أنتم هنا : الرئيسيةهيئة الإنصاف والمصالحة والاشتغال على التاريخ الراهن

النشرة الإخبارية

المستجدات

14-03-2024

المجلس الوطني لحقوق الإنسان يؤكد بجنيف على ضرورة عقد لقاءات تشاورية مع الأطفال (...)

اقرأ المزيد

13-03-2024

التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان يعبر بجنيف عن دعمه للمقاربة (...)

اقرأ المزيد

11-03-2024

الدورة 55 لمجلس حقوق الإنسان: مشاركة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في النقاش (...)

اقرأ المزيد
الاطلاع على كل المستجدات
  • تصغير
  • تكبير

هيئة الإنصاف والمصالحة والاشتغال على التاريخ الراهن

هناك مقتربات اعتمدتها هيئة الإنصاف والمصالحة في اشتغالها على التاريخ الراهن لا تختلف نوعيا عن ممارسة الكتابة

الأكاديمية المتداولة في الجامعات المغربية وغيرها، كاعتماد ما توفر من مراجع منشورة. هناك مقترب ثان ركز على الوثائق التي توفرت لدى شهود المرحلة أو وثائق رسمية حول الموضوع. وإذا كان هذا المقترب يشبه ما هو متعارف عليه في البحث التاريخي بتوظيف كل من الأرشيف الرسمي أو الخاص والشهادات الشفوية، إلا أن ما ميزه لدى الهيئة هو أن موضوع البحث في هذه الحالة، عنف الدولة في التاريخ الراهن، ظل يعتبر من طابوهات النقاش السياسي العمومي، وبالتالي لم يحظ من طرف البحث الأكاديمي إلا بمعالجات نادرة وغير مستفيضة لأسباب أهمها دور الرقابة الرسمية والذاتية، والمجهود الممنهج من طرف مؤسسات الدولة في إخفاء الأرشيف المتعلق به أو، وكما تأكد لدى الهيئة، عدم إنتاج هذا الأرشيف أصلا في العديد من الحالات.

ولم تقتصر إنجازات الهيئة في هذا الموضوع على توثيق عدد من الحالات عن طريق أرشيف إدارات الدولة المركزية، بل اعتمدت أيضا على أرشيف إدارات محلية لم تثر من قبل اهتمام الباحثين، وهي أرشيفات المستشفيات ومستودعات الأموات والمقابر. ولعبت هذه المصادر دورا حاسما في الكشف مثلا عن حالات ضحايا مرتبطة بالحركات الاحتجاجية الحضرية في كل من الدار البيضاء وفاس سنتي 1965 و 1990. وبالإضافة إلى القيمة السياسية لهذه النتائج، فإنها على مستوى مناهج البحث، تساهم في لفت الانتباه لقيمة الأرشيفات المحلية كمصادر لمعالجة التاريخ. المقترب الثالث همّ الأبحاث الميدانية التي أجرتها الهيئة والتي اعتمدت القيام بزيارات للميدان لاكتشاف أماكن ذات علاقة بوقائع تهم عمل الهيئة، واستندت في ذلك على وثائق رسمية أو خاصة، وعلى استجوابات شهود عايشوا تلك الأحداث. ومن أهم النتائج التي تحققت من خلال هذه التحريات الكشف عن أماكن اعتقال سرية بشكل سمح بوضع الخريطة الأكثر دقة لحد الآن لهذه المعتقلات، وتحديد أماكن دفن لعدد من الحالات التي كانت مجهولة أو غير موثقة. هذه النتائج ذات الأهمية الكبرى في توثيق التاريخ الراهن التي أسفرت عنها التحريات، تعطي الاعتبار لأهمية البحث الميداني، والمرتبط بالمعاينة والملاحظة المباشرة والاستجوابات والتي بقيت هامشية في البحث التاريخي في جامعاتنا، لأسباب حان الوقت لمناقشتها والبحث عن كيفية تجاوزها.

كما أن التحريات أبرزت الحاجة إلى إشراك العلوم البحثة في الدراسات التاريخية كما هو الشأن بالنسبة للتشريح الطبي، وتقنيات البحث عن الآثار. ارتبطت الأبحاث الميدانية باستجوابات الشهود والتي تنوعت ما بين مقابلات في إطار جمع المعطيات عن حالات محددة، أو في إطار تحديد السياق السياسي والتاريخي لممارسة العنف من طرف الدولة. هذه أيضا تشكل تقنيات يلجأ لها الباحثون.

لكن نوع المقابلات التي أجرتها الهيئة والتي تميزت نوعيا عن عمل الباحث كانت جلسات الاستماع العمومية، والتي نظمت مع ضحايا عنف الدولة في فضاءات عمومية وبحضور جمهور كان من بينه ضحايا، ومعارضون في الماضي أو في الحاضر، وممثلون عن الدولة سواء على المستوى المركزي أو المحلي. كما أن هذه الجلسات بثت على شاشة التلفزيون. أبرزت جلسات الاستماع الجانب الرئيسي الذي يميز عمل الهيئة عن عمل الباحث المؤرخ، ويتمثل في أن أحد الأهداف الرئيسية لمهمتها والتي وضعتها لها مؤسسة الدولة كان العمل على تحقيق المصالحة السياسية بين ضحايا عنف الدولة غير المشروع، وبين الدولة المسؤولة عن هذا العنف.

ولكي تنجز الهيئة مهمتها، فقد وفرت لها الدولة الدعم المادي والتسهيلات الإدارية التي لا تتوفر بكل تأكيد للباحث، بل إن غياب هذا الدعم، والعراقيل الإدارية للحصول على المعلومات والوثائق، تعد من بين المحبطات الكبرى أمام إنجاز الأبحاث الأكاديمية الميدانية. لكن هذا الجانب، بالرغم من أهميته، يهم الجوانب اللوجستيكية في تنظيم البحث الميداني، والتي يتم تجاوزها، وإن نسبيا، عن طريق اجتهادات الباحث في الميدان والتحايل على تعقيدات المساطير الإدارية، وهي كلها ممارسات لا تخفى على الباحثين المتمرسين على الميدان.

لكن تحقيق المصالحة السياسية كهدف لما أنجزته الهيئة من عمل ميداني، لم يحظ بعد بما يستحق من نقاش على المستوى الأكاديمي. ويتطلب هذه النقاش مما يتطلبه، الإجابة على الأسئلة التالية: هل يعتبر تحقيق المصالحة كهدف من دراسة التاريخ الراهن هدفا مشروعا أكاديميا؟ إلى أي حد تمكنت الهيئة من تحقيق هدفها اعتمادا على المقتربات التي اتبعتها في معالجة التاريخ الراهن؟ هل سعت الهيئة لتحقيق هدف المصالحة على حساب البحث الموضوعي في التاريخ؟ أي هل ضحت بحقيقة المعطيات في سبيل تحقيق المصالحة؟ ثم هل الكيفية التي اختارتها الهيئة لتقديم إنجازاتها، وهي الاقتصار على نشر التقرير الختامي مع التسجيلات الكاملة لجلسات الاستماع العمومية، مع الاحتفاظ بما توفر لها من وثائق مكتوبة وشهادات سمعية-بصرية، لفترة لا زالت غير محددة، هل هذه الإجراءات منسجمة مع ممارسات البحث الأكاديمي، ومع هدف تحقيق المصالحة؟

إن معالجة هذه القضايا تتطلب حيزا أطول من هذه الورقة المقتضبة، إنها تحتاج إلى وجهات نظر أكاديمية موسعة ستغني ولا شك تقييم المقتربات المنهجية لمعالجة التاريخ، وتتطلب بالتالي مشاركة المشتغلين في هذه الحقول المعرفية. وتزداد الحاجة لهذا النقاش اليوم في الوقت الذي بدأ يبرز فيه اهتمام الجامعة المغربية أكثر من أي وقت في السابق بالتاريخ الراهن وبمناهج الأبحاث الميدانية، وفي الوقت الذي أصبح فيه التاريخ، الراهن خاصة، موضوع اهتمام غير مسبوق من طرف الرأي العام من خلال ما تنشره وسائل الإعلام المكتوبة.

بقلم السيد عبد الحي المودن، عضو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان و عضو سابق بهيئة الإنصاف و المصالحة

أعلى الصفحة