأن بعض السجناء رفضوا الدخول إلى زنازينهم و"تسببوا في إحداث الفوضى". بينما ذكر والد السجين، أحمد الزفزافي، أن ابنه فقد القدرة على تحريك الجزء الأيمن من جسمه، من القدم إلى الوجه.
وقد ذكرت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في هذا الصدد: "لما اطلعت على هذه الأخبار على الانترنيت، قمت بإرسال وفد من المجلس إلى السجن برفقة طبيب شرعي". ثم أضافت: "حلوا هناك في الساعات الأولى من يوم الاثنين، والتقوا بممثلي الإدارة، ثم قام الطبيب بفحص الزفزافي بشكل دقيق طوال 3 ساعات. وقام وفد المجلس بعد ذلك بدراسة تقرير الطبيب، والتقى بطبيبي السجن، وقام بالإطلاع على تسجيلات الكاميرات (التي سجلت الوقائع). وقد تبين لنا أن السيد الزفزافي لا يوجد في وضعية حرجة ولا مقلقة...لقد قام بفحصه 7 أطباء مختصين، بما في ذلك مختص في العظام وطبيب الأعصاب...وقد لاحظ الطبيب الذي انتدبناه أنه يعاني مشاكل على مستوى القدم، وأوصى بإخضاعه لعلاج بالأشعة وللترويض. أضف أن تسجيلات الكاميرات واضحة وتظهر كيف تطورت الوقائع ولن نقدم أي إدانة بخصوص هذا الموضوع".
بخصوص محاكمات المئات من نشطاء حراك الريف، تعتزم السيدة بوعياش نشر تقرير بعد صدور قرارات محكمة الاستئناف: "ليس لدينا ما نخفيه"، ثم أضافت: "لقد أطلعت الرأي العام حول ما قام به فريقنا حتى الآن. وسنستمر على هذا النهج".
وقد كانت السيدة الرئيسة واضحة عندما طرحنا سؤالا حول الأهداف التي تريد تحقيقها على رأس هذه المؤسسة، وردت: "أريد تعزيز الديمقراطية التشاركية من خلال الجهات. سأكون سعيدة للغاية إذا أفلحت في جعل المواطنين عند نهاية ولايتي يتملكون آليات المشاركة الموجودة حاليا".
رابط المقال باللغة الاسبانية
https://elpais.com/internacional/2019/02/02/actualidad/1549141990_846319...