نشر في

نظم المجلس الوطني لحقوق الانسان، يوم الجمعة 29 ماي 2020، لقاء عن بعد حول "المحاكمة عن بعد خلال الحجر الصحي"، تمحورت أشغاله حول "المحاكمة عن بعد وضمانات المحاكمة العادلة"، "الإشكاليات المطروحة فى التطبيق العملى للمحاكمة عن بعد"، "الحضورية والتواجهية والعلنية والمرافعة الشفوية وسرية التخابر"، الرقمنة فى تدبير القضاء الزجرى: أي ضمانات".

في إطار الإجراءات الاحترازية لمواجهة جائحة (كوفيد 19)، اتخذت المؤسسة القضائية بالمغرب عدة اجراءات تنظيمية تميزت بالتدرج بحسب ما تقتضيه الضرورة وتطور الوضعية الوبائية. ومن بين هذه الاجراءات الدعوة إلى تخفيف توافد مرتفقي العدالة على المحاكم من خلال توسيع نطاق الخدمات المقدمة عن بعد، الإعلان في وقت لاحق عن تعليق الجلسات العادية والإبقاء على جلسات القضايا المستعجلة والاستعانة بالمحاكمات عن بُعد.

من خلال اعتماد هذا الإجراء، ورجوعا إلى الإحصائيات التي أدلى بها المجلس الأعلى للسلطة القضائية، فقد عقدت المحاكم بمختلف الدوائر القضائية للمملكة 333 جلسة عن بعد، في إطار عملية المحاكمات عن بعد، أي بمعدل 67 جلسة يوميا، أدرج خلالها 5130 قضية بمعدل يومي بلغ 1026 قضية، وذلك خلال الفترة الممتدة من 18 ماي إلى 22 ماي 2020. كما بت قضاة المملكة في 2291 قضية بمتوسط يومي وصل إلى 458. وأكد المجلس الأعلى للسلطة القضائية أن 6001 معتقلا استفادوا من عملية المحاكمات عن بعد، في حرص تام على صحتهم وسلامتهم وكذا صحة وسلامة كل المرتفقين والمهنيين، باعتبار ذلك أحد حقوق الإنسان الأساسية الواجب ضمانها في هذه الظرفية الاستثنائية. وأشار المجلس إلى أنه تم الإفراج، لأسباب مختلفة، عن عدد مهم من بين الـ 6001 معتقلا المستفيدين من عملية المحاكمات عن بعد.

طرح هذا الإجراء عدة أسئلة على المستوى القانوني والحقوقي تتعلق أساسا بمدى استجابة المحاكمات عن بُعد لشروط المحاكمة العادلة وما هو مجال تطبيقها؟ ما هي الضمانات الممنوحة للمتهم وللدفاع ولباقي أطراف الدعوى للاستفادة من الحق في التقاضي والانتصاف؟ وإلى أي مدى يحترم هذا الإجراء شروط التواجهية والعلنية والحضورية وحقوق الدفاع وغيرها من شروط المحاكمة العادلة المنصوص عليها في المواثيق الدولية ذات الصلة وفي الوثيقة الدستورية؟ ما هي الصعوبات التي تم تسجيلها خلال هذه المرحلة؟ هل تبقى المحاكمة عن بعد استثناء مقيدا بالضرورة أم يمكن أن يتحول إلى قاعدة؟.

كل هذه الأسئلة شكلت أرضية النقاش القانوني-الحقوقي الذي سير أشغاله السيد أنس سعدون، الدكتور في القانون، وأغناه كل من السيد علي كريمي، أستاذ التعليم العالي، السعدية وضاح، محامية بهيئة الرباط، السيد طارق زهير، محام بهيئة الدار البيضاء، وإبراهيم مومي، أستاذ باحث في مجال حقوق الإنسان والقانون.

في هذا السياق، ذكر السيد على كريمي بالمرجعية الدولية والإقليمية والوطنية التي تنص كلها على مبدأ ضمان المحاكمة العادلة ولا تتضمن بشكل صريح أي إشارة لإجراء المحاكمة عن بعد، بحيث تؤكد جميعها على ضرورة توفر شروط التواجهية والعلنية والحضورية وحقوق الدفاع. مضيفا أن إجراء المحاكمة عن بعد ينبغي أن يبقى مقيدا أساسا بمبدأ الضرورة وبمبدأ الشرعية، فحتى التجارب التي تم اعتمادها عبر العالم تعتبرها استثناء دون أن تعمم لتصبح القاعدة، مؤكدا على ضرورة تحقق شرط وجود نص قانوني ينظم بطريقة واضحة إجراءات هذا النوع من المحاكمات.

من جهتها طرحت الأستاذة السعدية وضاح، رئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالدار البيضاء-سطات، مجموعة من الإشكاليات العملية التي يثيرها هذا النوع من المحاكمات، وتهم بالخصوص مدى تحقيق مبادئ العلنية والحضورية وحرية المحامي في التخابر مع موكله ... والتي أصبحت مقيدة بسبب الجائحة.

من جهته تناول الدكتور طارق زهير، المحامي بهيئة الدار البيضاء، موضوع "الرقمنة في تدبير القضاء الزجري"، من خلال التركيز على مبدأي الحضورية والتواجهية متسائلا إذا كنا أمام مفهوم جديد للحضورية "الرقمية" والتواجهية "الرقمية"، مشيرا إلى أنه هناك نقاش قائم حول فلسفة القانون يتمحور حول الإشكاليات التالية: "هل نحن في مجتمع القانون أم مجتمع الرقمنة؟ هل نحن أمام دولة القانون أم دولة الرقميات بحيث هل سيبقى القضاء متجسدا في فضاء عمراني أم أننا سنصبح أمام فضاء رقمي تصير فيه الدعامات الرقمية هي آليات تدبير العمل الإجرائي القضائي الذي سيعمل على توفير نوع جديد من الخدمات القضائية الرقمية في إطار عقلنة التدبير الاقتصادي والتدبير البشري للخدمة القضائية.

مسجلا في هذا الإطار أهمية العامل النفسي لدى كل المتدخلين في العملية القضائية بمن فيهم القاضي، الذي قد يواجه صعوبات تقنية لتبليغ السؤال للمتهم، وكذا ظروف المتهم الذي سيتابع محاكمته من داخل قاعة بالسجن وتحت أعين حراس المؤسسة السجنية. كما تساءل عن حق المتهم في الصورة والضمانات المتوفرة لعدم تسريبها، مؤكدا أن كل هذه المخاوف تُطرح في وقت ينادي فيه المجتمع بأنسنة القانون الجنائي.

من جانبه استعرض السيد إبراهيم المومي سلسلة من العوائق التي من شأنها أن تحول دون توفير شرط المحاكمة العادلة في إطار إجراء المحاكمة عن بُعد، من بينها حالة الاضطرار إلى طرد المتهم الذي قد يحدث اضطرابا من المحاكمة، حيث يطرح إشكال لدى كاتب الضبط، في ظل حالة الطوارئ الصحية، في طريقة تبليغه بتفاصيل ما جرى. وأكد أنه لا يجوز المس بضمانات المحاكمة العادلة لأي سبب من الأسباب، مستخلصا ضرورة توفير أساس قانوني ينظم هذا الإجراء بصفة مدققة وواضحة.

أعلى الصفحة

 

اقرأ المزيد