أنتم هنا : الرئيسيةالإعلاماستجوابات السيد الرئيسرئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في حديث شامل مع 'المغربية'

  • تصغير
  • تكبير

رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في حديث شامل مع 'المغربية'

أثارت تصريحات أحمد حرزني، رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، حول دور الصحافة جدلا مع بعض المنابر الإعلامية،. ويعود الخلاف، في العمق، إلى تباين الرؤية في تقييم طبيعة المرحلة الحالية من التطور السياسي والتجربة الديموقراطية في المغرب، والوظيفة المفترضة لوسائل الإعلام في هذا المسار.

من هذا المنطلق، يأخذ حرزني على بعض الصحف السعي إلى فرض رؤيتها الخاصة للواقع، متهما إياها بتبخيس الجوانب الإيجابية في الملف الحقوقي، كما على مستوى السياسي العام . ومعروف عن الرئيس الحالي للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان شجاعته الأدبية في الجهر بمواقفه السياسة، إلى درجة الاصطدام والجدل العنيف أحيانا مع تيارات سياسية من اليسار الذي تربى فيه هو نفسه.

في هذا السياق، يثمن حرزني عمل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، معتبرا أن الدافع الرئيسي لخلقه، في بداية التسعينيات من القرن الماضي، كان هو إعطاء دفعة جديدة للمسلسل الديمقراطي في المغرب، وهو ما انعكس على تشكيل المجلس في أول صيغة له، إذ كان فضاء للتوافق بين مختلف التيارات الموجودة في البلاد، مع السعي إلى تأكيد انخراط المغرب في المسلسل لإرساء الديمقراطية وترسيخ حقوق الإنسان.

بخصوص الكشف عن الحقيقة، يرد حرزني على انتقادات التقصير الصادرة عن جمعيات حقوقية بالإشارة إلى أن هيئة الإنصاف والمصالحة كانت توصلت إلى لائحة من 1200 من مجهولي المصير، مؤكدا أن هذه اللائحة تقلصت اليوم إلى حوالي 20 اسما، وأن المسألة الآن في طور إخضاع بقايا رفات الأشخاص، التي عثر عليها، "لأن البعض لم يعثر عليه لحد الساعة"، للتحليل الجيني، قصد التأكد من هوية أصحابها، وإنهاء المشكل مع العائلات.
وعن موضوع الإصلاحات القانونية والمؤسساتية، المتضمنة في توصيات الهيئة، يؤكد حرزني أنه سيشكل محورا رئيسيا في هذه المرحلة من عمل المجلس، بعد التركيز، في السابق، على تصفية القضايا المتعلقة ببقايا ماضي الانتهاكات، مشيرا إلى أن هناك خبراء منكبون على الإصلاحات الممكن إجراؤها في ميدان القضاء، وفي مراقبة الأجهزة الأمنية بصفة خاصة، وريثما يصل الخبراء إلى نتائج ومقترحات أولية، سيجري فتح نقاش وطني حول هذه القضايا.

أما بشأن الجدل مع الصحافة، الذي يدور عموما حول دور المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وتصريحات ومواقف رئيسه، ومدى التزامه بتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، فيقول حرزني إنه قصد من تصريحاته الأخيرة حول أخلاقيات مهنة الصحافة توجيه نقد ذاتي، "من دون نية الإساءة لأي صحافي، ففي بلادنا لا يمكن أن نتقدم إذا لم نمارس النقد والنقد الذاتي، ليس فقط في مجال الصحافة، لأن مشكل الأخلاقيات مطروح في جميع المهن".

وفي ما يلي نص الحوار

كيف تقيمون تجربة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في مجال النهوض بحقوق الإنسان بعد مرور 18 سنة على إحداثه؟

التقييم يجب أن يقوم به في نهاية المطاف الشعب المغربي. وما يمكن لي قوله، كرئيس حالي للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، هو أن دور المجلس في ترسيخ حقوق الإنسان وفي الدفع بالمسلسل الديمقراطي إلى الأمام كان دورا مهما، إن لم يكن حاسما. وهذا منذ بدايته، بحيث نذكر جميعا أن دواعي تأسيس المجلس، في البداية، كانت تدخل في نطاق انفتاح النظام، وإجراء تصالح، وإطلاق المسلسل الديمقراطي من جديد، الذي تعطل بعض الشيء في الثمانينيات، بسبب المشاكل الاجتماعية، التي عرفها المغرب، بعد خضوعه لبرنامج التقويم الهيكلي.

فمنذ المنطلق، كان الدافع الرئيسي لخلق المجلس نفسه هو إعطاء دفعة جديدة للمسلسل الديمقراطي.

وقد انعكس هذا على تشكيل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، في أول صيغة له، بحيث كان فضاء للتوافق بين مختلف التيارات الموجودة في البلاد، وكذلك الأعمال الأولى للمجلس كان لها تدخل في نطاق تأكيد انخراط المغرب في المسلسل لإرساء الديمقراطية وترسيخ حقوق الإنسان، بدليل أن أولى توصيات المجلس كانت تتعلق بإطلاق سراح المعتقلين لدواع سياسية ونقابية واجتماعية، وفتح مسلسل لتعويض ضحايا القمع. وبعد ذلك، انطلق المسلسل، كما تطورت الأمور مع الوقت. وفي اعتقادي، زادت فعالية المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، خاصة بعدما أعيد تنظيمه في بداية الألفية الجديدة، تلبية لمطالب الضحايا أنفسهم، بحيث نذكر أن الرئيس السابق للمجلس، كان مؤسسا لمنتدى الحقيقة والإنصاف، الذي كان آنذاك عبارة عن نقابة للضحايا. وكانت في طليعة مطالب هذا المنتدى، المطالبة بتعديل الظهير المؤسس للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، لكي يصبح أكثر ملاءمة لما يسمى في الأدبيات الحقوقية الدولية بمبادئ باريس.

نجد كذلك أن المنتدى نفسه وبالقيادة ذاتها، وإن سجل ايجابية الشروع في تعويض ضحايا القمع، إلا أنه في الوقت نفسه، شدد على أن الأمر لا يتعلق فقط بالتعويض المالي، وأنه يجب، بالإضافة إلى التعويض المالي، إعادة الاعتبار المعنوي لضحايا القمع سابقا، كما شدد على ضرورة أن يصاحب كل هذا بالكشف عن الحقيقة، وهذا أيضا وقعت الاستجابة إليه من طرف صاحب الجلالة.

وهكذا شاهدنا، كما ذكرت، إعادة تنظيم المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سنة 2003، وإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة سنة 2004.

وإذا أردنا أن نقيم عمل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، فلا بد أن ننظر إلى ما حققته هيئة الإنصاف والمصالحة، وما حققه المجلس من توصيات هذه الهيئة.

وفي هذا النطاق، وبسرعة شديدة، يمكن أن أقول إن توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، يمكن تقسيمها إلى أربع مجموعات من التوصيات، المجموعة الأولى منها تهم تعويض الأضرار الفردية، في حين تهم المجموعة الثانية جبر الأضرار الجماعية، بينما تتعلق المجموعة الثالثة بالكشف عن الحقيقة، أما المجموعة الرابعة، فتتعلق بالإصلاحات اللازم إدخالها على نظامنا المؤسساتي والقانوني حتى لا يتكرر ما مضى من تجاوزات. فماذا تحقق إذن من هذه التوصيات؟

في ما يخص المحور الأول، عوض، إلى حدود الساعة، كل مستحق للتعويض، أي حوالي 12 ألف فرد، في الإطار نفسه يدخل تمتيع الضحايا وذويهم، أي ما مجموعه تقريبا 45 ألف فرد، من التغطية الصحية.

أما في ما يخص المحور الثاني، المتعلق بجبر الأضرار الجماعية، فكانت هيئة الإنصاف والمصالحة حددت 11 إقليما أو جماعة بشرية اعتبرت أنها تعرضت للتهميش أكثر من غيرها، وأوصت بأن تدرج في هذه النقاط برامج لجبر الضرر لفائدة الجماعات المتضررة، وهي برامج تشتمل على شق معنوي يتعلق بحفظ الذاكرة، وبتكريم الضحايا، وشق يمكن أن نعتبره تنمويا، الغرض منه تأهيل هذه المناطق حتى تلتحق بالمعدل الوطني.

والذي أنجز في هذا المضمار هو أنه أقيمت تنسيقيات محلية للإشراف على هذه البرامج، في جميع النقاط، التي حددتها هيئة الأنصاف والمصالحة، وهي تنسيقيات تضم ممثلين عن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وممثلين عن مختلف المصالح الخارجية للوزارات والمجتمع المدني المحلي، وهذه التنسيقيات هي اليوم خاضعة لبرنامج تكويني لتأهيلها للإشراف على البرامج، التي تختار من بينها حاليا البرامج ذات الأولوية. وريثما تنجز هذه العملية، أي في غضون الأيام المقبلة، ستنشر عروضا عمومية للتنافس حول هذه المشاريع، وسنشرع في تنفيذها.

في ما يخص الكشف عن الحقيقة، كانت هيئة الإنصاف والمصالحة توصلت إلى لائحة من 1200 من مجهولي المصير. هذه اللائحة تقلصت اليوم إلى حوالي 20 اسما، نحن الآن بصدد إخضاع بقايا رفات الأشخاص، التي عثر عليها، لأن البعض لم يعثر عليه لحد الساعة، للتحليل الجيني، حتى نتأكد من هوية أصحابها، وننهي المشكل مع العائلات.
بالنسبة للمحور الرابع، المتعلق بالإصلاحات القانونية والمؤسساتية، فهو محور مهم جدا سنختم به هذه المرحلة، التي كان فيها التركيز على تصفية القضايا المتعلقة ببقايا ماضي الانتهاكات.

هذا الورش فتحناه بهدوء ورزانة، بحيث إن هناك خبراء منكبون على الإصلاحات الممكن إجراؤها في ميدان القضاء، وفي مراقبة الأجهزة الأمنية بصفة خاصة، وريثما يصل الخبراء إلى نتائج ومقترحات أولية، سنوسع النقاش حتى يصبح نقاشا وطنيا حول هذه القضايا.
وإذن يمكن أن نقول إنه في ما يخص طي صفحة الماضي، أنجزنا جل ما أوصت به هيئة الإنصاف والمصالحة، ونأمل، مع نهاية 2008، أن نكون أنهينا الملفات، التي يشتغل عليها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، لأن هناك أشياء تتعلق بالجهاز التنفيذي، أما الأمور التي تخصنا كمجلس فسنكون إن شاء الله، انتهينا منها مع انتهاء سنة 2008، وآنذاك سننتقل إلى مرحلة أخرى، سيكون فيها التركيز على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لجميع المواطنين المغاربة، دون أن نغفل، طبعا، الحقوق المدنية والسياسية، التي يجب التحلي باليقظة في الاشتغال عليها.

ولتهييء هذا الانتقال، ربما سمعتم أن هناك خطة استراتيجية لدعم حقوق الإنسان والديمقراطية، انطلقت بصددها الأشغال بمشاركة وطنية واسعة.

وهذا ليس تقييما، كما طلبتم، بقدر ما يتعلق الأمر بمعطيات للتقييم، يبقى للقراء والمهتمين، بناء عليها، وعلى معطيات أخرى لم أذكرها، أن يحكموا على عمل المجلس.

ذكرتم أن لائحة الكشف عن الحقيقة تقلصت إلى 20 اسما، بدل 1200، هل اسم المهدي بن بركة ضمن هذه الأسماء،

تي لم يجر الكشف عنها بعد؟

المهدي بن بركة اختطف خارج أرض الوطن، والأرجح أنه دفن خارج أرض الوطن. وهذا الأمر، في حد ذاته، يشكل
عرقلة كبيرة، لاسيما أن العدالة الفرنسية، في الحقيقة، لم تتعاون كثيرا في هذه المسألة، التي اتسمت عبر المراحل بشيء من الارتباك، إذ جرت، في ما أعتقد، ثلاث محاكمات في هذه القضية، وكل محاكمة خرجت بخلاصة مختلفة عن الأخرى. مثلا المحاكمة الأولى برأت أحمد الدليمي، وبتبرئة أحمد الدليمي، كأنها برأت الأجهزة، التي كانت تحت رقابته كلها. وهذا هو أهم إشكال يعترض العثور على الحقيقة في ملف المهدي بن بركة، بالإضافة إلى أن فرنسا ليست الطرف الأجنبي الوحيد المتورط في هذا الملف، بل هناك أطراف أخرى.

الحصيلة، التي قدمتموها حول تجربة المجلس الاستشاري في النهوض بحقوق الإنسان، مهمة، إلى أي حد أنتم راضون عنها، ثم هل ترون أن هناك مجالات أخرى ما تزال تشوبها نواقص؟

ربما لم أكن واضحا بما فيه الكفاية، أعتقد، بصفة عامة، في ما يتعلق بطي صفحة الماضي، أن ما أنجز مشرف جدا للمغرب. وهذا يشهد به الكثيرون داخل المغرب وخارجه، دون الدخول في مقارنات مع دول، ربما لها حظوة أكبر منا على مستوى الإعلام، ولكن على مستوى الحقيقة، وعلى مستوى المنجزات الملموسة، وخاصة في ما يتعلق بتعويض الضحايا، سواء الأفراد أو الجماعات، يمكن أن نعتبر أن المغرب في طليعة الدول، التي تصدت لمشكل طي صفحة الماضي. وفي هذا الجانب أقولها وأكررها، من حقنا أن نفتخر بما تحقق، ليس المجلس فقط، ولكن المغاربة بصفة عامة، لأن الجميع مساهم بطريقة أو بأخرى في تحقيق هذه النتيجة، ولكن بالمقابل، أعتقد أنه إذا كنا نعتبر فعلا أن حقوق الإنسان هي كل لا يتجزأ، يجب أن نقر أنه في ما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية، ما زال أمامنا الكثير يجب القيام به. وهذا ما نريد التركيز عليه في المرحلة المقبلة إن شاء الله.

بالنسبة لتعويض الضرر الجماعي، الذي تضمنته توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، هل يمكن أن نعرف المعايير التي اتبعت في هذه القضية؟

هيئة الإنصاف هي من قرر المناطق المتضررة، وهي التي حددت المعايير. والمعايير كثيرة، إما متعلقة بأحداث تاريخية بارزة، مثلا عملية قمع واسعة سواء بمناسبة أحداث اجتماعية أو سياسية، والمناطق التي تعرضت لمثل هذه الحالات معروفة، أو أي منطقة من المناطق كان يوجد بها معتقل سري، إذ مجرد وجود معتقل سري في منطقة ما، كان يزرع نوعا من الفزع المستمر لدى السكان، وكان يمنع وصول المد التنموي لتلك المناطق. هذان معياران من المعايير التي اعتمدتها هيئة الإنصاف والمصالحة.

تصريحاتك الأخيرة حول الملاءمة بين حرية الصحافة واحترام أخلاقيات المهنة، أثارت الكثير من الجدل، هل يمكن أن توضح لنا وجهة نظرك في هذا الموضوع؟

لا توجد هناك وجهة نظر، تصريحاتي مسجلة في أرشيف المجلس، ويمكن للباحثين أن يرجعوا إليها، والذي قلته، في هذا الصدد، هو أن المجلس أولا مع رفع العقوبات الحبسية عن الصحافيين، وأن المجلس طبعا، إذا كان هذا هو موقفه من العقوبات الحبسية، فمعناه أنه مع تمتع الصحافيين بجميع الحقوق والضمانات، التي تضمن حرية التعبير. هذا ليس موقف حرزني، ولكن موقف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وحرزني وفي لهذا الموقف، وعبر عنه بصفة واضحة وصريحة، وهذا الأمر مسجل. ولكنني أضفت أن تمتع الصحافيين بحقوقهم كاملة أولا، وتمتعهم بقانون خاص بأخلاقيات المهنة، لا يعطيهم حصانة خاصة، بل يبقون مواطنين مثلهم مثل غيرهم من المواطنين. وبالتالي، فإن وجود قانون خاص بمهنة الصحافة لا يعفي الصحافيين من الخضوع للقانون الجنائي، الذي يخضع له المغاربة جميعا، في حالة ما إذا ارتكبوا خطأ أو فعلا يقع تحت طائلة القانون الجنائي. هذا أولا، وثانيا، أقولها وأكررها: لا يعقل أن تكون حقوق دون مسؤوليات أو واجبات، يجب على الصحافيين أن يتشبعوا بها، وهي أولا أن ينظموا أنفسهم تنظيما ذاتيا، وثانيا أن يزودوا أنفسهم بميثاق لأخلاقيات المهنة. هذا ما قلته، وهو مسجل، وأضفت مسألة أخرى، لكي أبين أن هناك خصاصا في مجال الأخلاقيات، وهي أنه يجب أن يكون هناك الحس الوطني، فحرية التعبير دائما قائمة، وأوردت حالة معبرة في هذا الصدد، ومستعد أن أؤكدها وأعيدها، تتعلق بصحيفة خرجت بعنوان كبير يقول إن المغرب استحق المرتبة الأخيرة في جنيف في ما يخص حقوق الإنسان، يحدث هذا عشية تقديم المغرب لتقريره. فكيف تفسرون أنتم كصحافيين هذا السلوك؟ّ

من هي الجهة التي يقع على مسؤوليتها تحديد أخلاقيات المهنة؟
هم الصحافيون أنفسهم.

كيف تنظرون اليوم إلى الأداء المهني في الصحافة الوطنية؟

أرى أنه يلزمها التشبع بمسألة تبينها مجريات التاريخ، وهي أن المغرب في مرحلة انتقال ديمقراطي، ينتقل من حالة كانت فيها مظاهر الديمقراطية منعدمة أو ناقصة، إلى حالة فيها الديمقراطية. أنا أتصور أن الصحافي، الذي يطمح أن يكون جزءا من سلطة، لا تقل عن السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية، يلزمه أن يكون مسؤولا، وأن يواكب هذا الانتقال. بمعنى أنه ينتقد كل ما هو سلبي، وكل ما يشدنا إلى الماضي، ويشجع ما يدفعنا نحو المستقبل. هذا ما أقوله. وما نراه اليوم، في بعض الصحف، أن بعض رموز الماضي أصبحوا هم الأبطال، ونجدهم يوميا على أغلفة جرائد ومجلات، في حين أن بعض الرموز الوطنية أو الإنجازات الوطنية لا ذكر لها. اذكروا لي جريدة وحيدة تنشر يوميا على صفحاتها عن دور اتفق فيه الناس على شق طريق أو حفر بئر، في صحافتنا لا نتكلم عن هذه الإنجازات. فعلا أنا أؤكد أن بعض الصحافة وبعض الصحافيين، وليست مسألة نيات أو أنهم ينوون ذلك عن سبق الإصرار، حتى لا ندخل في حيثيات هذا الأمر، المسؤولون المباشرون عن تحطيم المعنويات. ولما أقول تحطيم المعنويات يعلق البعض ويطلبوا منا النظر إلى الحوادث التي تقع يوميا ويكتبون هل تريد منا أن نضحك معها. رفع المعنويات أو الحفاظ عليها ليس هو الزغاريد، ولم نطلب من أي صحافي أن يزغرد، ولكن لما يقدم حدثا مؤلما كأحداث ليساسفة أو غيرها أن لا يصور أن المغرب كله تشتعل فيه النار، ويتكلم عن وجود مؤسسات صناعية موجودة حاليا تتوفر على مواثيق للمسؤولية الاجتماعية. هذا الأمر لا نتكلم عنه، نتكلم فقط بخصوص صاحب المعمل الذي يغلق على العمال الأبواب والنوافذ، رغم أن بجانبه يوجد مصنع يحترم كل المواثيق.

هنا يجب أن يعمل الذكاء الصحافي فلا يمكن محاربة هذا الأمر السيء، إذا لم نحاربه بالأمر الإيجابي، فإذا كنت تتكلم فقط عن السيء ستعطي انطباعا للناس بأنه لا يوجد نهائيا مخرج. وأنا في اعتقادي، وأقولها بشكل أخوي وليس بشكل عدائي، ولكن مع الأسف يبدو أن تربيتنا في المغرب، لا تسمح لاتساع صدورنا للنقد، ونحب فقط المديح ولو كان نفاقا، أما أن أقول لك ما اعتقد بأنه حقيقة فهذا على ما يبدو لم يعد مستحبا. وهنا نختلف في الثقافة، ولكل ثقافته، و"لكم دينكم ولي ديني".

ولكن هناك أوساط حقوقية اعتبرت هذا الحكم يستهدف إسكات صوت هذه الصحيفة؟

كحقوقي، أقول إن الجريدة كتبت مقالات يرى بعض الأشخاص أن فيها تجريحا وضررا فاشتكوا للعدالة، وطالبوا قدرا معينا كتعويض، وهذا من حقهم، ولا أرى أين المشكل هنا.

ما هي انعكاسات تصريحاتك في برنامج 'حوار'حول علاقتك ببعض المعتقلين في ملف خلية بليرج، على سير الملف؟

لا أعرف هل للأمر انعكاسات أم لا. أنا فقط كما قلت في هذا البرنامج لما سئلت سؤالا حول تسرب خبر حول أن السيد المعني كان أسر لي بأشياء، قلت الحقيقة. وهو أنه فعلا قال لي ما قال وأنا قمت بما وعدته أن أقوم به، وبالنسبة لي انتهى الأمر، والله أعلم هل كان لهذا الأمر أثر أم لا.

تطرقت بعض الصحف إلى ما أسمته التعذيب، الذي تعرض له المعتقلون في هذا الملف، ما الذي قام به المجلس للتحقق مما إذا كانت السلطات المختصة احترمت حقوق المشتبه بهم؟

ما بعلمي هو أن محامين لهؤلاء المعتقلين زاروهم في فترة الاعتقال النظري ووجدوهم في حالة جيدة، والمعنيون بأنفسهم قالوا لهم إننا لم نتعذب. كما صرح محاموهم أن المعتقلين احترموا خلال الحراسة النظرية ولم يعذبوا.


ولكن في بعض القضايا المعروضة على المحاكم، يجري الحديث عن التعذيب، كيف يتعامل المجلس مع هذه القضايا؟

بصراحة إلى حدود الساعة، ومنذ أن توليت رئاسة المجلس، لم أتوصل بأي شكاية بخصوص التعذيب لا من طرف المعتقلين، ولا من طرف عائلاتهم نهائيا. بل أكثر من هذا، المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان له مجموعة عمل تشتغل. ومن بين ما تنكب عليه هذه المجموعة، قضايا السجناء، ومرات عديدة التقت بمعتقلين في السجون، ولم يقل لنا أحد أن هناك حالات تعذيب. بل أكثر من هذا كانت مجموعة حقوقية زارت سجن سلا وتكلمت الصحافة عن ذلك، وقالت إنهم لم يلمسوا حالات التعذيب بالنسبة للمتابعين.

وعلى كل حال، ما هو ثابت الآن أن المغرب فيه قانون يجرم التعذيب، وأكثر من هذا يوجد حاليا أكثر من عشرة أشخاص ينتمون إلى أجهزة الشرطة في السجن لهذا السبب.

من خلال مشاركة المجلس في إعداد قانون الصحافة الجديد في اللقاءات التي ينظمها المتدخلون في القطاع، هل لمستم استعدادا لديهم للخروج بقانون يرقى بالصحافة الوطنية؟

ما يمكن أن أقوله، في هذا الموضوع، إنه، خلال اللقاء الذي نظمه المجلس بخصوص قانون الصحافة وحضره وزير الاتصال، لمسنا أن هذا الأخير مقتنع وله رغبة في حذف الأحكام الحبسية من قانون الصحافة. وهذه رغبة لدى جميع الديمقراطيين. ولكن هذا لا يجري بمنطق المقايضة، خاصة أن هذا القرار في حالة ما إذا اتخذ سيكون مهما جدا. ولكن يجب أن يكون هناك شيء من الاطمئنان بأنه لن تكون هناك إشارة بالتسيب للصحافيين. وهو ما نلح عليه.

هل نفهم من خلال كلامكم، أن الصحافة المغربية غير ناضجة؟

إذا أردتم الصراحة، إذا كانت الصحافة ستبقى بهذا المستوى، فهل تعتقدون أن هناك نضجا بالصحافة المغربية، والأمر لا يتعلق باختلالات ولكن ليس هناك نضج في جزء من الصحافة، وأعتقد أن الجميع كان مسلحا بنصيب من الصبر والتفهم بعد مرحلة طويلة من القمع وتكميم الأفواه واعتقال الصحافيين.

وكان لابد من ربيع يليه الشتاء. ولكن الربيع تليه فصول أخرى، ولن نبقى نحن في فصل الربيع فقط، وأردنا أن نمر حاليا إلى الصيف.

بمعنى أننا نريد أن نثمر وننضج فعلا. وهنا أعتقد أن هناك مشكلا حقيقيا. وأنا أتجرأ للحديث كثيرا في هذا الموضوع، لأنني أعتبر نفسي صحافيا وأسست العديد من المجلات والجرائد، وأشهد أن الصحافة ينقصها المجهود الذاتي لترقى بالمستوى فعلا الذي تحتاجه البلاد. وهذا ليس عيبا، فكما أشرت، مررنا بمرحلة صعبة ولدينا خصاص في هذا المجال كما هو الحال في مجالات أخرى في ميدان التكوين وليس لدينا اختصاص، مثلا ليس لدينا صحافة مختصة في مجال حقوق الإنسان. ولا يجب أن نكذب على أنفسنا، ففي جميع المؤسسات بما فيها الصحافة، هناك نواقص.

وما هو خطير، هو أن بعض الصحافيين، وهذا أقوله دون تردد، لأنه مع ذلك أعتبر هذا نقاشا أخويا، وسينظر له الناس بعد مرور الوقت على أنه صواب، وسيقولون إن ما صرح به هذا السيد ليس بالشيء الخطير، وهو أن بعض الصحافيين يتحدثون عن كون تعليمنا ليس جيدا، وأن العدالة أيضا ليست جيدة، فكيف تريدون أن تكون الصحافة جيدة. أي أن هؤلاء الصحافيين يطالبون بحق الصحافة في الرداءة. وأعتقد أن هذا ليس صوابا، على اعتبار أن الصحافي متعلم ومنفتح على التجارب الأجنبية وليس فلاحا. وهذا لا يشرف الصحافي الحقيقي. فالصحافي الحقيقي هو الذي يعترف بنواقصه، وليس عيبا أن يطل عليها من حين إلى آخر، في الوقت الذي يكتفي بالحديث فقط عن نواقص البلاد. والكمال لله، وكلنا لدينا نواقص ولكن نساعد أنفسنا بالاعتراف بها حتى نتمكن من التقدم.

هناك نقاش أيضا حول حذف عقوبة الإعدام، ما هو موقف المجلس الاستشاري من هذه العقوبة؟

كذلك هذه المسألة، أعتقد أن الراحل بنزكري قبل وفاته بستة أشهر، كان صرح بأن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان هو مع إلغاء عقوبة الإعدام. نحن مع إلغاء هذه العقوبة لأنها لا تليق بالبشر كيفما كانت جريمة المجرم، فليس من حق بشر أن يعدم الآخر. ومع ذلك وكيفما كان نوع الجريمة فهو بشر ثم ثانيا إن التجارب كلها أبانت عن أنه لا قيمة ردعية لعقوبة الإعدام، وأن الأماكن التي تطبق فيها هذه العقوبة لا تتميز بنقص في نسبة الجريمة، مقارنة مع الأماكن، التي ألغيت فيها هذه العقوبة. لذلك نحن مع حذف عقوبة الإعدام، ولكن في الوقت نفسه نفهم ونتفهم أن هذه المسألة لا يكفي أن يقتنع بها المجلس، فالأهم هو أن يقتنع بها الرأي العام. ويجب أن يقتنع بها الرأي العام ثم المهنيون الذين لهم علاقة مباشرة بهذا الموضوع، يعني القضاة والقضاء الجالس والمحامون والعلماء،

ولا توجد هناك مؤشرات بأن هناك إجماعا وسط هؤلاء بخصوص قضية الجريمة، بالإضافة إلى أن قضية الإرهاب تعقد المسألة، بحيث إنه يصعب أن تطلب من عائلة من ضحايا الإرهاب مثلا أن توافق على إلغاء عقوبة الإعدام. وهذا يعني ظرفية صعبة تجعل من هم مقتنعون بحذف هذه العقوبة يبذلون مجهودا إقناعيا مع جميع المعنيين بهذه المسألة ومع الرأي العام بصفة عامة. وفي هذا المضمار هناك دور يجب أن تلعبه الصحافة التي بصراحة، لا تلعب دورها في هذه المسألة، لأن من يقرأ الصحافة الوطنية يعتقد أن الأمن ينعدم في المغرب، وبأن الجريمة متفشية ليلا ونهارا، في المدينة والقرية.

أعتقد أن الصحافة أيضا يجب أن تعالج، إذا افترضنا أن الصحافيين ضد عقوبة الإعدام، أن يقدموا الجرائم التي قد تقع بطريقة لا تحدث عند القارئ وهم أن الأمن منعدم في كل مكان، وتعالجها بطريقة معقولة، ولا تخلق الرعب عند الناس.

بالنسبة للخطة الوطنية للنهوض بحقوق الإنسان تتضمن من بين أهدافها التنسيق بين مختلف المتدخلين في مجال حقوق الإنسان، كيف تنوون القيام بهذا الأمر؟

ستشرف على هذه الخطة لجنة إشراف مكونة من جميع المتدخلين، سواء حكوميين أو مدنيين. وفي إطار هذه اللجنة واللجان الموضوعاتية التي ستحدث، يمكن أن يجري هذا التنسيق. وبعد تنفيذ هذه الخطة، ستصبح جزءا من البرنامج الحكومي وستسهر الحكومة على تطبيقها.

ونحن الآن بصدد وضع الخطة، وهي ستشمل كل ما يمكن أن نهتم به وخاصة القضايا الاجتماعية والاقتصادية والتعليم والسكن والشغل والصحة وغير ذلك من القضايا البيئية.
وهذا هو تصميمنا خلال المرحلة الحالية، ولكننا نبقى مستعدين لما ستجود به الأيام، لأنه لا يمكن أن نتوقع كل شيء. ونحن نتوقع أن نتكيف مع كل المستجدات.

ما ردكم على الانتقادات التي واكبت إحداث المجلس الأعلى للجالية المغربية المقيمة بالخارج؟

بصفة عامة، منهجيتنا تحاول أن تشرك أوسع دائرة من الخبرات والكفاءات في جميع ما نباشره. ولما نصل إلى قناعة بأن هذا ما يجب القيام به، فإننا نشرع في العمل. طبعا عندما تكون هناك انتقادات نحن دائما مستعدون لمناقشتها إن تطلب الأمر. لكن الانتقادات التي لا تحركها رغبة في الحوار، وتحكمها فقط رغبة في التشهير والتحطيم، فهذه نترك أصحابها لحال سبيلهم.

وكيف يتعامل حرزني مع الانتقادات التي توجه إليه؟

(يضحك بسخرية قبل أن يجيب). حسب الانتقادات، هناك منها ما أجده عاديا، وليس به أي مشكل، وهناك أخرى أتحملها بطلب الهداية لأصحابها.

12/05/2008 الرباط: ليلى أنوزلا | المغربية

أعلى الصفحة