أنتم هنا : الرئيسيةأسئلة الذاكرة-محمد الخمليشي*

النشرة الإخبارية

المستجدات

24-04-2024

اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة الدار البيضاء-سطات تعقد اجتماعها العادي الحادي (...)

اقرأ المزيد

19-04-2024

الدار البيضاء-سطات: ورشة تفاعلية لتحديد الحاجيات الكفيلة بدعم قدرات الجمعيات (...)

اقرأ المزيد

14-03-2024

المجلس الوطني لحقوق الإنسان يؤكد بجنيف على ضرورة عقد لقاءات تشاورية مع الأطفال (...)

اقرأ المزيد
الاطلاع على كل المستجدات
  • تصغير
  • تكبير

أسئلة الذاكرة-محمد الخمليشي*

من خلال جلسات الاستماع العمومية والنقاشات التي فتحتها التجربة المغربية في العدالة الانتقالية (أبريل 2004- نوفمبر 2005)، مع هياة الإنصاف والمصالحة تبيَّنت الحاجة والأهمية لحفظ الذاكرة المتعلقة بالفترة التاريخية، الممتدة من 1956 إلى 1999.

لقد ظلت مجموعة من التجارب الدولية في العدالة الانتقالية (أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا..) تعمل على استعادة ذاكراتها الأليمة وماضيها الأقل إشراقا؛ فالذاكرة أمست تشكل العنصر المحوري في كل تجارب العدالة الانتقالية الدولية نظراً للطابع الرمزي الكبير الذي تحمله في مسلسل البحث عن الحقيقة ومن أجل التماس التسوية الودية (المصالحة)، سواء تعلق الأمر بالديكتاتوريات أو الميز العنصري ، بالحروب الأهلية ، أو بحروب عالمية، بل وحتى بسيرورات الاستعمار، أو بالتحولات السياسية الداخلية.

فعندما تكون الذاكرة جماعية، فإنها تصبح استعارةً تنقل المعنى من مرجعيته الأصلية؛ من الضحية، ككائن بيولوجي ونفسي، إلى كينونة الجماعة في الحاضر، فتعود الذاكرة إلى ماضي الانتهاكات قصد استرجاعه ، وجبر الأضرار المادية والمعنوية، التي لحقت بها كشرط لإرساء عدالة انتقالية، تسود فيها المصالحة بين الأطراف لتستشرف أفق المستقبل كانفتاح على علاقات ديمقراطية تُحترم فيها حقوق الإنسان.

وأما الذاكرة في الحاضر المغربي، فهي كناية عن الرغبة والإرادة الفردية والجماعية في التذكر. ومن ثم، فإن غالبية ضحايا سنوات الرصاص بالمغرب، تجمع على ضرورة الحفظ الإيجابي للذاكرة، ومنع نسيان الماضي الأليم بأبعاده الفردية والجماعية؛ فللذاكرة، هنا، خصوصيات، تفترض الاعتراف بها، في سياق الاعتراف والاحترام للحقوق الفردية والجماعية والجهوية. ومع ذلك فإن كانت شرعية الذاكرة تستند على الحق الإنساني فإنها كذلك تترك المجال لحق يقابلها، الذي هو الحق في النسيان.

لا ريب أن الذاكرة تشكل نقط تقاطع تاريخية وسياسية وجمالية.. وإحياؤها هو بمثابة تفسير ذاتي للأشخاص والأحداث والأماكن ، تتم ترجمتها إلى سرديات شفهية أومكتوبة، سمعية أو بصرية (الجداريات، المنحوتات، المتاحف..الرسومات، النصب التذكارية، أماكن الاعتقال، المدافن، الأشرطة الوثائقية.. ).

ومن ثمَّ فإن استراتيجية الحفظ الإيجابي للذاكرة، داخل أي بلد، بشكل علني ورسمي، تعد إحدى الضمانات القوية على الرغبة في استخلاص العبر والدروس من ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وإتاحة الفرصة للذاكرات التي ظلت مكبوتة، مهمشة ومقموعة - زمن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان – في التعبير عن احتياجات الضحايا وأقربائهم، والناجين من الفظاعات الفردية والجماعية للبوح العلني، وفي الحضور في المشهد العمومي. فبالرغم من عدم وجود شكل وحيد للتعامل مع ذاكرة ماضي الانتهاكات؛ فإن فهم احتياجات الضحايا وعائلاتهم والناجين من فظاعات عنف مؤسسات الدولة الأمنية يمثل أحد العناصر الرئيسية في عملية التذكر وصون الذاكرة.
إن الذاكرة بهذا المعنى هي حق إنساني في تحرير الكلام والتعبير، وواجب اجتماعي وسياسي للدولة ولكل الفاعلين السياسيين، يساهم في سيرورة تحرير السياسي والثقافي والجمالي.

في هذا السياق فإن توصية هيأة الانصاف والمصالحة في المغرب، المتعلقة بحفظ الذاكرة، تفترض كذلك "عدم النسيان"، بإتاحة الفرصة لحضور الذاكرة التي ظلت منسية وهامشية، و جعل الناس، وبخاصة الأجيال القادمة يستمرون في الإنصات الجيد لأصوات الضحايا، حتى بعد نشر التقرير الختامي للهيأة. وحتى ولو تكفلت كتب التاريخ برواية قصص الضحايا؛ فالتذكر يجب أن يجعل المواطنين والمواطنات ينخرطون في حوار حي وديناميكي ودائم، ليس فقط حول ماض، من حيث أحداثه ودلالاته، بل؛ أيضا حول الطريقة التي تستعيد فيه الذاكرة صوَرَها، فتنبني كذاكرة جماعية ومتعددة، وفي أفق بناء ذاكرة جمعية، يستفيد منها حاضر الإنسان المواطن وتستشرف من خلالها الأجيال الصاعدة مستقبل التعايش والمواطنة، في ظل الاحترام لقيم حقوق الإنسان؛

من هنا كان مطلب "الحق في التذكر" وتوفير شروط الحفاظ على الذاكرة، مطلباً حضارياً بامتياز يدعو الدولة وكل فئات وشرائح وطبقات المجتمع، حتى ولو كانت تلك الذاكرة تحيل على فترات أليمة "كسنوات الرصاص". فتذكر الماضي يتيح، من جهة تكريم أولئك الذين ماتوا أو اضطهدوا، وحتى ذويهم وأقربائهم و رفاقهم.. فالإنصات لأصواتهم، يتيح الإفصاح عن تعبيرات إنسانية وجمالية...

لقد تمثلت للتجربة المغربية هذه الأدوار والإمكانيات، إضافة إلى أنها تطلعت إلى آفاق أرحب وأغنى ، بالتحفيز على الحوار والنقاش حول الماضي، والوعي بضرورة وضع سجل تاريخي مناسب، لذاكرة وطنية، متعددة المكونات والتوجهات، تستشرف أفق المستقبل؛

في هذا السياق، يأتي برنامج مواكبة توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة في مجال الأرشيف، التاريخ والذاكرة، الذي يحمله المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، للإجابة عن مجموعة من الأسئلة، نورد منها التالي:

• كيف يمكن التوافق على الحاجة الجماعية لبناء (ذاكرة/ ذاكرات)، مقابل تحديات وإكراهات الصراعات السياسية السابقة وحتى الراهنة التي نجمت عنها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان؟

• كيف يمكن بحفظ أماكن الاعتقال والاحتجاز الأليمة، وبناء متاحف حاملة لذاكرة الانتهاكات أن يدعم سياسة جبر الضرر الجماعي( يستفيد منها السكان المحليون ، الذين يعتبرون بمثابة ضحايا غير مباشرين لانتهاكات همت مناطقهم المعنية)؟
• ما الضمانات الممكنة، من خلال حفظ الذاكرة، بأن لا يتكرر ما جرى؟ وبالتالي عدم الإفلات من العقاب مرة أخرى؟

• ما السبلُ التي يمكن اعتمادها، عند إحياء أسماء الضحايا والشواهد الأخرى وعند إشهارها في الميادين العامة والمتاحف.. في بناء بيداغوجيا التربية على المواطنة واحترام حقوق الإنسان؟ ودعامة للتنمية الاجتماعية والثقافية والجمالية؟

* مكلف بمحور الذاكرة في وحدة دعم تنفيذ برنامج مواكبة توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة في مجال الأرشيف، التاريخ والذاكرة،

أعلى الصفحة