أنتم هنا : الرئيسيةالتخطيط وفق المقاربة الحقوقية

النشرة الإخبارية

المستجدات

19-04-2024

الدار البيضاء-سلطات: ورشة تفاعلية لتحديد الحاجيات الكفيلة بدعم قدرات الجمعيات (...)

اقرأ المزيد

14-03-2024

المجلس الوطني لحقوق الإنسان يؤكد بجنيف على ضرورة عقد لقاءات تشاورية مع الأطفال (...)

اقرأ المزيد

13-03-2024

التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان يعبر بجنيف عن دعمه للمقاربة (...)

اقرأ المزيد
الاطلاع على كل المستجدات
  • تصغير
  • تكبير

التخطيط وفق المقاربة الحقوقية

يجوز تعريف التخطيط القائم على حقوق الإنسان على أنه إطار فكري أو معياري لعملية التخطيط والبرمجة والمؤسس على تفعيل المعايير الدولية المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان. من هذا المنطلق، فإنه يعني رسم السياسات على أساس "الحق" بدلاً عن "الحاجة"، والفرق بينهما واضح وشاسع، فالحق هو ما يستحق الشخص، بمجرد كونه إنساناً، ويمكن فرضه بموجب القانون، لكفالة حقه في العيش بكرامة، ويتم تنفيذ هذا الحق من قبل الدولة، ويفرض عليها التزاماً بذلك. أما "الحاجة" فهي تطلّع أو طموح قد يكون مشروعاً، دون أن يكون مرتبطاً بأي التزام للحكومة، أو أي جهة أخرى. ومن تم يستند مفهوم التخطيط المبني على نهج الحق، على إدماج المعايير الدولية (الملزمة) في السياسات والخطط والمشاريع العمومية؛ وتستند تلك المعايير الواردة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان على عدة مبادئ هامة هي تلك التي ينبغي مراعاتها في كل عملية للبرمجة والتخطيط.

ويقتضي إعمال المقاربة الحقوقية، بداية، تحديد الأهداف المتوخاة من منطلق حقوق معينة، كاستحقاقات قابلة للتنفيذ مرتبطة بالمعايير الواردة في الإعلان العالمي ومواثيق حقوق الإنسان الدولية والإقليمية والوطنية. ويرى الخبراء أن هذا المفهوم لنهج إدماج حقوق الإنسان يقتضي عدة شروط منها:

- تبني المعايير الدولية بالتصديق على المواثيق المعنية بحقوق الإنسان وإدماجها في برامج وسياسات عمومية؛

- جعل الحكومات مسئولة بصفة مباشرة عن تفعيل تلك الحقوق بالنسبة للمجموعات والفئات المختلفة من مواطنيها بكونها حقوق وليس احتياجات ترى الحكومة جواز الاستجابة لها؛

- تقديم الدعم للحكومات لتفعيل تلك الحقوق وتحديد الإجراءات القانونية التي يجوز للمجتمع الدولي أو المواطنين اتخاذها في حالة إخفاق الحكومات في الوفاء بالتزاماتها؛

- تبني مؤشرات حقوقية وإجراءات رصد منتظمة لضمان تحقيق الوفاء بتلك الالتزامات القانونية.

كما يقتضي المفهوم ضرورة الأخذ بعين الاعتبار المبادئ العامة التالية المتعلقة بحقوق الإنسان والواردة في الصكوك الدولية كشروط أساسية لإدماج حقوق الإنسان:

عالمية جميع حقوق الإنسان وتداخلها وعدم قابليتها للتجزيئ
حقوق الإنسان عالمية وغير قابلة للانتقاص، وهي مستحقة لجميع بني البشر ولا يمكن لهم الاستغناء عنها أو للغير أن ينتزعوها. وهي غير قابلة للتجزئة سواء كانت مدنية أو سياسية، أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، ولا يمكن تفضيل بعضها على الآخر، كما أن تحقيق معظمها يعتمد على تحقيق الأخرى. فمبدأ العالمية يعني انطباق جميع حقوق الإنسان على جميع بني البشر في جميع الأوقات، كما تؤكد ذلك المواثيق الدولية. وقد أمن على هذا المبدأ المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان المنعقد في فيينا في 1993 مع الاعتراف بوجود خصوصيات معينة بجب مراعاتها، دون أي انتقاض من المبادئ المذكورة، وأن تكون تلك الخصوصيات مصدر إثراء، وليس انتقاص، من مبادئ حقوق الإنسان الأساسية.

أما عدم قابلية حقوق الإنسان للتجزئة فيعني أنها متساوية ولا يمكن، على سبيل المثال، تقديم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على الحقوق المدنية والسياسية، أو العكس، مهما كانت الأسباب والذرائع.

المحاسبـة

يرتكز المنهج القائم على الحق على رفع درجة المسئولية والمحاسبة بتحديد ذوي الحقوق (واستحقاقاتهم) وبالمقابل من تقع عليهم الواجبات (والتزاماتهم). وفي هذا الصدد، يؤخذ في الاعتبار الالتزامات الإيجابية (الحماية والتعزيز) نحو ذوي الحقوق، والالتزامات السلبية (الامتناع عن الانتهاكات)، فضلاً عن الواجبات الملقاة على عاتق جميع الفئات بما في ذلك الأفراد والمجتمعات والدول، والسلطات المحلية، والقطاع الخاص، والمؤسسات الدولية. ويفضي هذا بالضرورة إلى تبني القوانين، والسياسات، والمؤسسات، والإجراءات، والممارسات، والآليات اللازمة للمعالجة والمحاسبة اللازمة لإيصال الاستحقاقات، والاستجابة لدعاوى الانتهاكات وضمان المساءلة، بما في ذلك أعداد وتعديل التشريعات الوطنية، وإنشاء المحاكم، وهيئات الانتصاف الإدارية، والتحكيم، واللجان الخاصة والمفوضين وخلاف ذلك، بما يؤكد ترجمة وتطبيق وانعكاس المعايير الدولية إلى وسائل محلية لقياس التقدم المحرز في حقوق الإنسان ودعم محاسبة ومساءلة الجهات المسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان.

وبالنسبة لجميع حقوق الإنسان، لا بد أن تتوفر لدى الدولة ليس فقط الإرادة السياسية، بل القدرة على وضع الآليات التشريعية والإدارية والمؤسساتية اللازمة لتفعيل تلك الحقوق. فبالنسبة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، على سبيل المثال، كالصحة والتعليم والسكن، ينبغي على الدولة أن تتخذ فوراً الخطوات اللازمة لضمان التمتع الفعلي "التدريجي" بتلك الحقوق "بأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة", وفق ما ورد في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وان إخفاق الدولة في القيام بتلك الواجبات يشكل خرقاً لالتزاماتها بموجب نصوص العهد الدولي.

وينطبق نفس الشيء على الحقوق المدنية والسياسية الواردة في العهد الدولي الخاص بها، إذ تلتزم الدولة باحترام واتخاذ الخطوات اللازمة لتعزيز احترام وحماية تلك الحقوق وتفعيلها. وفي هذا الصدد، ينبغي الإشارة أيضاً إلى التكامل والترابط بين مختلف حقوق الإنسان، فانتهاك الحق في الصحة، على سبيل المثال، قد يثير أسئلة حول التعليم أو توافر المعرفة، أو السكن... وفي كل الأحوال، تكون مهمة الرصد والمتابعة أساسية لتقييم التقدم المحرز ومكامن الخلل. وعلى الرغم من أن المسئولية الأساسية في تفعيل الحقوق تقع على الدولة المعنية، فإن على المجتمع الدولي التزام هام بتطوير التعاون الدولي اللازم لدعم القدرات والموارد المادية والفنية اللازمة لمساعدة الدول النامية.

التمكيـن

ينبغي أن يستند المنهج على الحق وليس الحاجة أو الخبرة، بمعنى أن يكون المستفيدون من سياسة عمومية في مجال حقوق الإنسان ملاكاً ومديرين لذلك الحق مع التأكيد على أن الإنسان محور ومرتكز عملية التنمية، مباشرة أو من خلال من يمثله، ومن خلال مؤسسات المجتمع المدني. فالهدف هو إعطاء البشر القدرة والقوة والكفاءة اللازمة لتحسين حياتهم والارتقاء بمجتمعاتهم والسيطرة على مصائرهم. فهم ليسوا متلقين سلبيين بل مساهمين في بناء السياسات ومستفيدين منها. وهذا يعني استهداف توعية العديد من الفئات المختلفة للقيام بدورها المناسب في المجتمع، خاصة ذوي الاحتياجات الخاصة كالفقراء، والعاطلين والنازحين، والمعوقين والمهمشين كالأطفال، والشباب، والنساء، خاصة في الأرياف وتأهيلهم ببناء الثقة في أنفسهم وتنمية قدراتهم لتحسين أوضاعهم الحياتية من خلال برامج وأنشطة واقعية، والتعامل المباشر معهم من أجل ذلك، للحيلولة دون انفراد النخبة القادرة بالتخطيط وسلطة اتخاذ القرار.

المشاركة

يتطلب المنهج قدراً عالياً وواسعاً من مشاركة الفئات المجتمعية المختلفة كمنظمات المجتمع المدني من جمعيات، ونقابات، وأحزاب سياسية، وأجهزة إعلام، والأقليات، والسكان الأصليين، وقوى الريف والزراعة، والمرأة، والشباب، والأطفال، والعجزة، وخلافهم، وينبغي أن تكون تلك المساهمة حقيقية وفاعلة وليست مجرد مظهر أو إشراك رمزي، إذ من الضروري إيلاء الاهتمام الكامل للانفتاح والشفافية، وإتاحة الفرصة للفئات المختلفة أن تعلم بسياسات وخطط التنمية، والتعبير عن رأيها وطرح منظورها وطموحاتها، ما يعني الطرح العلني لمشاريع البرامج والأنشطة المتعلقة بالتنمية والمؤسسات المعنية بها ونشر الوعي بها، وسبل وآليات المعالجة والإصلاح بالنسبة للمستفيدين والشركاء.

ويستند حق المشاركة على ما ورد في الشرعة الدولية حول المساهمة في الشؤون العامة من خلال الحق في التنظيم، والتجمع، والتعبير والنشر، ما يفترض وجود نظام دستوري ديمقراطي تعددي يكفل للجميع حق الاقتراع والترشح في الانتخابات الحرة المباشرة ويؤكد مشاركة الفئات الفقيرة والمستضعفة في صنع وتنفيذ القرار بالنسبة لجميع الحقوق.

إن الأمر الواقع في عدد من الدول النامية يوضح أن سياسات التحول الاقتصادي والاجتماعي لم تحقق بعد المناخ المناسب لتفجير طاقات المواطن وتفعيل دوره في صنع القرار في مواجهة مشاكل حياته اليومية، ما يقتضي اتخاذ الخطوات الكفيلة لتفعيل المشاركة الحقيقية وسد الفجوة بين حقوق المواطن الأساسية والواقع الذي يعيشه، وتوضيح الإطار المنظم للعلاقة بين الدولة والمواطن، وتدعيم شعور المواطن بالانتماء للوطن وإحياء مفهوم حقوق المواطنة، وتحديث البنية السياسية والإدارية التي تحكم علاقة المواطن بأمن الدولة.

المساواة وعدم التمييز

يكاد مبدأ المساواة وعدم التمييز يكون أحد أهم أركان حقوق الإنسان، فحقوق الإنسان مكفولة للجميع، فقراء أم أغنياء، أميين أو متعلمين، نساء أم رجال، ويحظر القانون الدولي أي تمييز في التمتع بحقوق الإنسان لأي سبب كان، كالأصل العرقي، اللون، الدين، الرأي، اللغة، الملكية، النوع الاجتماعي أو المولد. وعليه فإن أي تمييز بين البشر يعني، بالضرورة، وضع فئة منهم في وضع أحسن حالاً من الفئات الأخرى، وبالتالي الانتقاض من حقوق هذه الأخيرة، ما يقتضي بالضرورة إزالة القوانين والمؤسسات التي تتضمن تمييزاً ضد أية فئة أو فرد، وتوفير الموارد اللازمة لاستيعاب تلك الفئات أو أولئك الأفراد في الاستفادة من البرامج والسياسات العمومية . من هنا فإن منطلق التخطيط القائم على نهج حقوق الإنسان يعني إيلاء الاهتمام الكامل للمساواة بين الجميع، خاصة الفئات المهمشة كالمرأة،، وذوي الاحتياجات الخاصة، وضحايا الكوارث، والسجناء وغيرهم.

حميد الكام ، مدير مركز التوثيق والإعلام والتكوين في مجال حقوق الإنسان

أعلى الصفحة